مع تدفق الإمدادات العسكرية الغربية إلى كييف وعجز روسيا عن تحقيق نصر سريع وحاسم، قد يتحول الصراع في أوكرانيا إلى حرب استنزاف طويلة الأمد ترهق جميع الأطراف (رويترز)

مع تدفق الإمدادات العسكرية الغربية إلى كييف وعجز روسيا عن تحقيق نصر سريع وحاسم، قد يتحول الصراع في أوكرانيا إلى حرب استنزاف طويلة الأمد ترهق جميع الأطراف (رويترز)

بعد نحو 6 أشهر من الحرب في أوكرانيا، يزداد اتساع الهوة بين الخطاب الغربي حول الحرب والواقع، ويخفت الغضب العام من “الغزو” الروسي لتحل محله مشاعر القلق التي توشك أن تتحوّل إلى موجة ذعر بسبب تداعيات الحرب المفاجئة والمقلقة على أسعار الطاقة والغذاء وتكلفة المعيشة.

هذا ما يراه الكاتب الصحفي سيمون تيسدال في مقال له في صحيفة “الغارديان” (The Guardian) البريطانية، يسلط الضوء على عجز الغرب عن تحقيق الأهداف التي أعلنها في بداية تدخله لدعم أوكرانيا ضد ما وصفه بـ”الغزو” الروسي، وما قد تفضي إليه التداعيات الخطيرة للحرب من تراجع لذلك الدعم.

 

ويقول تيسدال إن الأهداف الإستراتيجية التي يسعى الغرب لتحقيقها في أوكرانيا كانت واضحة، وتتمثل في صد الغزو الروسي، واستعادة سيادة أوكرانيا على أراضيها، وتحقيق نصر للديمقراطية على “قوى الظلام”، كما أعلنها بوضوح الرئيس الأميركي جو بايدن خلال قمة وارسو في مارس/آذار الماضي وأقرتها بريطانيا وباقي القادة الأوروبيين.

لكن الأمر الأقل وضوحا هو ما إذا كان قادة الغرب يتوقعون حقا تحقيق هذه الأهداف، لا سيما في ضوء رفض حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) المشاركة المباشرة في الحرب، الأمر الذي يرى الكاتب أنه يستدعي طرح سؤال مزعج ومثير للقلق حول ما إذا كان على الأوكرانيين الاستعداد لتلقي طعنة في الظهر من قبل الحلفاء خلال الشتاء المقبل.

حرب استنزاف وحشية

Russia's attack on Ukraine continues, in Kharkiv region
الصراع في أوكرانيا قد يتحول إلى حرب استنزاف طويلة الأمد (رويترز)

ويرى المقال أن تداعيات الحرب على الاقتصادات الغربية وما تثيره من قلق في الشارع العام الغربي وما لها من تأثير في حياة الناس، باتت تثير الشكوك حول قدرة الغرب على الحفاظ على مكانته، وتستدعي أسئلة من قبيل: كم من الوقت ستصمد الوحدة الأوروبية المهزوزة أصلا قبل أن تنهار إذا أقدمت روسيا على إغلاق صنبور الغاز عن القارة في نهاية المطاف؟

كما يرى أن أوكرانيا تعيش الآن حرب استنزاف وحشية قد تستمر سنوات عديدة، وكذلك حلفاؤها الغربيون. ويلقي باللوم في ذلك على قرار الغرب عدم التدخل المباشر في الحرب والذي يفتقر للشجاعة، برأيه.

فرغم المساعدات السخية وإمدادات السلاح التي حالت دون تكبد أوكرانيا هزيمة نكراء، فإن إصرار بايدن على تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا مهما كلف الثمن، والذي وافقه عليه رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون وغيره من القادة الأوروبيين، يعني أن روسيا قد لا تحقق نصرا في نهاية المطاف، لكن من المستبعد أيضا أن تُهزم في هذه الحرب.

 

ويقول تيسدال في مقاله إن الإجماع الغربي على تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا يعزز الشكوك بأن قادة الغرب لا يؤمنون حقًا بإمكانية تحقيق هدفهم المتمثل في إذلال روسيا، أو لا يرغبون في تحقيقه.

وفي غياب إمكانية تحقيق نصر عسكري خالص، يرى الكاتب أن الخيارات المتاحة أمام كييف كلها سيئة. ورغم الهجوم الجنوبي المضاد الذي يتوقع أن تشنه، ودفاعها المستميت عن إقليم دونيتسك والتفجيرات التي قامت بها في شبه جزيرة القرم الأسبوع الماضي، فإن أوكرانيا تواجه حرب استنزاف وحشية قد تستمر سنوات عديدة.

ويتوقع تيسدال أن يؤدي ذلك إلى زيادة الضغوط من أجل وقف إطلاق النار أو التوصل لاتفاق سلام مؤقت للتخفيف من معاناة الاقتصادات الأوروبية.

انقسام أوروبي

ويرى أن المناخ السياسي في أوروبا مهيأ لدعم هذا التوجه، إذ تستعد الأحزاب الشعبوية اليمينية في إيطاليا وبلدان أوروبية أخرى للاستفادة من الأزمة الاقتصادية للدفع بأجندتها، في حين تنشغل بريطانيا بقضاياها الداخلية في ظل غياب رئيس للوزراء.

وفي ألمانيا تشير استطلاعات الرأي إلى أن نحو 50% من الشعب يؤيدون تنازل أوكرانيا عن بعض الأقاليم لصالح روسيا مقابل إنهاء الحرب.

 

ويخلص الكاتب إلى أن الانقسام الحاد في الشارع الأوروبي بين من يسعون لتحقيق “العدالة” لأوكرانيا ومن يسعون إلى إحلال “السلام”، يظهر بجلاء في شتى أنحاء أوروبا وتميل كفته ضد مصالح كييف.

المصدر : غارديان

About Post Author