أمام بوتين عدة خيارات بخصوص استخدام السلاح النووي (الفرنسية)

أمام بوتين عدة خيارات بخصوص استخدام السلاح النووي (الفرنسية)

إذا تأكدت خسارته الحرب في أوكرانيا، فقد يلجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للخيار النووي، فكيف سيكون ذلك؟ وما الذي يمكن للغرب أن يفعله في تلك الحالة؟

هذا ما ناقشته مجلة “لوبس” (L’Obs) الفرنسية في مقابلة لها مع الخبير الأميركي المتخصص في الانتشار النووي، الذي حدد لها 4 سيناريوهات كلها مخيفة، على حد تعبير المجلة.

 

وتقول لوبس إن الخبير جوزيف سيرينسيوني يدرس منذ 35 عامًا المخاطر المرتبطة بالانتشار النووي، ويقدم تقارير عن ذلك لمجلس النواب الأميركي ولمؤسسات بحثية مختلفة مثل مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وصندوق بلاوشيرز.. إلخ، كما أنه مؤلف لـ7 كتب حول هذا الموضوع، يرى أن احتمال لجوء بوتين للسلاح النووي، رغم ما يتعرض له اليوم من انتكاسات في أوكرانيا ضئيل جدا، لكنه حقيقي، حسب رأيه.

ولفت الخبير إلى أن استخدام الأسلحة النووية لم يطرح كخيار منذ الأزمة الكوبية عام 1962، مشيرا إلى أن بعض الأمور غير المقصودة كادت -بالفعل- منذ تلك الأزمة أن تؤدي إلى صدام نووي، لكن سببها كان دوما إما سوء تقدير أو خطأ أو تعطل رادار.

غير أن الوضع الآن مختلف -حسب سيرينسيوني- إذ ثمة حديث متزايد عن إمكانية الاستخدام المتعمد والواعي للأسلحة النووية.

وردا على سؤال عما إذا كان بوتين يستطيع وحده الضغط على الزر النووي، قال الخبير إنه لا يدري؛ فالأمر في روسيا يتطلب نظريا اتفاق الرئيس ووزير دفاعه وقائد القوات المسلحة، لكن هل سيتبع بوتين هذا الإجراء أم يتصرف بمفرده، وهذا لا يمكن تحديده، حسب سيرينسيوني.

 

أما في حالة لجوء بوتين للسلاح النووي، فإن سيرينسيوني تصور 4 سيناريوهات كلها قد تؤدي إلى كارثة للكوكب الأرضي:

السيناريو الأول: استعراض بسيط للقوة

في هذه الحالة ستطلق روسيا صاروخًا على البحر الأسود، أو بشكل أكثر دراماتيكية، إلى منطقة غير مأهولة في أوكرانيا، ولن يتسبب ذلك في وفيات، ولن يكون هناك ضرر يذكر، لكن الحدث سيمثل صدمة لكوكب الأرض كله وسيحبس العالم أنفاسه، إذ ستكون تلك أول مرة يستخدم فيها مثل هذا السلاح في حرب منذ هيروشيما؛ ورسالة موسكو من تلك الضربة ستكون “انتبهوا، توقفوا، تراجعوا القهقرى”.

لكن الخبير لا يرى أن هذا السيناريو هو الأكثر احتمالا؛ إذ لا يرى أن ذلك سيكون كافيا لضرب الروح المعنوية بدرجة كافية في العواصم الغربية وحملها على وقف الدعم لأوكرانيا.

السيناريو الثاني: استخدام سلاح نووي منخفض الطاقة

مثل هذه الضربة يمكن أن توجه لتمركز للقوات الأوكرانية أو قاعدة جوية أو ميناء عسكري… إلخ. ويمكن لصاروخ كروز إسكندر أن ينفذ مثل هذه المهمة، ومثل هذه الضربة وما ينجم عنها من انفجار هائل سيمثل -حسب الخبير- تطورا خطيرا؛ والهدف منه الأخذ بزمام المبادرة والتحكم في التصعيد، إذ من شأن هذه الضربة ألا تترك للخصم وسيلة للانتقام.

وتوقع الخبير أن يكون الرد الأميركي والغربي على أي من السيناريوين السابقين هو العمل على عزل روسيا كليا عن العالم سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا لبعث رسالة لبوتين مفادها: “لقد كسرت المحرمات النووية، وهددت وجود البشرية… وعليك أن تتوقف فورا”.

Iskander M missile at the 4th international military technical forum in August 2018 in Kubinka. Photo: AFP
صاروخ إسكندر الروسي يمكن أن يستخدم في ضربة نووية (الفرنسية)

السيناريو الثالث: قنبلة 50 كيلوطنا

وذلك عبر إسقاط قنبلة 50 كيلوطنا على أوكرانيا؛ وهذا يعني ضرب أوكرانيا بقنبلة 3 أو 4 أضعاف القنبلة التي ضربت هيروشيما، وسيؤدي ذلك لا محالة إلى مقتل العشرات، وربما مئات الآلاف من الناس، وسينتج عنه دمار لم نشهد مثله منذ الحرب العالمية الثانية، ورغم ذلك سيظل تأثير ذلك محليا ولن يشعر به الناس في باريس أو بروكسل مثلا.

 

لكن في هذه الحالة لن يكون أمام الغرب سوى الدخول مباشرة في الحرب.

ولا شك أن ذلك التطور سيمثل خطوة لم يحسب لها بوتين حسابها، فهدفه من مثل تلك الضربة هو جعل الغرب يحذر من مواجهته، ويتأكد من أنه مجنون وأن الخيار الأفضل هو الخروج من هذا الصراع.

ويبرر الخبير دخول الغرب -أو على الأقل الولايات المتحدة- في الحرب بأنها إذا كانت تؤمن بالردع النووي، فلا بد أن تنسجم أقوالها وأفعالها، وإلا فسيعتبر الهروب من الحرب استسلاما وستفقد واشنطن مصداقيتها في المواجهات المستقبلية، وهذا هو فخ الردع.

ومن المؤكد -وفقا لسيرينسيوني- أن الوحدة التي شنت الضربة النووية ستسحقها أميركا، وسيكون السؤال المعقد هو إلى أي مدى سنذهب في هذا الأمر؟ صحيح أننا سنضرب في روسيا، ولكن بعد ذلك كيف نسيطر على التصعيد؟ كيف نتجنب الضربة المضادة؟ وكيف يحقق بعد ذلك هدف إنهاء الحرب؟

 

السيناريو الرابع: ضرب بلد أوروبي غير أوكرانيا

في هذه الحالة يمكن لروسيا أن تستخدم سلاحًا نوويًا تكتيكيًا. على سبيل المثال، قنبلة بوزن 50 كيلوطنا لضرب هدف لحلف شمال الأطلسي، ربما في وسط أوروبا، حسب الخبير.

 

وسيكون هدف بوتين هنا خلق أكبر صدمة ممكنة، وسيكون ذلك متطابقا مع منطقه، إذ يرى أن ضرب أوكرانيا وتدميرها لم يكن كافيا لجعل الغرب يتراجع القهقرى وينأى بنفسه عن الصراع بأوكرانيا. وضرب الخبير مثال على ذلك بإقدام بوتين على ضرب قاعدة جوية بولندية تغادر منها طائرات النقل إلى أوكرانيا.

في مثل هذا القرار سيكون بوتين منسجما مع خطابه الذي ما فتئ يحذر فيه من أن هذه الحرب إنما هي عدوان من الناتو على روسيا، ولا شك -وفقا للخبير- في أن مثل هذه القنبلة ستقتل كذلك الآلاف، إن لم يكن عشرات الآلاف، وفي مثل هذا السيناريو ستكون فرضية الرد النووي الأميركي مبررة، وفقا للخبير.

ولفت سيرينسيوني إلى أن كل هذه السيناريوهات قد تمت دراستها، وأن كثيرا من “المناورات الحربية” كانت تستهدف الاستعداد لهذا النوع من الأزمات، حتى عندما كان الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في البيت الأبيض كانت هناك محاكاة لهجوم روسي على قاعدة تابعة لحلف شمال الأطلسي، شارك فيها مسؤولون رفيعو المستوى، على مدى عدة أيام، حسب قوله.

وختم الخبير بالقول إن بوتين إذا هاجم فإننا سنهاجم، لكن يجب ألا ننسى أن نسأل أنفسنا: ماذا سيفعل بعد ذلك؟ وإلى أي مدى سيذهب؟ ولا يمكن هنا استبعاد الفرضية القائلة إنه قد يشعل النار في المنزل بأكمله، فلديه القوة، لكن رغم وجود هذا الاحتمال فلا نريد التفكير فيه، حسب سيرينسيوني.

المصدر : لوبس

About Post Author