ما فتئت تركيا تردد على مدى الأيام الماضية أن عمليتها العسكرية الشاملة في الشمال السوري قد تنطلق في أي لحظة ويمكن أن تنفّذ بأشكال مختلفة”، وذلك بهدف توسعة الحزام الأمني على طول حدودها الجنوبية والقضاء على التنظيمات التي تعتبرها إرهابية.
وعلى رأس التنظيمات التي تصنفها تركيا في خانة الإرهاب حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري وحدات حماية الشعب التي تشكل العمود الفقري لما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية. في حين تتواصل المشاورات مع الأطراف الفاعلة، وتحديدا روسيا وأميركا، اللتين تسعيان لإقناع تركيا بإلغاء العملية التي تصر على القيام بها.
وإلى حين اتخاذ قرار تنفيذ هذه العملية، تسود حالة ترقب وهدوء حذر المناطق الخاضعة لسيطرة ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية، مع استمرار التعزيزات التركية وارتفاع وتيرة القصف المكثف جوا وبرا على مناطق ومنشآت ومقار هذه القوات في شمالي وشرقي سوريا.
وفي خضم حالة الترقب هذه لا يتوقف الجيش التركي عن مواصلة قصفه لمواقع حزب العمال الكردستاني وفروعه في سوريا والعراق بمختلف أنواع الأسلحة، تمهيدا للعملية الجديدة شمالي سوريا رغم الدعوات الأميركية والروسية إلى ضبط النفس وخفض التصعيد.
وعن سيناريوهات العملية التركية، أشار الخبير في الشأن التركي الدكتور علي باكير -في حديثه لبرنامج “سيناريوهات” (2022/12/1)- إلى أن الجانب التركي مصمم على إطلاق عمليته البرية بناء على كل التصريحات الرسمية للمسؤولين الأتراك، ولكنه يبحث عن إمكانية تسويات تتيح له تحقيق أهدافه دون إطالة للاستفادة من أقل تكلفة ممكنة لإستراتيجية أنقرة في حماية حدود البلاد.
من جهته، رأى الكاتب والباحث في الشأن الكردي حسين جلبي أن تركيا خلقت من خلال عمليات القصف التي تقوم بها من خلال الحدود واقعا يصعب التراجع عنه، متوقعا أن أنقرة عندما تشعر أن أميركا منحتها الضوء الأخضر ستلجأ إلى عملية برية دون إمكانية تحديد وقتها المناسب، وإلى حين ذلك ستستمر أنقرة في قصفها الجوي.
كما توقع العقيد مايلز كاغينز كبير الباحثين في معهد نيولاينز للدراسات السياسية والإستراتيجية أن تركيا ستواصل ضرباتها الجوية وقصفها المدفعي وستركز على اغتيال كبار الضباط والقادة من قوات سوريا الديمقراطية، ولكن إذا تعرضت لضغوط دولية ستعمل على تهدئة الوضع والقيام بهجمات ضعيفة المستوى.
وفي هذا السياق، كشف وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أن واشنطن طلبت من أنقرة إعادة دراسة العملية العسكرية المحتملة، وأن أنقرة طلبت في المقابل الوفاء بالتعهدات المقدمة لها.
وكانت تركيا قد نفذت سابقا 3 عمليات في الشمال السوري ضد وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة أميركيا، حيث جرت أول عملية تحت عنوان “درع الفرات”، واستمرت قرابة 7 أشهر وانتهت في مارس/آذار 2017، وسيطرت خلالها المعارضة السورية بدعم تركي على إعزاز وجرابلس ومدينة الباب بريف حلب الشرقي.
أما العملية العسكرية الثانية فكانت تحت عنوان “غصن الزيتون”، بدأت في 2018 واستمرت 4 أشهر، تمت السيطرة خلالها على مدينة عفرين شمالي حلب.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019 أطلقت تركيا عملية “نبع السلام”، وجاء بعدها اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا، الذي نص على الاحتفاظ بالوضع القائم وتحكّم تركيا في عمق نحو 30 كيلومترا من الحدود، شاملةً مدينتي تل أبيض ورأس العين.