حالة روسيا والصين.. هل تنجح العقوبات الاقتصادية في تحقيق الأهداف التي فرضت لأجلها؟
منذ اندلاع حرب روسيا على أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، ومسارعة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وكندا إلى فرض عقوبات على روسيا، طرحت مجموعة تساؤلات عن قدرة العقوبات الاقتصادية على خلق الواقع السياسي الذي فرضت لأجله.
وقالت مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs)، في مقال نشر اليوم الخميس للكاتب باري إيشنغرين، إن الحالة الروسية هي المثال الأبرز على محدودية الضغوط الاقتصادية.
وذكر المقال أن صندوق النقد الدولي توقع أن ينكمش الاقتصاد الروسي بنحو 9% في 2022 نتيجة العقوبات الاقتصادية التي فرضت على موسكو بعد اندلاع حرب أوكرانيا، لكن الواقع هو أن تلك العقوبات لم تنجح في إقناع الكرملين بوقف الحرب، أو حتى تغيير شكلها.
وفي حين يرى البعض مثل الخبير الاقتصادي ريتشارد كوبر أن أهمية القوة الاقتصادية تكمن في القدرة على استخدام الأدوات الاقتصادية لمعاقبة هذا الطرف أو ذاك، توضح المجلة أن آخرين -مثل عالم السياسة إف إس نورثيدج- يذهبون إلى أن نجاح قوة اقتصادية ما يتمثل في إجبار الطرف المستهدف على تغيير سلوكه.
وبناء على هذا التعريف، تقول “فورين أفيرز” إن الولايات المتحدة وحلفاءها يمتلكون القوة الاقتصادية الضرورية، لكنهم حتى الآن فشلوا في جني ثمرة استخدامها وإجبار الخصم على تغيير سلوكه.
حتمية التنسيق
ويذكر الكاتب أن من التحديات المطروحة أمام استخدام العقوبات الاقتصادية حتمية التنسيق الدولي لإنجاحها وتحقيق الأهداف المتوخاة منها؛ فكلما كان التحالف الدولي متفقا على تطبيق مبدأ القوة الاقتصادية لفرض تغيير السلوك السياسي نجح في تحقيق أهدافه.
لكن المشكلة تكمن في أن العالم المتعدد الأقطاب يفتح مجالات لإفشال الضغوط الاقتصادية، إذ يمكن الحصول على السلع والخدمات الأساسية بطريقة أو بأخرى.
ويرى الكاتب أن الولايات المتحدة -التي لها تاريخ طويل في استخدام الأدوات الاقتصادية لمعاقبة خصومها- ستعتمد على تعزيز الوحدة العالمية لتحقيق الأهداف المشتركة عبر اليد الاقتصادية الضاربة، مقاومة بذلك الانقسام الكبير الذي يشهده العالم.
ويقول الكاتب إيشنغرين إن مؤيدي العقوبات الاقتصادية يوضحون أنها البديل الحقيقي للقوة العسكرية، بخاصة أن الإجراءات الاقتصادية تخضع لضبط دقيق لتفادي خطر التصعيد.
لكنه يستدرك بالقول إن العلاقة بين القوة الاقتصادية والعسكرية أكثر تعقيدا من قصة البديل هذه، فالتدابير الاقتصادية والعسكرية في بعض الأحيان تعدّ “إجراءات تكميلية” لبعضها، وليست بدائل إطلاقا.
قادة مستبدون
كما يشرح الكاتب أن الأمل يخامر البعض في أن العقوبات الاقتصادية قد تكون -في معظم الحالات- أداة ردع قوية، إذ سيتردد القادة في الشروع في “مغامرات سياسية” خوفا من فرض عقوبات تثير الرأي العام ضدهم. غير أنه يوضح أن القادة المستبدين الذين يسيطرون على الجيش وعلى الأجهزة الأمنية وعلى الإعلام لا يكترثون البتة للرأي العام، ويستمرون في مناصبهم وسياساتهم، علما أن العقوبات الاقتصادية عندما تفرض على اقتصاد قوي مترابط تلحق أضرارا قد تتجاوز البلد المستهدف إلى شركائه الاقتصاديين.
ويفسر المقال بأن ما يزيد الأمر صعوبة هو أنه إذا كانت القوة العسكرية مركزة، والجيوش هرمية تتبع الأوامر فإن اقتصاد السوق على العكس من ذلك يعدّ لامركزيا، إذ تتخذ الشركات قرارات بناء على ما تفرضه قواعد الاقتصاد المتجددة، من أسعار وأرباح وقيم اقتصادية.
قدرة على التأثير
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن صنّاع السياسة ما زالوا يأملون أن تبقى الإجراءات الاقتصادية قادرة على التأثير في الأنظمة والجهات الأجنبية الفاعلة، كما هو الواقع في الحالة الصينية، وإن كانت لم تنجح في إحداث تغييرات ملحوظة على سياسة بكين.
وحرص الكاتب على التنبيه إلى أن القوة الاقتصادية قد تكون أكثر فاعلية في تشجيع الآخر على تغيير سلوكه عندما تتخذ شكل حوافز إيجابية ومكافآت بدلا من العقوبات.
كما أوضح باري إيشنغرين أن مستقبل القوة الاقتصادية الأميركية سيتوقف -بشكل كبير- على مدى وجود تعاون بين واشنطن وبكين، أكبر سوق ناشئة في الصين.
وأشار إلى أن قضية تايوان قد تخلق حالة من انعدام التوازن في العلاقة بين القوتين، إذ تهدد واشنطن بتنفيذ عقوبات واسعة ضد الصين إذا وقعت تطورات سلبية في ملف تايوان، وذلك سيزيد الأوضاع تعقيدا.