منذ نحو 72 مليون سنة في الحقبة الجيولوجية المعروفة باسم العصر الطباشيري بدأت نشأة الفوسفات المغربي، وفي أوائل القرن الماضي وبينما كان المغرب خاضعا للاستعمار الفرنسي بدأ استغلال فوسفات مدينة خريبكة وضواحيها من القرى المنجمية لتدخل المنطقة مرحلة جديدة من تاريخها، حيث أصبح الفوسفات ومشتقاته والصناعات المرتبطة به محور الحياة للسكان المحليين والوافدين من العمال المشتغلين في المناجم.
جبال فوسفاتية
مع الاقتراب من مدينة خريبكة وسط البلاد تتراءى للزائر جبال ضخمة من مخلفات الفوسفات تحكي قصة نحو قرن من الزمن مكن هذه المدينة الصغيرة من الإسهام في توفير موارد مهمة من العملة الصعبة للاقتصاد المغربي.
وقالت الأكاديمية المغربية نجاة رتابي إن اكتشاف معدن الفوسفات شكّل محطة مفصلية في تاريخ خريبكة، مشيرة إلى أن حوض “أولاد عبدون” يعد من أكبر الأحواض الفوسفاتية بالمغرب، وهو المنطقة الأولى التي انطلقت منها عملية الاستغلال.
ومع إرساء أسس صناعة الفوسفات بنى الاستعمار الفرنسي “الحي الأوروبي” في المدينة مجهزا بالمرافق الأساسية، وشيد بالقرب من المناجم المستكشفة عددا من القرى العمالية كحطان وبوجنيبة وبولنور.
وبدأ استغلال الفوسفات -وفق المتحدثة- منذ ما يزيد على 100 عام، وبعد عقود من الاستغلال الباطني المنجمي للفوسفات جرى الانتقال إلى الاستغلال السطحي بالاعتماد على الآليات الضخمة، وأغلق آخر منجم باطني في مايو/أيار 2005.
وأضافت رتابي أن عمليات التنقيب في بداياتها أثمرت عن اكتشاف 10 أحواض فوسفاتية.
ما هو الفوسفات؟
يعد الفوسفات صخرة رسوبية تشكلت منذ ملايين السنين نتيجة تراكم المواد العضوية والأحياء البحرية في قاع المحيطات، ويشكل المصدر الطبيعي للفسفور الذي يعتبر أحد العناصر الغذائية الثلاثة الأكثر استخداما في الأسمدة، كما يمكن تحويله إلى الحامض الفسفوري المستخدم في الأغذية ومستحضرات التجميل وكذلك الإلكترونيات.
بعد استخراجه ينقل الفوسفات عبر واحد من أطول الأحزمة من نوعه عبر العالم إلى معامل للغربلة والتجفيف والتحميص قبل التصدير، ويصدر عبر أنبوب يربط مدينة خريبكة بميناء الجرف الأصفر الأطلسي على مسافة تبلغ 187 كيلومترا، وينقل هذا الأنبوب الفوسفات على شكل لباب مكون من 60% من معدن الفوسفات و40% من الماء.
العملة الصعبة
في مقابل تضرر المغرب من الحرب في أوكرانيا -خصوصا في ظل ارتفاع أسعار المحروقات والقمح في السوق الدولية، وهو ما يكلف موازنة الدولة مليارات الدولارات- فإن البلاد استفادت من ارتفاع أسعار هذه المادة ومشتقاتها في السوق الدولية رغم تراجع الإنتاج بنسبة 11%.
وقال الوزير المكلف بالموازنة فوزي لقجع إن ارتفاع أسعار الفوسفات في الأسواق العالمية سيوفر للبلاد عائدات ستساعد في توفير اعتمادات جديدة لدعم المواد الأساسية الذي تقدمه الدولة لمواجهة ارتفاع الأسعار.
وخلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري تضاعفت صادرات الفوسفات ومشتقاته إلى 3.6 مليارات دولار مقابل 1.8 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي.
وتعليقا على الموضوع، قال المحلل الاقتصادي بدر الزاهر الأزرق إن صادرات الفوسفات سجلت رقما قياسيا ببلوغها العام الماضي 8 مليارات دولار، وفي ظل المؤشرات الحالية فإنه من المتوقع أن تسجل هذه الصادرات بنهاية العام الجاري حصيلة قياسية على مستوى المداخيل قد تتجاوز 12 مليار دولار.
وأضاف الأزرق أن الفوسفات يمثل نسبة مهمة من إيرادات الدولة، مما يساهم في تحقيق توازن في ميزان الأداءات، ويمكن أن يكون ورقة تفاوضية للدفاع عن مصالح البلاد الإستراتيجية.
قطار الفوسفات
في يونيو/حزيران 1921 نقلت أول شحنة للفوسفات على متن القطار من منجم بوجنيبة بضواحي خريبكة إلى ميناء الدار البيضاء، وكان الشحن اليومي يصل إلى 1200 طن.
وفي عام 1923 تم تشغيل أول خط سكك حديدية لنقل الفوسفات على طول 150 كيلومترا في اتجاه واحد، قبل أن تتم إضافة خط ثان انطلاقا من عام 1950.
ويصدر اليوم “المجمع الشريف للفوسفات” -وهو شركة مملوكة للدولة- الجزء الأهم من الفوسفات عبر قطارات يومية تعد من أطول قطارات العالم وأثقلها وزنا.
بطالة الشباب
رغم ثروتها الباطنية الغنية فإن وضع مدينة خريبكة الاقتصادي لا يختلف عن بقية المدن الأخرى التي لا تتوفر على موارد اقتصادية، وبينما توفر صناعة الفوسفات فرص عمل لفئة من شباب المدينة وضواحيها تشتكي فئة أخرى من البطالة والتهميش.
وتشتهر خريبكة بهجرة أبنائها إلى دول أوروبية كإيطاليا وإسبانيا، ويقضي العشرات منهم غرقا عبر قوارب خلال رحلة الهجرة غير النظامية نحو أوروبا بحثا عن مستقبل أفضل.
ويملك المغرب نحو 70% من احتياطيات الفوسفات العالمية، ويقدر إنتاجه السنوي بـ37 مليون طن، وتنتج خريبكة نصف إنتاج المغرب من هذه المادة الأولية التي تعد أحد أهم مصادر النقد الأجنبي في البلاد.
ماذا عن الإنتاج؟
مع هذا المعدل المتزايد لنمو الصادرات من المرجح أن يتجه إنتاج الفوسفات على الرغم من انخفاضه بنسبة 11% في الفصل الأول من عام 2022 نحو الصعود من أجل زيادة الأرباح والمكاسب في السوق العالمية.
ويتعلق الأمر بفرصة حقيقية يجب اغتنامها، خاصة مع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا أحد أكبر مصدري الأسمدة.
وللقيام بذلك فإن المكتب الشريف للفوسفات -انطلاقا من أدائه القوي مع زيادة رقم معاملاته بنسبة 77% في الفصل الأول من عام 2022- يعتزم زيادة حجم إنتاجه بنحو 10% في سنة 2022، والهدف هو تلبية الطلب في الأسواق عالية النمو، حيث تواصل المجموعة تعزيز مكانتها كرائدة على مستوى العالم.