خبيرة أميركية للجزيرة نت: هذه دوافع “فاغنر” وروسيا الخفية في السودان
واشنطن- في دراسة حديثة لها، رأت الباحثة والخبيرة الأميركية كاترينا دوكسي أن تعدين الذهب ووجود قاعدة بحرية روسية في البحر الأحمر يمثلان المصلحة الرئيسة لتدخل مجموعة فاغنر وروسيا في الشأن السوداني.
وتعمل دوكسي مديرة وباحثة في مشروع التهديدات العابرة للحدود بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن (CSIS)، وسبق لها العمل في إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخزانة الأميركية.
وفي ورقة نشرها موقع المركز، تحدثت دوكسي عن امتداد نفوذ وأنشطة مجموعة “فاغنر”، وهي شركة عسكرية خاصة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحكومة الروسية وتعمل في نحو 30 دولة.
وعرف العالم مجموعة “فاغنر” وهي تقاتل على الخطوط الأمامية في الحرب الأوكرانية التي بدأت مع الهجوم العسكري الروسي في فبراير/شباط 2022.
وتطالب دوكسي الحكومة الأميركية بالعمل على جمع وتحليل ونشر كل ما يتعلق بأنشطة “فاغنر” من أجل محاسبتها وتقويض الميزة التي تكتسبها من السرية.
وترى الخبيرة دوكسي أن الصراع العنيف على السلطة الجاري الآن في السودان بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) متجذّر بعمق في السياسة الداخلية السودانية.
ولكن هذا الصراع خلق فرصا للجهات الفاعلة الأجنبية، ومنها روسيا من خلال مجموعة فاغنر، للتدخل بهدف تشكيل مستقبل سياسي يمكّن مصالحها الخاصة.
“فاغنر” تصل إلى السودان
في ديسمبر/كانون الأول 2017 بدأت مجموعة “فاغنر” بتقديم خدماتها السياسية والعسكرية للرئيس السوداني السابق عمر البشير، وقبل ذلك بشهر تفاوضت موسكو على سلسلة من الصفقات الاقتصادية والأمنية معه، وهي صفقات تضمنت على الأخص مجموعة من امتيازات تعدين الذهب لشركة “إم-إنفست” (M-Invest)، وهي شركة روسية مرتبطة برئيس شركة “فاغنر” يفغيني بريغوجين.
واستمرت أنشطة فاغنر في السودان حتى بعد الإطاحة بنظام البشير في أبريل/نيسان 2019، ونجحت المجموعة في التكيّف بظل الحكومة الانتقالية الجديدة إلى أن دعمت الانقلاب العسكري قبل نهاية عام 2021، الذي أتى بحكومة أكثر اهتماما بمواصلة تعزيز العلاقات مع روسيا.
هدفان لروسيا و”فاغنر”
وتشير الخبيرة دوكسي إلى أن مجموعة فاغنر (ومن ثم روسيا) عملت لضمان مصلحتين روسيتين في السودان: أولهما تعدين الذهب، وثانيهما الحصول على قاعدة بحرية على البحر الأحمر.
- تعدين الذهب: بناء على المفاوضات الأوّلية بين موسكو والخرطوم، قامت شركة “مروي غولد” -وهي شركة تابعة لشركة “إم-إنفست”- ببناء شبكة من عمليات تعدين الذهب وتهريبه من السودان، بالإضافة إلى تمويل عمليات “فاغنر” وتوليد الأرباح.
وساعد تهريب الذهب هذا في تخفيف وطأة العقوبات الدولية ضد الجهات الفاعلة الروسية الرئيسة، لا سيما في أعقاب الحرب بأوكرانيا. - قاعدة بحرية على البحر الأحمر: لطالما رغبت روسيا في الوصول إلى البحر الأحمر، وفي أواخر عام 2020 توصلت موسكو والخرطوم إلى اتفاق لإنشاء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان. وبموجب الاتفاق، ستستضيف القاعدة المرتقبة مركزا لوجستيا بحريا وساحة إصلاح سفن، وما يصل إلى 300 جندي، و4 سفن بحرية، منها سفن تعمل بالطاقة النووية. وأوقفت الحكومة الانتقالية السودانية خطط إنشاء القاعدة البحرية في أبريل/نيسان 2021، ويرجع ذلك جزئيا إلى الضغوط الأميركية.
وبعد “انقلاب” عام 2021، ظلت الحكومة العسكرية مترددة في إحياء الصفقة. ولا تزال روسيا مهتمة بإقامة منفذ على البحر الأحمر، وتأمل على الأرجح التوصل إلى نتيجة سياسية قد يسمح فيها الطرف الحاكم بالمضي قدما في وضع الاتفاق موضع التنفيذ.
وتؤكد الخبيرة دوكسي أن نتيجة الصراع المستمر على السلطة في السودان ستؤثر على مستقبل هاتين المصلحتين الرئيستين لروسيا، ونتيجة لذلك من المرجح أن تحاول فاغنر تشكيل النتيجة لمصلحتها.
وتحتفظ فاغنر بقدرات تضليل وإمكانات أمنية في السودان يمكن استدعاؤها إلى العمل، ومن المرجّح أن يأتي مزيد من الدعم اللوجستي من معاقلها الإقليمية الأخرى أو على الأقل يمر عبرها، ولا سيما قواعدها في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى.
وبالفعل، تشير التقارير إلى أن اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر -شريك فاغنر الليبي- قدم الدعم لقوات الدعم السريع، وسط شائعات بأن حميدتي طلب المساعدة من “فاغنر”.
واشنطن في مواجهة فاغنر
وطالبت دوكسي واشنطن والعواصم الغربية بمراقبة ورصد دور “فاغنر” في السودان، ودعت إلى نشر أكبر قدر ممكن من المواد المفتوحة المصدر أو التي رفعت عنها السرية بخصوص هذه المجموعة.
وبغض النظر عن الفصيل الذي سيخرج منتصرا، تقول دوكسي إن التوثيق الكامل لأنشطة “فاغنر”، بخاصة في انتهاكات حقوق الإنسان أو غيرها من الأنشطة غير القانونية التي تقوم بها قواتها، سيزيد من الوعي بالمشاكل التي تنتج عن عملياتها ومن مساءلتها عن أي أضرار تسببها.