تصدرت لوحة فريدة لرائد الفن التشكيلي المصري محمود سعيد مبيعات مزاد دار بونهامز لفن الشرق الأوسط الحديث والمعاصر، والذي عقد في العاصمة البريطانية أول أمس الثلاثاء، مما يعكس استمرار الاهتمام العالمي المتزايد بأعمال الفنان المصري.
وحققت لوحة “الدفن” التي رسمها سعيد عام 1926، سعر 630 ألف جنيه إسترليني (14 مليونا و617 ألف جنيه مصري)، لتتجاوز تقديرات خبراء بونهامز بنحو 130 ألف جنيه إسترليني، إذ كان سعرها التقديري بين 350 ألفا و500 ألف جنيه إسترليني.
وقدمت دار المزادات الدولية الرائدة في بيع الأعمال الفنية والتحف لوحةَ سعيد بوصفها واحدة من أكثر لوحات الفنان التشكيلي المصري روعة، ومن أهم أعماله المؤثرة التي عرضت للبيع.
وتصور اللوحة مشهدا حزينا لدفن أحد الموتى في مقبرة القاهرة الشهيرة (القرافة) -على الأرجح- في مشهد مصري مميز تظهر فيه هيبة الموت والحزن الدفين على وجوه شخصيات العمل، مع سماء غزتها طيور سودٌ معبرة عن الموت.
وخلال المزاد، بيعت 4 أعمال أخرى للفنان المصري الرائد بإجمالي 170 ألف جنيه إسترليني.
وقدم المزاد العديد من الأعمال لفنانين مصريين بينهم عمر النجدي وحامد عبد الله وآدم حنين وحامد ندا وإنجي أفلاطون وجاذبية سري.
وكان من أهم الأعمال المعروضة في المزاد بخلاف لوحات سعيد، لوحة “غزة” للنجدي التي تجسد فظائع العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2009، ولكن اللوحة -التي قدر ثمنها بـ250 ألفا إلى 450 ألف جنيه إسترليني- لم تبع.
وخلال السنوات الماضية ازداد الاهتمام العالمي بلوحات الفنانين المصريين، وخاصة من المقتنين المهتمين بالأعمال الفنية التي تجسد أجواء الشرق، وتصدرت لوحات فنانين مثل سعيد والنجدي وعبد الهادي الجزار وغيرهم مبيعات العديد من المزادات العالمية الكبرى.
وتعد أعمال محمود سعيد (1897-1964) الأكثر رواجا والأغلى سعرا بالنسبة لمبيعات أعمال فناني المنطقة العربية والشرق الأوسط.
كما تتصدر أعماله قائمة أغلى لوحات فنية معاصرة وحديثة لفنانين مصريين بيعت في المزادات العالمية وتجاوزت حاجز المليون دولار، وتضم القائمة الأعمال التالية:
1- الدراويش المولوية
تتصدر لوحة الدراويش المولوية التي رسمها محمود سعيد في عام 1929 قائمة أغلى اللوحات المصرية الحديثة بعد أن بيعت بمبلغ مليونين و546 ألف دولار أميركي في مزاد كريستيز الذي أقيم في دبي يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 2010.
وتعد اللوحة من الأعمال المبكرة المذهلة لسعيد، وهي تصور مجموعة من الدراويش بزيهم الأبيض وطربوشهم الأحمر الطويل يرقصون داخل تكية الدراويش على شكل دائري، ويقال إن سعيد استلهمها من إحدى حلقات الدراويش في مولد الشيخ حسنين في المنصورة عندما كان يعمل قاضيا هناك.
وحطمت اللوحة -التي كانت من مقتنيات أمين محافظة جدة السعودية السابق محمد سعيد فارسي- توقعات خبراء كريستيز الذين قدروا سعر اللوحة قبل بداية المزاد بين 300 ألف و400 ألف دولار فقط، لتسجل في ذلك الوقت كأغلى لوحة تشكيلية في العالم لفنان عربي.
2- الشواديف
بيعت لوحة الشواديف لمحمود سعيد بسعر 2.43 مليون دولار أميركي في مزاد كريستيز الذي عقد أيضا في دبي يوم 27 أبريل/نيسان 2010، واعتبرت وقتها اللوحة الأغلى عربيا قبل أن تتجاوزها الدراويش بعد عدة أشهر.
الشواديف التي رسمها سعيد في عام 1948 وهي أيضا من مقتنيات فارسي، قدرت بسعر مبدئي لا يتجاوز 200 ألف دولار، وما إن بدأ المزاد حتى اشتعلت منافسة حامية بين المزايدين ليصل سعر اللوحة إلى أكثر من 12 ضعف التقديرات الأولية، لتكون إعلانا عن اهتمام السوق العالمي المتزايد بأعمال سعيد.
وتتميز لوحة الشواديف بالمصرية الشديدة، حيث تصور مجموعة من الفلاحين يسحبون المياه من النيل بالشادوف الذى يرجع تاريخه إلى أيام الفراعنة، وتظهر فيها الفلاحة المصرية وهي تحمل جرتها على رأسها وبجوارها جحش صغير، بجانب عناصر الطبيعة المصرية من ماء وشجر ونخيل.
3- العاطل
على غرار معظم أعمال سعيد، حققت لوحة “العاطل” نحو 3 أضعاف السعر التقديري لها في مزاد بونهامز في لندن في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وبيعت اللوحة التي كانت أيقونة المزاد بسعر 1.44 مليون يورو.
“العاطل” التي رسمها سعيد عام 1946 تظهر اهتمامه بتسجيل الشخصية المصرية البسيطة المتحلية بالكرامة والنبل.
وتصور اللوحة رجلا مصريا بسيطا يرتدي ملابس شتوية رمادية ويغطى رأسه بشال أبيض مهترئ، وهو يجلس على الكورنيش في سكينة ناظرا للأسفل ويبدو من وضع يديه فوق قدميه أنه يصلي، بينما يظهر وراءه مشهد حيوي للبحر ومراكب الصيد والمباني العديدة.
4- الجزيرة السعيدة
في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2016 كان عشاق أعمال محمود سعيد على موعد مع أحد أعماله المميزة التي تظهر للمرة الأولى في مزاد علني وهي لوحة “الجزيرة السعيدة” التي بيعت بمبلغ 1.418 مليون يورو في مزاد بونهامز في لندن.
وتتميز لوحة “الجزيرة السعيدة” المرسومة عام 1927 بألوانها الزاهية، وتصور امرأة تحتضن رضيعها فوق حمار يخطو إلى جهة اليمين، فوق جزيرة خضراء ذات نخيل مثمر وتحيطها ترعة صافية.
ويشير بعض النقاد إلى تأثر سعيد في هذه اللوحة بأعمال فناني عصر النهضة عن هروب السيدة مريم العذراء ونبي الله عيسى عليه السلام طفلا إلى مصر، وخاصة الفنان الإيطالي فرا أنجيليكو، ولكنه قدمه برؤية مصرية مميزة.
5- أيقونات النيل
سجلت “أيقونات النيل” التي رسمها الفنان التشكيلي المصري من أصل أرميني شانت أفيديسيان (1951 -2018)، رقما قياسيا عام 2013 كأغلى لوحة تباع في مزاد علني لفنان عربي معاصر حي، بعدما وصل سعرها إلى مليون و565 ألف دولار أميركي في مزاد دار سوثبي الذي أقيم وقتها في العاصمة القطرية الدوحة.
وتشتمل “أيقونات النيل” على 120 لوحة استغرق إنجازها من الفنان الراحل نحو 19 عاما، منذ 1991 إلى 2010، وتضم لوحات لمشاهير مصريين من فنانين وسياسيين وشخصيات مؤثرة، إضافة إلى بعض الشخصيات الأجنبية، فضلا عن توثيق بعضها لأحداث يومية من الحياة المصرية ووقائع سياسية.
6- سراييفو
تعدّ لوحة “سراييفو” من أشهر لوحات الفنان المصري الراحل عمر النجدي (1931-2019)، وبيعت بمزاد كريستيز في دبي يوم 16 مارس/آذار 2016 بمبلغ مليون و145 ألف دولار أميركي.
اللوحة الثلاثية العملاقة التي يصل طولها إلى 11 مترا بارتفاع 3 أمتار رسمها النجدي عام 1992 تأثرا بعمليات التطهير العرقي للمسلمين البوسنيين والكروات من قبل الصرب في ذلك الوقت، وتعد واحدة من أهم اللوحات التي صوّرت فظائع الحروب الدموية في العالم.
7- حفر قناة السويس
حققت بروفة أولية رسمها الفنان التشكيلي السكندري عبد الهادي محمد الجزار (1925-1965) للوحته الضخمة “حفر قناة السويس” مبلغ مليونا و23 ألف دولار في مزاد كريستيز بدبي يوم 19 مارس/آذار 2014، رغم أن السعر التقديري لها لم يتجاوز 150 ألف دولار.
وكان المتحف البحري بالإسكندرية قد كلف الجزار بإنجاز اللوحة تكريما لمئات الآلاف من العمال الذين شاركوا في حفر قناة السويس خلال الفترة بين 1859 و1869، وأنجزها عام 1965.
وانضمت اللوحة النهائية إلى مقتنيات متحف الفن المصري الحديث، في حين بيعت اللوحة الأولية المرسومة بالألوان المائية في مزاد كريستيز.
ويعد الجزار من أهم رواد الحركة التشكيلية المصرية، واشتهر بأعماله التي صورت العمال والفلاحين والفقراء والمهمشين وأبناء الطبقات العاملة.