التهم الموجهة إلى دوروف تتمحور حول كون "تليغرام" منصة تسهل عمل المجرمين من مختلف الفئات والأهداف (رويترز)

التهم الموجهة إلى دوروف تتمحور حول كون "تليغرام" منصة تسهل عمل المجرمين من مختلف الفئات والأهداف (رويترز)

في الأيام الماضية، صعدت منصة “تليغرام” إلى صدارة الأحداث التقنية في إثر إلقاء القبض على مؤسس المنصة والمدير التنفيذي لها بافيل دوروف في الأراضي الفرنسية عقب مجموعة من التهم الموجهة إليه.

تنصب التهم الموجهة إلى دوروف في كون “تليغرام” منصة تسهل عمل المجرمين من مختلف الفئات والأهداف فضلًا عن رفض إدارة المنصة مرارًا وتكرارًا الامتثال لأوامر السلطات والكشف عن بيانات وأسماء المستخدمين كجزء من التحقيقات الجارية في عدة قضايا.

تبرر “تليغرام” موقفها بأن حماية الحرية وبيانات المستخدمين هي الأولوية القصوى لها، لذا وصفت هذه الاتهامات بكونها خاطئة وعارية من الصحة، ولكن في ضوء هذه الأحداث، أين تقف “تليغرام” من الأعمال الإجرامية؟

صعود “تليغرام” للقمة

تعتمد تطبيقات التواصل الاجتماعي في العادة على مزايا فريدة قد لا توجد في غيرها، وبينما تعتمد منصات مثل “إنستغرام” على الخوارزميات القوية ومزايا الصور المنوعة، فإن “تليغرام” اتخذت من الخصوصية مسعى لها، وقدمت جملة من المزايا التي تعمل على تحقيق الخصوصية القصوى للمستخدمين في مختلف الأوقات والحالات.

تستخدم “تليغرام” مثل العديد من تطبيقات التواصل الاجتماعي السريع ميزة التشفير ثنائي الأطراف، ولكن لا تكتفي المنصة بخوارزميات التشفير المعتادة، بل تعتمد على مجموعة مركبة من الخوارزميات الخاصة بها للتشفير، وهي خوارزميات سرية لا يمكن الاطلاع عليها من خارج الشركة.

فضلًا عن ذلك، يسهل “تليغرام” إنشاء الحسابات الوهمية والسرية للمستخدمين، إذ لا يطلب العديد من البيانات مثل “واتساب” أو يحتاج إلى رقم هاتف فعال ونشط، فقط أي رقم هاتف، وفي بعض الحالات يمكن التخلي عن رقم الهاتف وإنشاء الحساب دونه.


 

مكنت مزايا “تليغرام” المختلفة المنصة من الوصول إلى عدد مستخدمين قياسي خلال 10 أعوام، إذ تجاوز إجمالي المستخدمين في المنصة أكثر من 900 مليون مستخدم بحلول عام 2024، وذلك بعد أن كان في حدود 45 مليون مستخدم في عام 2014 عند إطلاقها للمرة الأولى.

 

مرتع خصب للهيئات الإجرامية

عندما أسس الشقيقان دوروف منصة “تليغرام” في عام 2014، كانا يبحثان عن آلية للتواصل بعيدًا عن الرقابة الروسية وبشكل آمن دون مراقبة المنصات المختلفة لها، وهذا السبب دفعهما لتأسيس المنصة، ويشير نجاح المنصة إلى أن الملايين يتفقون معهما في ذلك.

مزايا الخصوصية في “تليغرام” ليست مختلفة كثيرًا عن المزايا الموجودة في بعض المنصات الأخرى، ولكن أن تجتمع هذه المزايا معًا في منصة واحدة هو الأمر المفاجئ الذي أكسب المنصة سمعتها ذائعة الصيت في كونها منصة تواصل اجتماعي تنتمي إلى “الدارك ويب”.

في “تليغرام” يمكنك أن تصل إلى أي شيء ترغب به مهما كان نوعه عبر شريط البحث الموجود أعلاه، بدءًا من الأفلام والمسلسلات المسروقة وحتى المقاطع الإباحية في بعض الأحيان، فضلًا عن وجود العديد من التشكيلات الإجرامية السيبرانية التي تتخذ من المنصة واجهة لها.

مجموعة المخترقين “أنونيموس” (Anonymous) ومجموعة “كيل نت” (Killnet) هما مثالان بسيطان على مجموعات المخترقين والمجرمين الرقميين الذين يتخذون من “تليغرام” واجهة لعملياتهم والإعلان عنها بشكل مستمر.


 

وفق تقرير نشره موقع “أكسيوس” المختص بالأمن السيبراني، فإن منصة “تليغرام” توفر مجموعة من المزايا غير الموجودة في الإنترنت المظلم، لذا يفضلها المجرمون، وتشمل هذه المزايا آليات التواصل السريع والمباشر فضلًا عن استقبال الدفعات عبر العملات الرقمية المختلفة بما فيها العملة الخاصة بالمنصة نفسها.

كما أشار تقرير آخر من موقع “إنتل 471” (intel 471) المختص في الجرائم السيبرانية إلى أن بعض المجرمين يعتمدون على “تليغرام” في بناء متجر يمكن من خلاله بيع خدماتهم لمن يدفع أكثر وذلك بفضل مزايا العملات الرقمية المتاحة داخل التطبيق.

ولا يقتصر استخدام “تليغرام” على الجرائم السيبرانية فقط، بل يمتد إلى المجموعات النشطة سياسيًا وفق تقرير “إنتل 471″، إذ تستخدمه مجموعات مثل “جيش القدس الإلكتروني” في عرض أعمالهم وجذب المستخدمين إلى جانب استخدامهم لحسابات منصات التواصل الاجتماعي المعتاد وذلك إلى جانب فريق “1877” الذي يعتقد بأنه مجموعة من النشطاء الرقميين المقيمين في العراق، لكون المنصة مفضلة هناك.

SPAIN - 2022/10/17: In this photo illustration, the online chat and communication app Signal Telegram logo seen displayed on a mobile phone and on a laptop. (Photo Illustration by Davide Bonaldo/SOPA Images/LightRocket via Getty Images)
لا يقتصر استخدام “تليغرام” على الجرائم السيبرانية فقط بل يمتد إلى المجموعات النشطة سياسيًا  (غيتي)

ملاذ آمن للمضطهدين

تفرض منصة “تليغرام” قيودًا أقل على المحتوى المشارَك عبرها، ولا تكشف بيانات المستخدمين مهما كانت القضية الموجهة إليها، وفي حادثة سابقة مع محكمة “نيودلهي” لم تكشف المنصة عن بيانات المستخدمين الكاملة رغم صدور أمر قضائي بذلك.

ربما تساهم هذه المزايا في جذب المجرمين من مختلف بقاع الأرض، ولكنها أيضًا توفر غطاءً آمنًا للمقيمين في الدول ذات الرقابة الشديدة، إذ يمكنهم عبر المنصة مشاركة المحتوى بأمان ونشر أفكارهم، وربما ما كان يحدث مع “جيش القدس الإلكتروني” وحرب غزة المستمرة مثال حي على ذلك، إذ كانت المنصة منبرًا آمنًا تشارك فيه المقاومة الفلسطينية أنباءها ومقاطعها أولًا بأول دون خوف من الحظر أو المطاردة.

وفي البرازيل، كان للمنصة دور كبير في تنظيم المظاهرات والاعتراضات التي ملأت الشوارع ضد الحكومة الحالية للبلاد، إذ مكنت المتظاهرين من تناقل الأخبار أولًا بأول دون الحاجة إلى التواصل المباشر مع أفراد التنظيم، وكذلك كان الحال في لندن بعد عمليات الهجوم التابعة للجناح اليميني في بريطانيا.


 

سلاح ذو حدين

تنتهج “تليغرام” نهجًا مختلفًا في إدارة المحتوى ومتابعته، ورغم أن هذا النهج يترك مجالًا للكثير من أعمال السوء، فإن الخير الناتج عنه واضح للعيان في المناطق التي تعاني من الاضطهاد المفرط، فهل يجب على المنصة أن تتخلى عن سياستها التي ميزتها من اليوم الأول لتصبح مثل بقية منصات التواصل الاجتماعي؟ أم تستعد لمواجهة الانتقادات الدولية من مختلف الجهات بسبب سياستها المرنة ناحية إدارة المحتوى وتنقيحه؟ هذا ما تكشفه الأيام القادمة والمحاكمة المنتظرة لمؤسس المنصة.

المصدر : مواقع إلكترونية

About Post Author