تعطيل لمؤسسات الدولة وغلاء ومناشدات.. أزمة شح الوقود المستمرة تفاقم معاناة السوريين
“كلما تمكنت من شراء بعض الخضراوات ونصف كيلو من البرغل أو الأرز أو الحمص وانتهيت من إعداد وجبة الغداء، أبدأ بالتساؤل: كيف سأتمكن من إطعام أولادي في الغد؟”.
تحكي أم أيهم، وهي نازحة سورية من دير الزور إلى ريف دمشق، عن هاجسها اليومي منذ إغلاق محل الوجبات السريعة التي كانت تعمل به في دمشق قبل نحو أسبوع متأثرا بالأزمة المركبة التي تمر بها البلاد.
وتضيف السيدة الأربعينية في حديث للجزيرة نت “لم يعد الوضع يحتمل أكثر، لقد أصبحنا نخشى من الجوع في كل يوم، أمضينا أياما هذا الأسبوع معتمدين على وجبة من الخبز والشاي وأخرى من الخضراوات والحبوب”.
وتتابع “لقد أغلق محل الطعام الذي كنت أعمل به الأسبوع الماضي، وبدأت بالبحث عن عمل فور معرفتي بذلك، ولكن كلما دخلت إلى محل قالوا لي إنهم بالكاد يستطيعون إبقاء محلهم مفتوحا في ظل هذه الأزمة”.
وإلى جانب أم أيهم، بات السواد الأعظم من السوريين في مناطق سيطرة النظام يعانون للحصول على لقمة عيشهم اليومية بعد أن شُلّت حركة البلاد قبل نحو أسبوعين، بتأثير أزمة شحّ في المحروقات، وما استتبع ذلك من أزمات كانقطاع الكهرباء لفترات طويلة تصل إلى 22 و23 ساعة يوميا، وأزمة المواصلات الخانقة التي دفعت حكومة النظام إلى تعطيل المؤسسات العامة ليوم إضافي في الأسبوع للتخفيف من استهلاك الوقود.
في حين شهدت الأسواق موجة غلاء غير مسبوقة شملت معظم المنتجات الغذائية والاستهلاكية الرئيسة، بينما تعطلت الكثير من الأعمال وتواجه أخرى تحديات تهدد استمرارها في ظل استمرار الأزمة وتفاقمها.
تعطيل لمؤسسات الدولة وغلاء مستفحل
وكان رئيس مجلس الوزراء في حكومة النظام، حسين عرنوس، قد أصدر الثلاثاء الماضي قرارا يقضي بتعطيل الجهات العامة في مناطق سيطرة النظام يومي 11 و18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بسبب أزمة شح المحروقات التي تشهدها البلاد، وتأخر وصول توريدات المشتقات النفطية.
ورسميا رفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام، الاثنين الماضي، سعر المحروقات المبيعة للفعاليات الاقتصادية حصرا عبر شركة “بي إس” (B.S) المملوكة لعائلة قاطرجي (المقربة من النظام) ليصبح سعر لتر المازوت 5400 ليرة بدلا من 2500، ولتر البنزين 4900 بدلا من 3400 ليرة.
ولكن مصدرا حكوميا كشف لصحيفة الوطن المقربة من النظام، أمس الخميس، عن قرار تأجيل بيع المشتقات النفطية من خلال المحطات الخاصة التي استثمرتها شركة “بي إس” إلى موعد غير محدد نتيجة عدم توفر ما يكفي من الوقود.
وأضاف المصدر أن الأولوية في الوقت الراهن ستبقى للمرافق العامة الأساسية لاستمرار عملها وتقديم خدماتها للمواطنين، وللمنشآت الصناعية لضمان استمرار الإنتاج.
وينعكس استمرار أزمة شح الوقود وتفاقمها سلبا على مختلف الأعمال التجارية في مناطق سيطرة النظام، على نحو يدفع كثيرا من أصحاب الأعمال والمهن إلى تسريح أعداد متزايدة من الأجراء والعاملين، وإغلاق محالهم بشكل مؤقت أو نهائي.
وتفاقم هذه الأزمة واقع الفقر المدقع الذي يعيش في ظله ما يربو على 90% من السوريين منذ عام 2021.
كما ارتفعت أسعار معظم السلع الغذائية والاستهلاكية الأساسية في الأسواق السورية بنسبة بين 20% و30% منذ مطلع الشهر الجاري، في حين تخطى سعر صرف الدولار عتبة 5900 ليرة الجمعة 9 ديسمبر/كانون الأول.
مبادرة مجتمعية للحد من الأزمة
ويبقى شلل المواصلات في دمشق وريفها من أكثر الأزمات تأثيرا على معيشة السوريين لا سيما الطلبة والموظفين الذين يضطرون إلى دفع مبالغ كبيرة وغير متناسبة مع أجورهم يوميا للوصول إلى أعمالهم أو العودة منها إلى المنزل، خاصة بعد غياب المواصلات العامة وتضاعف تعرفة النقل لسيارات الأجرة.
وتستمر أسعار مادتي المازوت والبنزين في الارتفاع في السوق السوداء، ليتراوح سعر لتر البنزين بين 12 و17 ألف ليرة (2- 3 دولارات)، بينما سجل سعر لتر المازوت 9 آلاف (1.5 دولار).
ومن جهته، كشف المدير العام للشركة العامة للنقل الداخلي في دمشق موريس حداد في تصريح لجريدة الوطن شبه الرسمية، الخميس، عن تخفيض مخصصات مادة المازوت لباصات النقل الداخلي ومن ثم التخفيض من عدد الرحلات اليومية التي كانت تقلّ السوريين.
وعلى خلفية هذه الأزمة أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات للإضراب العام والاعتكاف في المنازل، يوم 22 ديسمبر/كانون الأول، احتجاجًا على الأوضاع المعيشية والخدمية المتردّية في البلاد، على أن يشمل الإضراب 3 قطاعات رئيسة هي: المحلات، والشركات التجارية، والجامعات والقطاع الحكومي باستثناء القطاع الصحي والطوارئ.
وقد أطلق مواطنون مبادرة “ع طريقك” التي تستهدف تقديم يد العون للطلاب والموظفين في دمشق وريفها عبر مجموعة من أصحاب السيارات الخاصة، سيتكفلون بتوصيل الطلاب والموظفين إلى جامعاتهم ودوائرهم الحكومية في ظل غياب وسائط النقل العامة وارتفاع تسعيرات سيارات الأجرة، ومن بينها “تكاسي الركاب” التي اعتمد عليها المواطنون سابقا في أوقات الازدحام وغياب وسائل النقل.
مناشدة واستنكار ودعوة للتعاون
وخلقت الأزمة استقطابا حادا بين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي بين معارض ومناشد وداع للصمود.
ليخرج الممثل السوري المؤيد للنظام وضاح حلوم في مقطع فيديو على صفحته في فيسبوك مناشدا الرئيس السوري بشار الأسد لإيجاد حلول للوضع المعيشي المتردي في مناطق سيطرة النظام.
وقال حلوم إن الوضع المعيشي في البلاد لم يعد يطاق، وإن الناس أخذت تجوع، داعيا الرئيس الأسد لإيجاد الحلول، قبل أن يعود الممثل ويحذف الفيديو من صفحته قبل مضي ساعة على نشره.
في حين استنكرت الأستاذة في كلية الاقتصاد رشا سيروب -في منشور لها على فيسبوك- توافر المشتقات النفطية المهربة في السوق الحرة، في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن العقوبات الجائرة الأحادية الجانب التي تجعلها عاجزة عن تأمين المحروقات.
أما الناشط وقريب الرئيس الأسد وسيم الأسد فدعا -في منشور له على فيسبوك- السوريين ليكونوا يدا واحدة في مواجهة الأزمة المعيشية الصعبة، وللتعاون في إخراج ما وصفه بالاحتلال المتمثل بالقوتين التركية والأميركية.