سيرغي جيرنوف يراقب عن كثب المشهد السياسي في روسيا وأوكرانيا كخبير يقرأ ما يجري في حرب لا يُعرف حتى الآن متى أو كيف ستنتهي (الجزيرة)

سيرغي جيرنوف يراقب عن كثب المشهد السياسي في روسيا وأوكرانيا كخبير يقرأ ما يجري في حرب لا يُعرف حتى الآن متى أو كيف ستنتهي (الجزيرة)

باريس– عند بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، كان الجاسوس الروسي السابق سيرغي جيرنوف من أوائل الشخصيات التي أعلنت عن إمكانية استخدام الجيش الروسي لأسلحة نووية تكتيكية.

وبالفعل، بعد مرور 3 أيام فقط على تصريحه الصادم، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن ترسانة نووية قد وضعت في حالة تأهب.

 

وفي ظل صراع عسكري طاحن أدى إلى تغيير ملامح السياسة والاقتصاد في كل أنحاء العالم، كشف جيرنوف عن حقائق ومعلومات حصرية للجزيرة نت تنشر لأول مرة.

لجأ جيرنوف -وهو ضابط سابق في المخابرات السوفياتية وزميل الرئيس بوتين- إلى فرنسا عام 2001. ومنذ ذلك الحين، لم يقطع علاقته مع بلده الأصلي ويراقب عن كثب المشهد السياسي في المنطقة كخبير تدعوه وسائل الإعلام الأجنبية إلى قراءة ما يجري في حرب لا يُعرف حتى الآن متى أو كيف ستنتهي.

ومن خلال مقالاته وكتبه حول القضايا الروسية، صرح جيرنوف عن درايته الواسعة بالشأن الداخلي الروسي وكواليس المؤسسات الروسية وحتى بعض الأشخاص الذين يديرونها. ويقول الجاسوس الروسي السابق للجزيرة نت “من الأفضل رؤية الأشياء العظيمة من بعيد”.

يعتقد البعض أن وجودك في فرنسا كلاجئ يدفعك للتوافق مع الخطاب الإعلامي الغربي المهاجم لشخص الرئيس بوتين وتشويه صورته لكسب الرأي العام الغربي وتحسين ظروف إقامتك في أوروبا، ما ردك؟

إنها ادعاءات كاذبة ونهج تبسيطي يستخدمه من ينتقدني من داخل نظام بوتين وأجهزته الاستخباراتية، لذا أرجو عدم عكس الأسباب والعواقب. إنهم يعرفون جيدا أنني لطالما قدمت نظرة نقدية كخبير في السياسة الروسية عندما كنت لا أزال أقيم في روسيا بين عامي 1993 و2001.

وبسبب مواقفي المتشددة هذه، هوجمت من قبل النظام وأجبرت على اللجوء إلى فرنسا ولا أعتبر أنني بحاجة إلى جعل آرائي متطرفة لكي أجد مكاني المهني في الغرب.

فعلى العكس من ذلك، كان باستطاعتي الاندماج بسهولة أكبر لو كنت أكثر اعتدالا لأن الشركات والإدارات الأوروبية كانت في معظم الأوقات موالية لموسكو ومؤيدة لبوتين قبل بدء حربه الأخيرة في أوكرانيا.

صورة قديمة لجيرنوف (يسار) مع المدير السابق في جهاز المخابرات الروسية “كيه جي بي” الجنرال يوري دروزدوف (الجزيرة)

وصفت الرئيس بوتين بصفات قاسية وهاجمته بعنف، على غرار أنه رجل مخيف وقادر على الأسوأ وأنه معزول داخل الكرملين، وربما يقدم على استخدام القنابل النووية. هل تعتقد أن رئيسا بهذه المواصفات تمكن من حكم روسيا لأكثر من 20 عاما وحقق إنجازات كبيرة فيها؟

لم أقم بأي هجوم شخصي على شخصية بوتين المثيرة للجدل وإنما نقلت ببساطة منشوراته الخاصة عن سيرته الذاتية وشهادات زملائه السابقين ومديريه ومدربيه في جهاز المخابرات السوفياتي “كيه جي بي” (KGB).

وقد وصفه معظمهم بأنه شخصية مملة وملتوية وإشكالية أخفقت في حياتها المهنية في جهاز التجسس. كما أتاحت اجتماعاتي الشخصية مع بوتين فرصة تأكيد هذه الصورة بشكل أوضح.

من جهة أخرى، لا أقول إن بوتين أحمق وعاجز، لكنه رجل مغرور وماكر للغاية وانتهازي، وهو قادر على الأسوأ لإرضاء رؤسائه والتفوق في مسيرته المهنية.

أما فيما يتعلق بمنصبه كرئيس لروسيا، فهو لم ينتصر على السلطة العليا في البلاد بفضل التزاماته السياسية والأيديولوجية الاستثنائية. وكما هو معروف، بوتين لم يُنتخب لمنصب الرئيس لأن كل الانتخابات كانت مزورة.

وكأي موظف حكومي صغير وانتهازي من الطراز الرفيع، استغل بوتين وجوده في المكان والوقت المناسبين لتوظيف قربه من صانعي القرار والسياسيين، مثل أناتولي سوبتشاك رئيس بلدية سانت بطرسبرغ والرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسن. كما اعتقدت ابنة هذا الأخير تاتيانا وزوجها يومانشيف وباقي الأوليغارشيون الروس أنهم وجدوا في بوتين المنفذ السري المنضبط وغير البارز الذي يمكن التلاعب به بسهولة.

وللحفاظ على كرسي الرئاسة لأكثر من 22 عاما، أحاط نفسه بأصدقائه في “كيه جي بي” وانتهك وغيّر الدستور لبناء دكتاتورية قمعية شبيهة بستاليني، فضلا عن اغتيال كل معارضيه.

وفيما يسمى بـ”إنجازاته الاقتصادية العظيمة”، استغل بوتين صعود الصين المذهل والوضع الحالي للمواد الخام في العالم دون بذل أي جهد شخصي.

وقد تم استخدام الأرباح الطائلة التي تم الحصول عليها من الغاز والنفط لإعادة إطلاق آلة حرب وجهاز قمع وحشي يوازي ما يقرب من 30% من ميزانية الدولة الروسية.

ولا يجب نسيان حقيقة أن ثلثي الأراضي الروسية لا تزال متخلفة عن درب التطور ويعاني سكانها من غياب أبسط الأمور المعيشية.

وأعتقد أن بعض الدول العربية في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) حققت جهودا ومكاسب أكبر ألف مرة. لذا، لا يوجد أي شيء يدعو للتفاخر بإنجازات بوتين.

 

رافقت بوتين في العمل الاستخباراتي منذ عام 1980، وذكر بعض المسؤولين أن بوتين لم يكن صالحا للجاسوسية لعدم قدرته على تقييم عواقب قراراته بشكل صحيح. كيف برأيك صعد إلى المناصب العليا في جهاز “كيه جي بي” حتى وصل إلى رئاسة الجهاز؟

على عكس الأساطير التي نشرها بوتين، يمكنني القول إنه لم يصل قط إلى الصفوف الأمامية في الجهاز ولم يتم قبوله في الجهاز المركزي في موسكو، كما أنه لم يقم بأي تجسس حقيقي في دولة غربية.

لقد خدم بوتين كضابط اتصال غير مهم في عمليات إقليمية في لينينغراد أو دريسدن، بجمهورية ألمانيا الديمقراطية الشيوعية (في ذلك الوقت)، ثم أنهى مسيرته المهنية في لينينغراد في كراسي الاحتياط النشط لجهاز “كيه جي بي” المحلي بعد أن وصل إلى الحد الممكن للتشغيل.

أما عن صعوده الإداري والسياسي، فيرجع الفضل إلى عرابيه أناتولي سوبتشاك وتاتيانا ابنة يلتسن.

هل تعتقد أن الرئيس بوتين يقود روسيا بقرار فردي منه، أم للدائرة المقربة منه من مستشارين ومسؤولين تأثير على قراراته، سواء في الحرب في أوكرانيا أو قبلها؟

بنى بوتين روسيا كقرية لا توجد خلف واجهاتها الجميلة أي مؤسسات، بما في ذلك البرلمان والعدالة والديمقراطية. ولا يمكن القول إن “حزب القوة” و”روسيا الموحدة” أحزاب ذات قرار بإمكانها تحديد أي برنامج سياسي يُلزِم بوتين، وهو وضع أراه سخيفا في أي بلد آخر.

يجب معرفة أن بوتين ليس مسؤولا أمام أحد وحتى الشعب لم ينتخبه لأن الانتخابات لم تكن حرة ونزيهة، وكانت كل المعارضة مستبعدة. كما أن كل قرارات بوتين تصدر منه شخصيا مع مجموعة صغيرة من مساعديه لا يملكون صفة رسمية لذلك.

طلاب معهد موسكو للعلاقات الدولية والجاسوس الروسي السابق سيرغي جيرنوف هو الثالث على اليسار واقفا (الجزيرة)

بتقديرك، ما الذي دفع بوتين لدخول أوكرانيا؟ وما الذي يهدف لتحقيقه من وراء الحرب فيها؟ ومتى تتوقع أن تنتهي الحرب الروسية في أوكرانيا؟

إن السبب الحقيقي لهذه الحرب يتمثل في رغبة بوتين الشخصية للانتقام من الشعب الأوكراني، الذي أراد أن يعيش بحرية ويختار مستقبله، حيث تجرأ على الإساءة إليه والإطاحة برئيس أوكرانيا السابق فيكتور يانوكوفيتش، الذي كان مقربا من بوتين وتحت حمايته، مرتين ما بين أعوام 2004ـ 2005 و2013ـ 2014.

وأعتقد أن كل الأسباب الأخرى التي قدمها بوتين رسميا، بما في ذلك تهديد حلف شمال الأطلسي (الناتو) ونزع سلاح أوكرانيا والتخلص من النزعة النازية فيها، ما هي سوى ذرائع كاذبة لدخول الحرب.

وستنتهي الحرب عندما يُهزَم بوتين عسكريا على يد أوكرانيا المدعومة من المعسكر الحر ويفقد كرسي السلطة في روسيا.

كانت أوكرانيا جزءا من الاتحاد السوفياتي لعقود، وروسيا خبيرة بالشأن الأوكراني وتفاصيل الحياة فيها. في رأيك، ما الذي جعل القيادة الروسية تخطئ في تقدير قوة أوكرانيا وقدرتها على مواجهة القوات الروسية وما الذي أعاق حسم المعركة سريعا؟

اتخذ بوتين قرار الحرب بمفرده، وهو الذي ارتكب هذا الخطأ السياسي والعسكري والاقتصادي الخطير، وهو قراره الأخطر خلال 22 عاما قضاها في السلطة.

لقد كان مخطئا على طول الخط، سواء فيما يخص الشعب الأوكراني أو حول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي اعتبره “مهرجا” وغير قادر أن يكون رئيسا حقيقيا لبلده، فضلا عن أوروبا “المفككة” وغير القادرة على تشكيل جبهة مشتركة بعد أن وجد الناتو نفسه في حالة “موت دماغي”.

كما أخطأ بوتين في تقدير شدة إدانة المجتمع الدولي للحرب وقدرة الجيش والاقتصاد الروسيين على المقاومة، والضرر الإستراتيجي المحتمل لروسيا على المدى المتوسط والبعيد.

 

هل تعتقد أن روسيا ستكتفي بالسيطرة على شرق وجنوب أوكرانيا لتأمين مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية عبر البحر الأسود؟

من حيث المبدأ، يملك الرئيس الروسي موارد كافية ويمكنه كسب بعض المعارك، مثل احتلال دونباس بالكامل والسيطرة على خيرسون وماريوبول وميليتوبول لضمان الاستمرارية الإقليمية في شرق أوكرانيا بين دونباس المحتلة وشبه جزيرة القرم التي تم ضمها عام 2014. وبالتالي، جعل بحر آزوف بحيرة داخلية تابعة لروسيا.

لكن من المتوقع أن يجد الرئيس الروسي صعوبة في السيطرة على هذه المناطق في الشرق باستخدام الأسلحة التقليدية وإخضاع شعب بأكمله -يبلغ عدد سكانه 45 مليون شخص يدافعون عن أراضيهم- لنظامه.

وفي الوقت الحالي، فإن تركيا هي الدولة الوحيدة التي تفرض مصالحها في البحر الأسود وتسيطر على مضيق البوسفور والدردنيل.

هل تعتقد أن شعبية بوتين داخل روسيا ارتفعت أم تراجعت بعد خوض الحرب في أوكرانيا؟ خصوصا أن المواطن الروسي لم يعانِ في معيشته بسبب الحرب فالروبل وضعه أفضل بعد الحرب، والسلع متوفرة والأسعار لم ترتفع كما يحصل في أوروبا.

عندما تطغى الدكتاتورية، يصبح من المستحيل قياس الشعبية الحقيقية، كما كان الحال في ألمانيا النازية تحت حكم هتلر. وبالتالي، لا نعرف فعليا مستوى الدعم لحرب بوتين في الداخل الروسي.

وعلى عكس كلامك، يعاني الشعب الروسي بشكل كبير من هذه الحرب غير الضرورية وغير العادلة. بالإضافة إلى أن هناك أكثر من 30 ألف جندي روسي لقوا حتفهم بالفعل، بما في ذلك عشرات الجنرالات، وهو ضعف العدد في 3 أشهر فقط مقارنة بحرب الاتحاد السوفياتي في أفغانستان التي استمرت 10 سنوات.

لقد أضرت العقوبات الغربية بالاقتصاد الروسي الضعيف، الذي يعاني من أكبر انخفاض له منذ 20 عاما، وتوقفت قطاعات كاملة بسبب نقص المنتجات الأجنبية وانسحبت معظم الشركات التكنولوجية من السوق.

بالإضافة إلى ذلك، يؤثر الوضع القوي للروبل على ميزانية الدولة التي تتكبد خسائر بنسبة 50% من المدخلات المستمدة من تصدير المواد الخام. لقد عادت الدولة إلى الوضع الذي كانت عليه في الاتحاد السوفياتي حيث العملة الوطنية قوية لكن لا يمكن تغييرها بهذا السعر الرسمي لأن سعر الصرف الحقيقي أقل 3 أو 4 مرات فائدة في السوق السوداء.

Russian President Putin attends an extraordinary meeting of CSTO leaders, via a video link outside Moscow
صحة بوتين كانت محل تكنهات عديدة في الأشهر القليلة الماضية ولا سيما عقب بدء حرب أوكرانيا (رويترز)

ما رأيك في مدى مصداقية الأنباء التي تقول إنه مريض بالسرطان؟ ولماذا لم يصدر الكرملين أي تعليق حتى الآن؟

يبلغ بوتين من العمر 69 عاما في بلد يتراوح متوسط عمر الرجل فيه بين 65 و76 عاما. وبالتالي، أنا على يقين من أنه يعاني من الأمراض المرتبطة بالعمر.

في الواقع، لا توجد أي معلومات مباشرة عن صحة بوتين، إلا أن البيانات غير المباشرة تشير إلى زيارة أطباء الأورام ومختصي الغدد الصماء إلى مقرات بوتين الرسمية.

من جهة أخرى، لا يجب تقديم استنتاجات متسرعة. فعلى سبيل المثال، تم الكشف عن إصابة الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران بالسرطان بعد أسبوع من توليه المنصب رسميا في مايو/أيار 1981، لكن هذا الأمر لم يمنعه من قضاء فترتين رئاسيتين مدة كل واحدة منهما 7 سنوات.

لم يصرح الكرملين بأي معلومات شخصية عن بوتين منذ فترة طويلة ويعتبر الحديث عن صحته من المحظورات، كما هو الحال بالنسبة لجميع الدكتاتوريين في العالم.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *