صراع الجمهوريين الذي خرج للعلن مبكرا.. ترامب ضد دي سانتيس
واشنطن- زادَ الفوز الكبير الذي حققه حاكم ولاية فلوريدا الجمهوري رون دي سانتيس بفترة حكم ثانية -وهو الفوز الأكبر للحزب الجمهوري في ظل خيبة أمل بتحقيق انتصار ساحق في انتخابات التجديد النصفي- فرص طي الحزب صفحة الرئيس السابق دونالد ترامب.
ومنحت خيبة أمل الجمهوريين في حدوث موجة حمراء يسيطرون بها على مجلسي الكونغرس، الثقة للعديد من قادة الحزب التقليديين والمانحين الكبار والناشطين المحافظين، للتعبير عن دعمهم خوض دي سانتيس سباق الانتخابات الرئاسية 2024.
في الوقت ذاته، فتح هذا الأمر باب مواجهة مبكرة مع الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يتوقع أن يعلن عن تقدمه للترشح للسباق الرئاسي في خطاب مساء الثلاثاء 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
فلوريدا.. مركز الصراع
في الوقت الذي لم تنته فيه بعد عمليات الفرز وعدّ أصوات ملايين الناخبين في ولايات نيفادا وأريزونا، ومع عدم وضوح مكاسب وخسائر الحزبين النهائية في سباقات مجلس النواب، خرج مبكرا وبقوة إلى العلن الصراع على بطاقة الترشح الرئاسية للحزب الجمهوري لعام 2024 من ولاية فلوريدا.
وتجمع ولاية فلوريدا كلا من ترامب (76 عاما)، ودي سانتيس (44 عاما). ويقطن ترامب في منتجع مارالاغو على ساحل المحيط الأطلسي، في حين يسكن حاكم الولاية في عاصمتها، مدينة تالاهاسي شمال الولاية.
وكان الرئيس ترامب قد فاز بولاية فلوريدا في انتخابات عام 2016 بنسبة 49%، وفي عام 2020 بنسبة 51%، في حين فاز دي سانتيس بنسبة 49% عام 2018، وبنسبة 59.6% هذا العام.
وتحولت ولاية فلوريدا خلال السنوات القليلة الماضية من ولاية متأرجحة إلى ولاية جمهورية، ومن هنا لم يكن مفاجئا أن تتحول إلى أحد أهم ساحات التنافس على زعامة الجمهوريين.
هجوم مبكر
وبادر الرئيس السابق ترامب بالهجوم على دي سانتيس، في الوقت الذي انشغل فيه الجمهوريون بالبحث عن أسباب عدم حدوث موجة حمراء توقعوا معها انتصارا كاسحا في مجلسي النواب والشيوخ.
وقلل ترامب من شأن دي سانتيس باعتباره حاكما ذا إمكانيات “متوسطة”، يفتقر إلى “الولاء”.
وصعّد ترامب من هجومه مساء الخميس الماضي. وفي بيان مطول أصدره ونشرة على منصة “تروث” (Truth)، انتقد ترامب دي سانتيس قائلا “الآن، رون ديسانكتيمونيوس يلعب ألعابا! فقد سألته وسائل الإعلام المزيفة عما إذا كان سيترشح إذا ترشح الرئيس ترامب في انتخابات عام 2024، فقال أنا أركز فقط على سباق الحاكم، ولا أتطلع إلى المستقبل حاليا. حسنا، من حيث الولاء واللياقة، هذه ليست الإجابة الصحيحة حقا”.
وسيكون ترامب الذي يمتلك موارد مالية ضخمة مع استمراره في جمع تبرعات منذ هزيمته في انتخابات 2020، ولا يزال يتمتع بشعبية كبيرة لدى قاعدة الحزب الانتخابية؛ خصما قويا لدي سانتيس، أو أي جمهوري آخر يجرؤ على تحديه.
دي سانتيس يتهرب
ولم يناقش دي سانتيس علنا أي فكرة تتعلق بخوض انتخابات الرئاسة عام 2024، على الرغم من أنه تهرّب خلال مناظرة الشهر الماضي من الأسئلة بشأن ما إذا كان سيلتزم بقضاء فترة ولايته الكاملة حاكما.
في الوقت ذاته، أشار عدد من معلقي شبكة فوكس نيوز (Fox News) الإخبارية الأميركية، صاحبة النفوذ الكبير في الأوساط الجمهورية، إلى حاكم ولاية فلوريدا باعتباره “زعيما جديدا للحزب الجمهوري”.
ونقلت الشبكة خطاب فوز دي سانتيس على الهواء مباشرة، كما غطت فوزه على نطاق واسع، ونشرت مقالا افتتاحيا على موقعها بعنوان “رون دي سانتيس هو الزعيم الجديد للحزب الجمهوري”.
كما خرج غلاف صحيفة نيويورك بوست (New York Post) اليمينية يوم الأربعاء الماضي بصورة لدي سانتيس وكلمة “المستقبل” في عنوان عريض، وذكرت أن نجم الحزب الجمهوري الشاب يقفز إلى النصر في فلوريدا.
ومن المتوقع أن يتعرض حاكم فلوريدا رون دي سانتيس لضغوط متزايدة للترشح لترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة عام 2024.
ويرى العديد من الجمهوريين أيضا أن دي سانتيس مرشح أقوى للانتخابات الرئاسية من ترامب، سواء كانت تلك المنافسة ضد الرئيس بايدن أو أي مرشح ديمقراطي آخر.
ويكرر الكثير من المعلقين الجمهوريين أن دي سانتيس “يجب أن يترشح” في انتخابات عام 2024، وأن لديه حجة جيدة تستند إلى سنواته الأربع حاكما لولاية كبرى، وفوزه الكاسح في إعادة انتخابه.
ويعكس تعبير عدد متزايد من الدوائر الجمهورية دعمهم لدي سانتيس، عثورهم على مرشحهم المفضل، خاصة أنهم ترددوا في تقديم أي إشارات مرحّبة بشخصيات مثل نائب الرئيس السابق مايك بنس، ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وحاكم ولاية فرجينيا غلين يونغكين؛ بدائل محتملة لترامب، إلا أن صعود دي سانتيس قد تجاوز بقية المرشحين.
الإستراتيجية والأسلوب
وفي حديث مع الجزيرة نت، قال كاس مود أستاذ السياسة الأميركية في كلية الشؤون العامة والدولية بجامعة جورجيا، “إن التحول من ترامب إلى دي سانتيس لا يشير إلى العودة إلى الوضع الجمهوري الطبيعي، بمعنى السياسات المحافظة التقليدية. فمن الواضح أن دي سانتيس وترامب يمينيان متطرفان، ولا توجد فوارق أيديولوجية كبيرة بينهما.
وبدلا من ذلك، يضيف مود، “يتعلق الأمر بالإستراتيجية والأسلوب. ترامب ليس سياسيا وليست لديه رغبة في أن يصبح سياسيا. وفي تناقض حاد، دي سانتيس لديه بالفعل خبرة سياسية كبيرة في إدارة واحدة من كبرى الولايات في البلاد من حيث القوة الاقتصادية والسكان”.
وأشار مود إلى أنه في “الوقت الذي لا يحترم فيه ترامب مؤسسات الديمقراطية الليبرالية ولا الممارسات السياسية في واشنطن، فإن دي سانتيس يعمل على إضعاف الديمقراطية الليبرالية من داخل النظام القانوني والسياسي القائم”.
في حين يرى شون ويلنتز، المؤرخ والبروفيسور بجامعة برنستون، أنه “لو نجحت محاكمة ترامب برلمانيا وعزله بعد الهجوم على مبنى الكابيتول، لما كان بإمكانه الترشح للرئاسة مرة أخرى، أو الخدمة في أي منصب فدرالي”.
وفي حديث مع الجزيرة نت، قال ويلنتز إن “الحزب الجمهوري بقيادة السيناتور ميتش ماكونيل لم يقم بما يجب القيام به للتخلص من ترامب، عندما سنحت الفرصة”.
من جانبه، أشار البروفيسور كاس مود إلى أن “من الواضح أن القيادة الجمهورية تفضل حاكم فلوريدا رون دي سانتيس، الذي يتمتع بالفعل بدعم كبير بين القاعدة الجمهورية، ويمكن تحويله إلى زعيم من خلال حملة منسقة في وسائل الإعلام اليمينية والمحافظة، لكنهم بحاجة إلى تنحي ترامب جانبا أولا، وهو أمر مستبعد للغاية”.
وأضاف أنه “حتى لو انخفضت شعبية ترامب بين الناخبين الجمهوريين بسبب نتائج الانتخابات النصفية غير المُرضية لهم، فسيظل له نفوذ بين نسبة كبيرة منهم. وبالنظر إلى أن العديد من الانتخابات في الولايات المتحدة يتم حسمها بهوامش فوز ضئيلة للغاية، فإن انتقام ترامب يشكل مخاطرة أكبر من أن يتمكن الحزب الجمهوري من تحمّلها”.