أواخر القرن الـ 16، حلم صبي صغير يعيش في حي “كنت” الفقير (جنوب شرقي لندن) بأن يصبح رجلا ثرياً لا يشبه من حوله ممن امتهنوا قطع الطرق والاحتيال في بريطانيا.

هذا الحي كان واحداً من أكثر الأماكن سخونة بالمملكة المتحدة، إذ التجأ إليه -هذا الوقت- المهربون والقراصنة وغيرهم من الشخصيات المشبوهة في المجتمع البريطاني. وهناك عاش الصبي الطموح جون وارد الذي ستتحقق أحلامه بشكل يفوق التوقعات، ويصبح ثرياً فعلاً من خلال احتراف “القرصنة” وبات مثالاً للرعب والخطورة عبر البحار.

 

الأسطورة الذي ألهم سلسلة “قراصنة الكاريبي”

عند الحديث عن القراصنة، لا بد أن نتذكّر قصة حياة الكابتن جاك سبارو الذي لعب دوره الممثل الأميركي جوني ديب في سلسلة أفلام “قراصنة الكاريبي” (Pirates of the Caribbean).

لكن ما لا يعرفه كثيرون أن هذه الشخصية الأسطورية -التي كانت مصدر إلهام الكتاب- هو قرصان عتيد، وضابط بحرية مخضرم يُدعى جوني وارد. وعُرِف أيضاً باسم كابتن جاك بيردي، اعتنق الإسلام نهاية حياته وأطلق على نفسه اسما إسلاميا.

كل هذه الأسماء لرجل واحد كانت حياته حافلة، وأصبحت قصص مغامراته أكثر إثارة من الروايات الخيالية، وهو ما جذب أنظار هوليود إلى اقتباسها في سلسلة من أشهر أعمالها.

حياة حافلة بالأخطار والمغامرات

جون وارد كان يُلقب بـ “سبارو” (Sparrow) في إشارة إلى عصفور الدوري، وذلك دليلاً على رشاقة عملياته الخاطفة.

بدأ وارد مسيرته المهنية بالقرن الـ 16 قرصاناً، حتى أن التاج البريطاني آنذاك أقر ببراعته وكلّفه بمهاجمة سفن الأعداء في عرض البحر، الفترة التي كانت تُسمى “العصر الذهبي للقرصنة” وامتدت منذ العام 1650 حتى 1720 الميلادي.

ولدت فكرة تعاون القراصنة مع التاج البريطاني عندما تطلّعت الإمبراطورية إلى هزيمة الأسطول الإسباني. وكان وارد واحداً من البحارة الذين تحوّلوا إلى القرصنة المقنّنة، وهو شكل شبه قانوني من القرصنة أصدرت فيه الملكة إليزابيث الأولى تراخيص لأي شخص ينوي نهب سفن تابعة للإسبان.

وكانت الصفقة بسيطة: يحصل التاج على 5% من المسروقات، على أن ينال عملاء اللورد الأدميرال على 10% من الغنائم، والباقي يتم تقسيمه بين قرصان السفينة وطاقمه.

ومع ذلك، تعرّضت حياة وارد البحرية لضربة صيف 1604، عندما انتهت الحرب الأنجلو إسبانية. وعليه، حظر الملك جيمس السادس جميع رحلات القرصنة، ليجد وارد نفسه عاطلاً عن العمل. وسرعان ما سمع شائعات عن تاجر شهير كان على وشك الإبحار بثروة ثمينة إلى فرنسا، فأقنع 30 رجلاً بالانضمام إليه لعملية قرصنة السفينة.

وعلى الرغم من أن الأشياء الثمينة كانت نُقلت من السفينة قبل وصول فرقة القراصنة الجديدة، فإن وارد استولى على السفينة ليستخدمها بمهماته المقبلة، وبدأ وطاقمه البحث عن الثروات السهلة بالبحار. وبدأت، بالتالي، حياته المهنية قبل العصر الذهبي للقرصنة، لكنه أصبح أحد أكثر القراصنة الأسطوريين بعصره، حتى بعد حظر القرصنة رسمياً.

العمل بالمتوسط بدلاً من الكاريبي

بدلاً من العمل في مناطق الصيد المعهودة بمنطقة البحر الكاريبي، شقّ وارد طريقه إلى البحر الأبيض المتوسط.

آنذاك، تمكن من الاستيلاء على عدد من السفن التي تبحر في المتوسط، والمحمّلة بالبضائع الفخمة المُصدَّرة من الشرق الأوسط إلى أوروبا، بما في ذلك سفن “قادس” الضخمة من البندقية، والتي تتميز بجوانب مسلحة بالرماح والسهام الثقيلة، مما حقق نجاحاً كبيراً له عندما استخدمها في حملات القرصنة.

في هذه الأثناء، اشتهر القبطان البريطاني بعملياته الناجحة، وثرائه الفاحش، وبدأ التواصل مع عثمان داي (والي الجزائر العثماني) وذاع صيته شمال أفريقيا باعتباره “قرصاناً من النبلاء”.

اعتزال القرصنة واعتناق الإسلام

لم يدم نجاح القرصان المخضرم طويلاً، فكما هو حال القصص الحقيقية للكثير من القراصنة، سرعان ما تعرض لضربة قاضية. فبعدما أعاد تجهيز سفينته العملاقة بدفاعات أثقل مما كانت تحتمل، علق طاقمه بعاصفة بحرية قاسية وغرق 350 من فرقته في البحر، بمن فيهم عاملون عرب انضموا لفرقته، لكن وارد نجا مع عدد محدود من مساعديه.

لم تتعافَ سمعة وارد من الكارثة عندما عاد إلى تونس، خصوصاً مع حالة الحداد التي سادت العاصمة حزناً على عناصرها الذين تسبب هو بمقتلهم بسبب تهوّره. فأصبح يُشار له بسوء الحظ والشؤم، ليدخل مرحلة طويلة من السكر والحزن على مشروعه المُحطّم وسمعته الزائلة.

تقرّب وارد من عثمان داي، وقرر عام 1610 تقريباً اعتناق الإسلام هو والبقية من طاقمه والاستقرار بشكل دائم في تونس، ليتحوّل اسمه بعد دخوله الدين الجديد يوسف ريس، وتزوج للمرة الثانية.

وازدهرت أسطورة وارد حتى في حياته، إذ أصبح موضوعاً للمسرحيات والمنشورات والقصائد والكتب التي “شيطنت مآثره” باعتباره قرصاناً حالماً لا يمكن هزيمته.

المصدر : مواقع إلكترونية

About Post Author