حرب أوكرانيا قد تنهي العولمة وتخلق نظاما دوليا متعدد الأقطاب
واشنطن – مع مرور 6 أشهر على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، وقّع الرئيس فلاديمير بوتين مرسوما لزيادة حجم الجيش الروسي من 1.9 مليون جندي إلى 2.04 مليون جندي. في الوقت ذاته تذهب الاستخبارات الأميركية لتقدير حجم الخسائر الروسية في أوكرانيا بما لا يقل عن 15 ألف جندي.
ولا يعرف أحد على وجه التحديد ما يدور في ذهن الرئيس الروسي، وإذا ما كانت روسيا قد كُسرت هيبتها العسكرية بعد فشلها في تحقيق سيطرة سريعة على أوكرانيا.
الجزيرة نت حاورت “تشارلز كوبتشان” الخبير في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، وأستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورج تاون، للحديث حول آخر تطورات الحرب الأوكرانية.
وقد شغل كوبشان منصب مساعد خاص للرئيس باراك أوباما، وكان مسؤولا عن الشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي من عام 2014 إلى عام 2017، كما عمل مديرا للشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي خلال إدارة بيل كلينتون الأولى. وقبل انضمامه إلى مجلس الأمن القومي في عهد كلينتون، عمل في وزارة الخارجية الأميركية ضمن طاقم تخطيط السياسات، وقبل ذلك، كان أستاذا مساعدا للسياسة في جامعة برنستون.
وهذا نص الحوار:
كيف تحولت الحرب الروسية على أوكرانيا من مراحلها الأولى إلى ما نشهده حاليا؟
كان التحول الرئيسي منذ اندلاع الحرب هو مراجعة أهداف الحرب الروسية. وكان تصميم الرئيس بوتين الأولي هو السيطرة على العاصمة كييف، والإطاحة بالحكومة، وتنصيب نظام دمية موال لروسيا. ولا يزال من غير الواضح كم كان ينوي أن يحتل من أوكرانيا.
وبعد أن قاومت أوكرانيا خطط الحرب الروسية الأولية، ركز بوتين أكثر على السيطرة على شريحة من شرق أوكرانيا، في محاولة لاحتلال دونباس وربطها بشبه جزيرة القرم، ومن الصعب التنبؤ بأهدافه الحربية المحتملة للمضي قدما. فقدرة روسيا على الاستيلاء على الأراضي الأوكرانية والسيطرة عليها قد تصل إلى حدودها القصوى.
من ناحية أخرى، قد يحاول بوتين في نهاية المطاف غزو ساحل البحر الأسود الأوكراني بأكمله، بما في ذلك أوديسا. ويمكن للكرملين أن يعود يوما ما إلى هدفه المتمثل في الإطاحة بالنظام وتنصيب حكومة موالية لروسيا. وتعزز هذه الأهداف التوسعية المحتملة أهمية مساعدة أوكرانيا على دحر العدوان الروسي.
اعتقد الكثيرون أن الجيش الأوكراني لن يكون قادرا على الوقوف في وجه روسيا، لكنه فعل، كيف تمكن من المقاومة كل هذا الوقت؟
هناك اختلال في توازن قوة الإرادة التي تفيد أوكرانيا. يدافع الأوكرانيون عن حياتهم وعائلاتهم ووطنهم وممتلكاتهم، بينما يحتل الروس أراضي خارجية ويهاجمون شعبا يعتبر أفراده إخوانا لهم. وبناء على ذلك، أظهرت أوكرانيا تصميما ملحوظا على مقاومة معتد متفوق عسكريا. كما قدم الرئيس فولوديمير زيلينسكي قيادة ملهمة.
وقد اقترنت الروح القتالية الأوكرانية بتدفق مستمر من الأسلحة، والمشورة الإستراتيجية والدعم الاستخباراتي، والمساعدة الاقتصادية من الولايات المتحدة وحلفائها. واستخدمت أوكرانيا هذه المساعدات بشكل جيد للغاية، مما مكنها من الوقوف في وجه روسيا والدفاع عن نفسها ضد طموحات الكرملين التوسعية.
واضح أن روسيا متفوقة في أعداد الجنود الكبيرة والموارد الوفيرة، كيف يمكن أن يغير ذلك الواقع على الأرض؟
من الناحية النظرية، تتمتع روسيا بقوة أكبر من حيث حجم جيشها، وترسانتها من الأسلحة، واقتصادها، الذي لا يزال يعتمد اعتمادا كبيرا على عائدات الوقود الأحفوري. لكن روسيا تواجه قيودا اقتصادية متزايدة بسبب العقوبات التي تواجهها. وتكبدت القوات الروسية عددا كبيرا من الضحايا.
وفي غضون ذلك، يواصل مؤيدو أوكرانيا تعزيز قدرتها على البقاء من خلال المساعدة العسكرية والاقتصادية الثابتة. فالمزايا العسكرية الروسية تقابلها الروح القتالية الأوكرانية، وتدفق الموارد التي يقدمها العديد من المؤيدين الدوليين لأوكرانيا.
هل يمكن أن تستمر هذه الحرب لسنوات؟
نعم، على الرغم من أنه من المرجح أن تستقر في “صراع مجمد” بدلا من الاستمرار في المستويات الحالية من القتال. ومن شأن الصراع المجمد أن يستتبع اندلاع أعمال عنف متفرقة عبر خطوط تماس غير رسمية.
وسيكون ذلك الوضع أقل استقرارا من الهدنة والتسوية الدبلوماسية، لكنه أكثر استقرارا من الحرب واسعة النطاق.
ما العواقب الإستراتيجية الرئيسية للحرب الروسية على أوكرانيا بعد 6 أشهر من بدء اندلاعها؟
من خلال غزو أوكرانيا، ضمنت روسيا أن تصبح علاقتها مع الغرب مرة أخرى علاقة تنافس عسكري. وفي كثير من النواحي، فإن الحالة أكثر خطورة مما كانت عليه في أثناء الحرب الباردة. فاليوم، تدور حرب ساخنة بين روسيا وأوكرانيا المدعومة من حلف شمال الأطلسي، مع احتمال كبير بأن يتحول الصراع إلى صدام مباشر بين حلف شمال الأطلسي وروسيا. وكحد أدنى، ستكون العلاقات بين روسيا والغرب قائمة على المواجهة في المستقبل المنظور.
ويبقى أن نرى كيف تتلاءم الصين مع هذه الحرب الباردة الجديدة. وحتى الآن، قدمت الصين الدعم السياسي الكامل لروسيا، لكنها امتنعت عن تقديم المساعدة العسكرية لموسكو والالتفاف على العقوبات الغربية ضد روسيا.
ومع ذلك، يمكن للعالم أن يتجه نحو نظام الكتلتين مع الديمقراطيات الليبرالية من جهة، والكتلة الاستبدادية التي ترتكز عليها روسيا والصين من جهة أخرى. وقد يتجنب قسم كبير من بقية العالم اختيار الجانبين، مما يجعل النظام الدولي متعدد الأقطاب أكثر من كونه ثنائي القطب من حيث الطابع والممارسة.
وثمة نتيجة إستراتيجية محتملة أخرى تتمثل في نهاية العولمة. إن التأثير الشديد للعقوبات المفروضة على روسيا يؤكد الجانب المظلم للعولمة، مما قد يدفع كل من الديمقراطيات الليبرالية والصين إلى القناعة بأن الاعتماد الاقتصادي المتبادل ينطوي على مخاطر كبيرة للغاية.
ويمكن للصين أن تنأى بنفسها عن الأسواق العالمية والأنظمة المالية المتداولة، وبالمقابل قد نشهد ابتعادا أكثر من الغرب عن الاستثمار والتكنولوجيا وسلاسل التوريد الصينية. وهو ما سيدخل العالم في حقبة طويلة ومكلفة من إزالة العولمة.
هل أخطأ الرئيس الروسي بوتين في تقديراته عندما فكر في غزو أوكرانيا؟ ولماذا؟
إن غزو بوتين لأوكرانيا يمثل سوء تقدير هائلا وهزيمة إستراتيجية. لقد تنبأ بحملة عسكرية سهلة، لكنه أغرق روسيا في حرب طاحنة تستهلك الجيش الروسي وتفرض تكاليف باهظة على الاقتصاد الروسي.
واعتقد الكرملين أنه يمكن أن يضعف الغرب ويقسمه. وبدلا من ذلك، يقف أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) جنبا إلى جنب وهم يدعمون أوكرانيا، ويعززون الجناح الشرقي للحلف، ويستعدون لقبول عضوين جديدين فنلندا والسويد.
كما أثارت الحرب مستويات غير عادية من المعارضة داخل روسيا نفسها، مما قد يضعف نظام بوتين. وحتى لو انتهى الأمر بروسيا إلى التمسك بجزء من شرق أوكرانيا، فإن هذه حرب تترك روسيا أضعف بكثير، وأكثر عزلة دبلوماسيا، وتقف إلى حد كبير على الجانب الخطأ من التاريخ.
هل ستستمر أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية في دعم أوكرانيا؟ ولماذا يفعلون ذلك؟
ستواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها دعم أوكرانيا. نعم، يمكن أن تتعزز أصوات المعارضة لمثل هذا الدعم مع اقتراب انتخابات الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ومع توجه أوروبا إلى طقس أكثر برودة وسط نقص محتمل في الغاز. ومع ذلك، سيستمر الدعم الثابت لمقاومة كييف للعدوان الروسي.
ويساعد الغرب أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، ويسعى إلى تعزيز نظام دولي قائم على القواعد يدعم سيادة جميع الدول وسلامتها الإقليمية. فوقف العدوان الروسي على أوكرانيا هو أيضا استثمار في ردع الجهود الروسية المستقبلية لتغيير الحدود من خلال القوة.
ما السيناريوهات التي تتوقعها خلال الأشهر أو السنوات القليلة القادمة من هذه الحرب؟ وكيف ومتى يمكن أن تنتهي هذه الحرب؟
يبدو أن الجمود العسكري بدأ في الظهور، حيث لم يحقق أي من الجانبين، على الأقل في الوقت الحالي، تقدما كبيرا في ساحة المعركة. وقد يؤدي ذلك إلى ظهور صراع مجمد ومستويات منخفضة من العنف وهو سيناريو مشابه للسيناريو الذي ظهر في دونباس في عام 2014.
وإذا افترضنا أن أوكرانيا غير قادرة في نهاية المطاف على شن هجوم عسكري ناجح لاستعادة سلامتها الإقليمية الكاملة، فإن الجهد الدبلوماسي للتوصل إلى هدنة وبدء مفاوضات بشأن الأراضي قد يكون وشيكا.
وإحدى القضايا التي يجب مراقبتها هي ما إذا كانت روسيا تسعى إلى ضم الأراضي المحتلة ودمج سكانها.