زادت جرائم الكراهية في الولايات المتحدة خلال النصف الأول من العام الجاري 2022، حيث شهدت العديد من المدن الكبرى ارتفاعا بهذا النوع من الجرائم، وفقًا لبيانات الشرطة التي جمعها مركز “دراسة الكراهية والتطرف” في جامعة ولاية كاليفورنيا في سان برناردينو، وذكرتها مؤخرا منصة “في أو إيه نيوز” (voanews).
وأظهرت بيانات جمعت من 15 قسما للشرطة بهذه المدن الكبرى أنه كان هناك زيادة بنسبة 5% في الحوادث المتحيزة بالنصف الأول من العام الجاري، ويبلغ عدد سكان المدن الـ 15 التي تم جمع البيانات منها 25.5 مليون نسمة.
وبالمقارنة، أظهرت عينة أكبر من البيانات -المستقاة من 52 مدينة رئيسية وجمعها المركز- أن جرائم الكراهية في الولايات المتحدة زادت بنسبة 30% تقريبا عام 2021، وفقًا للتقرير.
ويُعرِّف مكتب التحقيقات الفدرالي جريمة الكراهية على أنها “جريمة جنائية ضد شخص أو ممتلكات يكون دافعها كليا أو جزئيا بسبب العرق أو الدين أو الإعاقة أو التوجه الجنسي أو الهوية الجنسية”.
وازدادت جرائم الكراهية بسرعة في هذا البلد، السنوات الأخيرة، مدفوعة بعدد من العوامل: من زيادة المشاعر المعادية للأشخاص من أصول آسيوية أثناء جائحة الفيروس التاجي، إلى العداء ضد السود ردا على احتجاجات العدالة العرقية بجميع أنحاء الولايات المتحدة عام 2020 بعد مقتل المواطن من أصل أفريقي جورج فلويد من قبل أحد أفراد الشرطة.
وإذا استمرت الزيادة هذا العام، فسيكون العام الرابع على التوالي الذي يتواصل فيه ارتفاع جرائم الكراهية بالولايات المتحدة و”يمكن أن يصبح هذا اتجاها لعدة سنوات قادمة” حسب المدير التنفيذي لمركز “دراسة الكراهية” بريان ليفين.
الأمر أسوأ بدول الاتحاد الأوروبي
شهدت دول الاتحاد الأوروبي الآونة الأخيرة ارتفاعا حادا في خطاب الكراهية وجرائمها، علما بأن قانون الاتحاد الأوروبي يجرم مثل هذا السلوك.
وتسعى المفوضية، بدعم من البرلمان الأوروبي، إلى معالجة هذا الخلل من خلال توسيع قائمة “جرائم الكراهية بالاتحاد الأوروبي” (EU crimes) المدرجة في المادة 83 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي (TFEU) لتشمل خطاب الكراهية وجرائمها، ولا يمكن القيام بذلك إلا بقرار بالإجماع من المجلس بموافقة البرلمان.
وحسب دراسة عام 2020 للبرلمان الأوروبي وأخرى عام 2021 بدعم من مبادرة المفوضية الأوروبية لمكافحة خطاب الكراهية وجرائمها، زاد معدل حدوث هذه الظواهر بشكل مطرد في جميع أنحاء الاتحاد، السنوات الأخيرة.
ويزدهر خطاب الكراهية خاصة بوسائل التواصل الاجتماعي، حيث يميل مستخدموها، بما في ذلك الشخصيات السياسية، للتعبير عن أفكارهم دون تحفظ.
وتقدم الدراسة أمثلة على خطاب الكراهية وجرائمها التي تعرضت لها مجموعات مستهدفة مختلفة، مع بعض الإحصاءات. فمثلا، أبلغت 63% من الفتيات اللاتي شملهن الاستطلاع عن أحد أشكال التحرش عبر الإنترنت على منصات التواصل. وأفاد 38% من فئة ذوي الإعاقة أنهم تعرضوا لخطاب كراهية في الـ 12 شهرا التي سبقت المسح، ووقع 17% من هؤلاء ضحايا للعنف الجسدي مقابل 8% آخرين.
وارتبطت هذه التطورات بزيادة الهجرة، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وانتشار نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة، فضلا عن الاستخدام المتزايد للإنترنت، بما في ذلك وسائل التواصل.
كما يبدو جليا أن جائحة كورونا، وانعدام الأمن والصعوبات الاقتصادية التي أحدثتها، قد ساهم بشكل كبير في زيادة خطاب وجرائم الكراهية في أوروبا.
ما الأسباب والدوافع التي تقف خلف جرائم الكراهية؟
حددت شبكة “سي إن إن” (CNN) في تقرير سابق لها 4 دوافع أو أسباب رئيسة تقف خلف جرائم الكراهية، وذلك اعتمادا على دليل مكتب التحقيقات الفدرالي التدريبي حول التعرف على جرائم الكراهية، وهي:
السعي للإثارة والتشويق لدى الشباب (Thrill-seeking)
غالبا ما تكون جرائم الكراهية مدفوعة بغياب النضج وبهدف الإثارة، فمفترفوها صغار في السن، وسكارى في أغلب الأحيان يدفعهم الملل والإفراط في الشراب.
يقول الخبراء إنه وفي كثير من الأحيان لا يوجد سبب حقيقي لهذه الجرائم، فمنفذوها يقومون بها للإثارة التي ترافقها، في حين يكون الضحايا معرضين للخطر لمجرد اختلاف خلفياتهم الجنسية أو العرقية أو الدينية عن مهاجميهم.
وغالبا ما يعتقد مرتكبو هذه الجرائم أن المجتمع لا يهتم بالضحايا، أو الأسوأ من ذلك أنه سيصفق للمهاجمين ويكيل لهم المديح والإعجاب.
ورغم أن المهاجمين عادة ما يكونون من الشباب لكنهم خطرون للغاية، وتسبب هجماتهم أذى جسديا بليغا للضحايا. فحسب دراسة لباحثين بجامعة “شمال إيسترن” (Northeastern University) فإن 70% من هذه الاعتداءات تؤدي لإدخال الضحايا إلى المستشفى للعلاج.
ومع ذلك، فإن عداء المهاجمين تجاه ضحاياهم -الذين يختارونهم عشوائيا- والأذى الذي يسببونه لهم، يمكن أن يكون منخفضا نسبيا لأنه غير مبني على دوافع حقيقية ونادرا ما يصل للموت، مما يوفر على الأقل فرصة لإعادة التأهيل للضحايا.
أسباب دفاعية متوهمة
في جرائم الكراهية هذه، يرى المهاجمون أنفسهم على أنهم “يدافعون” عن نفوذهم: في الحي أو مكان عملهم أو دينهم أو بلدهم.
وعلى عكس الباحثين عن الإثارة، الذين يغزون أحياء أخرى، ويهاجمون دون سابق إنذار، يستهدف “هؤلاء المدافعون” ضحايا محددين مسبقا، ويبررون جرائمهم بأنها ضرورية لإبعاد التهديدات، وفي كثير من الأحيان تتم هذه الاعتداءات بسبب حدث معين مثل انتقال عائلة مسلمة أو سوداء إلى حي جديد يقطنه غالبية من البيض.
ومثلهم مثل الباحثين عن الإثارة، يُظهر “هؤلاء المدافعون” ندما ضئيلا أو معدوما على هجماتهم ويعتقدون أن معظم، إن لم يكن كل المجتمع، يدعمهم ويقف خلفهم ولكنه يخاف من إبداء دعمه الصريح لهم.
وفي هذا السياق، قال رئيس مركز دراسة الكراهية والتطرف “إنهم يعتقدون بصدق أن ما يفعلونه يحظى بنوع من الموافقة المجتمعية”.
الانتقام
ينظر إلى العديد من جرائم الكراهية على أنها نوع من الانتقام، سواء كان ذلك ردا على الإهانات الشخصية أو جرائم الكراهية الأخرى أو الإرهاب.
ويستهدف “المنتقمون” الذين غالبا ما يتصرفون بمفردهم، أفراد الجماعة العرقية أو الإثنية أو الدينية الذين يعتقدون أنهم ارتكبوا الجريمة الأصلية، حتى لو لم يكن للضحايا علاقة بها. إنهم يهتمون فقط بالانتقام، وسوف يسافرون إلى أراضي الضحايا لتطبيقه إذا لزمهم الأمر.
وقد تصاعدت هجمات الانتقام عقب أعمال “إرهابية” وهي بمثابة ردات فعل مرير يستهدف في الغالب الأميركيين المسلمين، مثل ما حدث بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 حيث ارتفعت جرائم الكراهية ضد العرب والمسلمين بنسبة 1600%، والأمر نفسه حدث بعد هجمات باريس عام 2015.
وفي بعض الأحيان، يستهدف أعضاء من نفس الدين أو المجموعة العرقية بعضهم البعض. فمثلا، اتهم المدعون بولاية أوهايو أعضاء طائفة منشقة من طائفة الأميش بارتكاب جرائم كراهية بعد أن قطعوا بعنف لحى طائفة منافسة، ورغم أن محكمة الاستئناف ألغت الإدانة بجرائم الكراهية، فإنها قضت بأن الدين كان سببا مهما لكنه ليس الدافع الرئيسي وراء الاعتداءات.
حملات صليبية
هذه أخطر أنواع جرائم الكراهية، ويرتكبها أشخاص يعتبرون أنفسهم “صليبيين” وغالبا لأسباب عرقية أو دينية، ومهمتهم: شن حرب شاملة ضد أعضاء عرق أو دين منافس، وغالبا ما يرتبطون بجماعات تشاركهم وجهات نظرهم العنصرية.
ويكتب مرتكبو هذا النوع من الجرائم بيانات مطولة لشرح وجهات نظرهم، ويزورون مواقع الإنترنت الغارقة في خطاب الكراهية والصور العنيفة، ويسافرون لاستهداف مواقع ذات أهمية رمزية أثناء السعي لتحقيق أقصى قدر من الأذى.
وفي هذا السياق قال ليفين “يعتقد مرتكبو هذه الجرائم أن النظام يقف ضدهم، مما يعني أنه يمكنهم تبرير العنف المفرط ضد الأبرياء”.
كيف يمكن منع جرائم الكراهية والتصدي لها؟
هناك أكثر من صعيد يمكن التصدي من خلاله لهذه الجرائم الخطيرة ومحاصرتها في مهدها، وأول هذه الجوانب تشديد القوانين والعقوبات ضد هذه الجرائم بالدول المعنية.
مثلا، ما زالت القوانين ضد هذه الجرائم بالاتحاد الأوروبي ضعيفة حيث يجرمها القانون إذا كانت مرتبطة بمجموعة محدودة من الخصائص المحمية، مثل السلالة والعرق، لكنه لا يحاسب على خطاب الكراهية المنتشرة بشدة في مختلف دول الاتحاد، ومن سياسيين بارزين.
أما على الصعيد الاجتماعي، فهذه مسؤولية كل فرد، وقد حددت منصة “في بي جي أورغ” (vbg.org) عددا من الخطوات العملية التي يستطيع أي شخص القيام بها لمكافحة هذه الجرائم وهي:
- تحدث في إطار المجتمع المحيط بك (المدرسة أو العمل) ضد جرائم الكراهية والتعصب.
- نظم مسيرات مجتمعية لدعم الضحايا.
- تقديم الدعم والمساعدة المادية والمعنوية للضحايا.
- اطلب من المسؤولين الحكوميين التحدث علنا ضد جرائم الكراهية.
- إنشاء شبكة ضد جرائم الكراهية تضم مؤسسات إنفاذ القانون والحكومة المحلية والمدارس والمنظمات الدينية والمنظمات المجتمعية، واطلب منهم الرد على جرائم الكراهية فور حدوثها وتعزيز الوعي وسبل الوقاية منها.
الاختلافات تغني الحياة
أخيرا، تعد جرائم الكراهية نوعا من عدم النضوج الفكري، وعدم إدراك وحدة المصير الإنساني على هذه الأرض، فنحن جميعا نسير في مركب واحد، إن غرق غرقنا جميعا، وما الاختلافات في اللون والجنس والعرق والدين إلا تباينات بشرية تغني الحياة وتزيد من ثرائها، فتصور لو كان الناس جميعا بلون واحد وجنس واحد ومعتقد واحد، إذا لاختل مفهوم الحياة نفسه.