خاص- وجّه رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش في السودان عبد الفتاح البرهان، 3 خطابات من منصات عسكرية خلال أسبوع واحد بلغة غاضبة وحادة أمام مئات العسكريين، وبدا عليه الغضب والتوتر حينا والثقة بالنفس حينا آخر.
وفي الفترة التي سبقت خطاباته، قام البرهان بجولة خارجية شملت لندن حيث شارك في مراسم تشييع ملكة بريطانيا، ثم توجّه إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وخاطب المجتمع الدولي.
وفي طريق عودته، توقف بالقاهرة حيث أجرى محادثات مغلقة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وغادر بعدها إلى الجزائر للمشاركة في القمة العربية، قبل أن يعود الى الخرطوم، ثم ينتقل إلى شرم الشيخ المصرية للمشاركة في المؤتمر الدولي للمناخ.
واعتُبرت هذه التحركات ردا على خصومه بأنه ليس معزولا، وأن العالم يتعامل معه كرأس للدولة ويمكن أن يقبل به زعيما للسودان وفق ترتيبات جديدة لما بعد نهاية المرحلة الانتقالية، وفق مسؤول في القصر الرئاسي طلب عدم الكشف عن هويته.
وقالت مصادر أمنية للجزيرة نت إن الجولة الخارجية لرئيس مجلس السيادة سبقتها زيارة غير معلنة لرئيس المخابرات السعودي ووفد من المخابرات المصرية إلى الخرطوم، حيث نقل الجانبان رسائل مهمة من الرياض والقاهرة تتعلق بالشواغل المشتركة وتطورات الأوضاع السياسية والأمنية في السودان والمحيط الإقليمي.
تحذير “بقطع الأيدي والألسن”
في خطابه الأول بقاعدة “حطاب” العسكرية بشمال الخرطوم، حذّر البرهان حزب المؤتمر الوطني (الحاكم سابقا) والحركة الإسلامية من “التخفي وراء الجيش”، مشددا أن المؤسسة العسكرية لا توالي أي فئة أو حزب.
وأضاف “الذين يتهمون الجيش بموالاة بعض الأحزاب نقول لهم “الجيش ليس له فئة أو حزب، ولن يدافع في يوم من الأيام عن فئة أو حزب”. وأضاف “كلام خاص للمؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية، نقول لهم ابعدوا وارفعوا أياديكم عن القوات المسلحة”.
وشدد على أن “القوات المسلحة لن تسمح لأية فئة بالعودة من خلالها للسلطة سواء المؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية أو غيره.. نحن جيش السودان”.
وفي خطابه الثاني بقاعدة “المرخيات” العسكرية غربي الخرطوم جدد البرهان بكلمته أمام القوات الخاصة، تحذيرات شديدة اللهجة للمكونات السياسية من التدخل في شؤون القوات المسلحة. وعدّ كل من يتكلم عن الجيش “عدوا” سواء من الإسلاميين أو البعثيين أو الحزب الشيوعي.
وأشار إلى أن المسؤولين متابعون وينظرون لبعض الاشخاص -لم يسمّهم- وهم يحرضون الضباط والعساكر على القيام بما سماه “العمل الهدّام”، وأضاف “نقول لهم.. ابعدوا عن الجيش ولا تحرضوا الضباط”.
وتوعّد كل من يريد “إدخال يده أو (خشمه) في القوات المسلحة بقطع لسانه ويده معا”، وأكد أن الجيش “لن يحني ظهره لأي شخص أو جهة لاتخاذه مطية للصعود إلى السلطة”، وفق تعبيره.
ومن منصات الجيش إلى الشرطة، واصل البرهان سلسلة خطاباته المُدافعة عن الأجهزة العسكرية في السودان، مشيدا بقوات الشرطة وأدوارها في حفظ الأمن.
وبشأن الانتقادات الموجهة لقوات الشرطة وتعاطيها مع المظاهرات، قال البرهان في احتفال بتخريج ضباط في الخرطوم إن “الشرطة ليست عدوا للشعب ولا المتظاهرين”.
وانتقد قيادات سياسية، لم يحددها، على خلفية “الإساءة” للشرطة وتجريحها، واعتبرها عدوّة للشعب “لأن من يسيء للشرطة يدعو للفوضى والإخلال بالأمن” على حد قوله.
إبعاد المدنيين
وكان البرهان حريصا في خطابيه إلى الجيش على التأكد بأن التسوية المرتقبة لن تكون ثنائية بين المكونين العسكري والمدني كما كانت قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 عندما فض قائد الجيش تلك الشراكة.
وشهدت الأسابيع الماضية مفاوضات غير معلنة بين المكون العسكري وتحالف قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، برعاية من الرباعية الدولية المعنية بالسودان والتي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات.
وذكرت مصادر متطابقة للجزيرة نت، أن بعض أعضاء الرباعية مارسوا ضغوطا على طرفي التفاوض لتقديم تنازلات بلغة حملت تهديدات مبطنة.
ووسط تكتّم الطرفين على مجريات المفاوضات التي استندت على مشروع الدستور الانتقالي الذي أعدته “لجنة تسيير نقابة المحامين”، تسرّبت معلومات بأن العسكر وقوى الحرية والتغيير يتجهان للعودة إلى شراكة جديدة.
وراج على نطاق واسع أن المزاج العام في المؤسسة العسكرية يرفض تلك الشراكة لأن الدستور الانتقالي يعطي المدنيين سلطة الإشراف على إعادة هيكلة القطاع العسكري والأمني، الأمر الذي يعتبر لدى القوات المسلحة خطوة لتفكيكها خصوصا أن الشعارات التي كان يرددها أنصار المعارضة خلال عام من المظاهرات ضد ما يعتبرونه “انقلابا” كانت مناهضة للعسكر بشكل سافر مما خلق أزمة ثقة بين الجانبين انسحبت على المؤسسة العسكرية عامة وليس قياداتها فحسب.
في هذه الأثناء، سعى البرهان إلى طمأنة قواته بأن المدنيين والساسة لن يتدخلوا في شؤون الجيش وليس لهم صلة بإصلاحه وإعادة هيكلته، وأنه لا تسوية ثنائية ولا عودة للمحاصصات الحزبية في الحكومة المقبلة.
وأشار إلى أن ما تم التوصل إليه بين المكون العسكري وتحالف الحرية والتغيير مجرد تفاهمات، وأنهم أدخلوا تعديلات على الوثيقة الدستورية لحفظ حقوق الجيش ومكانته.
استخدام الجيش في الصراع السياسي
ويرى أستاذ العلوم السياسية في مركز الدراسات الدبلوماسية عبد الرحمن أبو خريس، أن القوى المدينة ربما تلجأ إلى الجيش لاستخدامه في صراعها بعدما عجزت عن التوافق الوطني وتراجعت المظاهرات في الشارع وأخفقت في فرض إرادتها.
ورجّح أن تحذيرات البرهان جاءت على إثر تلقيه معلومات من أجهزته الاستخبارية، ولفت إلى وجود تحالف بين حركات مسلحة لم توقّع اتفاق سلام مع الحكومة وقوى مدنية معارضة.
ويقول أبو خريس للجزيرة نت إن البرهان يوجه رسالة إلى الدول الغربية بأن المدنيين الذين تساندونهم غير ديمقراطيين، ويسعون إلى استخدام الجيش والعودة إلى السلطة على ظهره.
ويعتقد المحلل أن البرهان يحاول تسويق نفسه للمجتمع الإقليمي والدولي باعتباره البديل الأفضل لقيادة السودان، والضامن لاستقراره تحت مظلة مدنية.