“حرب بلا مشاركة”.. ما الذي يمنع بيلاروسيا من دخول مواجهة مباشرة مع أوكرانيا؟
موسكو- بدأت موسكو ومينسك أولى تدريبات طيران عسكرية مشتركة لهذا العام في بيلاروسيا، من المقرر أن تستمر حتى الأول من فبراير/شباط المقبل، وتشمل جميع المطارات ومناطق تدريب القوات الجوية وأنظمة الدفاع الجوي، في الجمهورية السوفياتية السابقة، والحليفة لموسكو.
ولم تحدد وزارتا الدفاع في البلدين عدد الطائرات المشاركة، وضمن أي مفهوم ستجري التمرينات، لكنها ستشمل في كل الأحوال إجراء عمليات استطلاع جوي، ودوريات مشتركة على طول الحدود، ودعم جوي للقوات، وإنزال قوات تكتيكية، وكذلك إيصال التموينات وإجلاء الجرحى.
أما الخارجية الروسية، وفيما يبدو محاولة منها لمنع تأويل أهداف المناورات خارج السياق المعلن رسميا، فقد حرصت على التأكيد بأنها محاولة “لردع التصعيد”.
شراكة أم تحالف؟
ومن المعروف أن بيلاروسيا منحت الجيش الروسي إمكانية استخدام أراضيها وبنيتها التحتية العسكرية، لذلك تعتبرها كييف والدول الغربية طرفا في النزاع، وهو ما تنفيه مينسك بشدة، وتؤكد أنها لم ترسل قواتها إلى ميادين المعارك في أوكرانيا.
ومع ذلك، تراقب الدول الغربية عن كثب الأنشطة العسكرية المشتركة لروسيا وبيلاروسيا. ولفهم الاهتمام الغربي بهذا التعاون، ينبغي التذكير بالاتفاق الذي وُقع العام الماضي بين موسكو ومينسك بإنشاء فضاء دفاعي واحد، والذي يفترض الغرب أنه مع مراعاة تحديث الطيران العسكري البيلاروسي وإعادة تدريب الطيارين، فإن هذا الفضاء الدفاعي الواحد يمكن، بالحد الأدنى نظريا، أن يتحول إلى سلاح نووي واحد.
إلى جانب ذلك، لا يمكن وصف الأوضاع على الحدود بين بيلاروسيا وأوكرانيا بالهادئة. فالاتهامات المتبادلة بين البلدين تبرز بين حين وآخر بإطلاق النار باتجاه الحدود، وانتهاك إشارات الترسيم.
وتقول مينسك إن محاولات إجراء حوار عبر مفوضي الحدود وخطوط وزارات الدفاع لم تأت بعد بنتائج إيجابية، وإنها في حالة تأهب دائم تحسبا لحصول استفزازات.
ويطرح تصاعد التعاون العسكري وتكرار المناورات العسكرية المشتركة بين روسيا وبيلاروسيا عددا من التساؤلات، ولا سيما على ضوء استمرار الحرب في أوكرانيا، واحتمال أن تتحول مينسك لتصبح طرفا فيها.
هل هي مناورات روتينية أم احترازية؟
في الإجابة عن هذا السؤال، يشير الخبير العسكري الروسي فيكتور ليتوفكين -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن الطيران العسكري للبلدين سيعمل معا خلال التدريبات، ما يعني وجود أمر موحد بضمان حالة الاستعداد القصوى في حال حصول تهديدات خارجية.
ووفق رأيه، فإن تفاعل البلدين في مجال الفضاء الجوي يتضمن تدريبات الطيران التكتيكية، وهي مسألة في غاية الأهمية، لأن أنظمة الدفاع الجوي “إس-400” (S-400) التي سلمتها روسيا مؤخرا إلى بيلاروسيا تتطلب استخداما على أعلى مستوى من التنسيق.
ومن جانب آخر، قد تمهد التدريبات الحالية لإجراء مهام نووية مشتركة في المستقبل، الشيء الذي سيستدعي رد فعل سلبيا وحادا من جانب الدول الغربية.
ويتابع ليتوفكين أن الولايات المتحدة بادرت بانتهاك معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي تحظر نقل مثل هذه الأسلحة إلى دول غير نووية، وعليه، فإن تصريحات موسكو ومينسك بشأن تدريب الأطقم من المرجح أن يعني بأن تبدأ روسيا وبيلاروسيا بإجراء مهام نووية مماثلة.
هل ستدخل بيلاروسيا على خط حرب أوكرانيا؟
يعتقد مدير “مجلس مينسك للحوار”، يفغيني بريغيرمان، أن احتمال مشاركة القوات البيلاروسية في الحرب الأوكرانية غير وارد إلا في حال توجيه ضربة إلى داخل بيلاروسيا يمكن اعتبارها مقصودة، وليس فقط كما حدث في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما أعلنت مينسك أن صاروخا أوكرانيا سقط في منطقة بريست، والذي لم يكن سببا كافيا للتصعيد، كما في حالة سقوط الصاروخ في بولندا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وتابع -في حديثه للجزيرة نت- أن القيادة والشعب البيلاروسي لا يريدون المشاركة في الحرب الأوكرانية، لأنه إذا انضم الجيش البيلاروسي إلى القوات الروسية، فمن شبه المؤكد أن العمليات القتالية ستنتقل إلى الأراضي البيلاروسية. وبالنسبة إلى المدى الذي ستؤثر فيه المشاركة الافتراضية للقوات البيلاروسية على مسار الحرب، فإنها بالكاد تستطيع تغيير ديناميكيات الأعمال القتالية.
ووفق بريغيرمان، فإن الجيش البيلاروسي يضم حوالي 65 ألف فرد، من بينهم (45- 50) ألف عسكري. ويخلص إلى أنه “حتى على خلفية التعبئة الجزئية في روسيا، فهذه أعداد ضئيلة”.
هل تتعرض مينسك لضغوطات روسية للمشاركة في الحرب؟
يرى مدير المركز الروسي للتنبؤات السياسية، دينسك كركودينوف، أن موسكو، من جهة، لا تحتاج -حتى الآن- إلى تدخل عسكري بيلاروسي مباشر معها، ومن جهة ثانية، تتفهم تبعات هذا القرار على الداخل في بيلاروسيا، غير الجاهز حاليا لتقبل فكرة المشاركة في الحرب وإعلان التعبئة.
ويعيد إلى الأذهان تصريح الرئيس ألكسندر لوكاشينكو الذي أكد -بشكل صريح- أن مشاركة بلاده في الحرب تتوقف على التهديدات التي يمكن أن يتعرض لها أمنها القومي.
ووفق كركودينوف، فإنه يكفي لموسكو، في ظروف الحرب الراهنة، ألا يتمكن أحد من أن يوجه لها “ضربة في الظهر” من الأراضي البيلاروسية، وفي نفس الوقت إحباط هجمات محتملة ضد مينسك، من بولندا وليتوانيا ولاتفيا، تحت ستار العملية العسكرية الروسية الخاصة، وضرورة التدخل لمساعدة أوكرانيا.