خطط ألمانية لترشيد الطاقة.. هل تنقذ البلاد من خطر الركود؟
طرحت الحكومة الفدرالية إجراءات جديدة تحث المواطنين على ترشيد استهلاك الطاقة، يُزمع اتخاذها على مستوى الدوائر الحكومية المختلفة لتقليل فاتورة الطاقة في الشتاء المقبل، وصرح بها وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك “يمكن الاعتماد مؤقتا أكثر على محطات الطاقة التي تعمل بالفحم مرة أخرى من أجل توفير الغاز المستورد عند توليد الكهرباء”.
الجزيرة نت أجرت الحوار التالي مع خبير الطاقة الألماني الدكتور سامر الرحال والعضو في لجنة أبحاث الطاقة المتجددة الألمانية، حول هذا الموضوع.
أين تكمن مشكلة ألمانيا في موارد الطاقة؟
لا شك أن المشكلة تكمن في النفط والغاز، فكما بات معلوما أن الاتحاد الأوروبي فرض حظرا على النفط الروسي في أبريل/نيسان 2022، ولا يزال استهلاك النفط الخام يتزايد في جميع أنحاء العالم، وقد انخفض الاستهلاك في ألمانيا عام 2020، إذ بلغ 96.2 مليون طن.
وكان استهلاك 2019 قد بلغ 106.6 ملايين طن، ويعود سبب هذا الانخفاض إلى تفشي وباء كورونا؛ فحتى وقت قريب كانت روسيا أهم مورد للنفط لألمانيا، ففي عام 2016 جاء 40% من النفط من روسيا، وفي عام 2018 انخفضت الحصة انخفاضا طفيفا إلى 36.3%.
وفي الأسابيع الأولى للحرب الروسية الأوكرانية انخفضت حصة النفط الروسي في استهلاك النفط الألماني من 35% إلى 12%، وتم تقليل الاعتماد على النفط الروسي بنجاح، وتعتقد الحكومة الألمانية أن نسبة الـ12% المتبقية يمكن التحكم فيها، بحيث يمكن لألمانيا الاستغناء عن النفط الروسي في السنوات القليلة المقبلة.
ما كمية الغاز التي تحتاج إليها ألمانيا سنويا؟
لدينا لغة أرقام تتحدث عن واقع ذلك، فعام 2021 شهد استهلاك نحو 1003 تيراواتات من الغاز الطبيعي في ألمانيا، ويلعب الغاز الطبيعي أيضا دورا مهما في مزيج الطاقة الألماني بحصة كبيره تبلغ 21.6%، 90% من الغاز الطبيعي يأتي من الخارج، 38.2% من روسيا، 34.8% من النرويج، 22.4% من هولندا، 4.6% من مصادر أخرى.
وفي يونيو/حزيران 2022، تم استيراد غاز طبيعي بقيمة 4.1 مليارات يورو إلى ألمانيا، وارتفع متوسط سعر الغاز الطبيعي في أوروبا وأسعار الغاز الطبيعي عبر الحدود في ألمانيا ارتفاعا حادًّا أخيرا.
هل ستنتهي مشكلة الغاز قريبا؟
ينص القانون على مستوى ملء بنسبة 80% بحلول الأول من أكتوبر/تشرين الأول و90% بحلول الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، وتصف وكالة الشبكة الفدرالية الوضع الحالي بأنه “متوتر” بسبب اضطراب الإمداد في خط “نورد ستريم 1” وتهديد روسيا المستمر بخفض أو قطع الإمداد بالكامل، بسبب الحرب على أوكرانيا.
وتزوّد “غاز بروم” الروسية بالغاز بنسبة 30% وذلك أقل مما هو ممكن، وتعلن شركة الطاقة الروسية أنها ستخفض في المستقبل حجم التسليم لأسباب تصفها بالتقنية، منها فقدان التوربينات على خط الأنابيب بسبب العقوبات الأوروبية.
ما تأثير قله إمداد الغاز على توليد الكهرباء في ألمانيا؟
يُستخدم نحو 13% من الغاز المستورد بغرض توليد التيار الكهربائي، وبعد إغلاق محطات الطاقة النووية في نهاية العام، قد يؤدي نقص إمداد الغاز إلى اختناقات حادة قد تتسبب في انقطاع التيار الكهربائي. ولتجنب انقطاع التيار الكهربائي، اتخذ المستشار الألماني أولاف شولتز والحكومة الفدرالية جملة إجراءات؛ منها البناء المستمر والمتصاعد لمحطات الغاز السائل مع التغييرات المحورية المرتبطة بها في القانون، وإعادة تأهيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم حتى تستطيع العمل بالطاقة القصوى.
وحسب وزير الاقتصاد روبرت هابيك، “يمكن الاعتماد مؤقتا أكثر على محطات الطاقة التي تعمل بالفحم مرة أخرى من أجل توفير الغاز عند توليد الكهرباء”.
كم تبلغ كمية الغاز التي يمكن أن يوفرها الاعتماد على الفحم؟
تبلغ قدرة محطات توليد الكهرباء بالغاز الطبيعي في ألمانيا 28 غيغاواتا، إذا استُخدمت جميع محطات الطاقة العاملة بالفحم النشطة حاليا، بالإضافة إلى محطات توليد الطاقة من الفحم الصلب المعاد تنشيطها بنسبة 100%، فيمكن استبدال محطات توليد الطاقة بالغاز الطبيعي بنحو 9.5 غيغاواتات، أي إنه يمكن تعويض ثلث الطاقة الكهربائية فقط بالاعتماد على المحطات الحرارية العاملة بالفحم.
ما الإجراءات الحكومية لتقليل الأعباء على المواطن؟
لارتفاع أسعار الغاز الطبيعي عالميا، قامت الحكومة الفدرالية بإعفاء المواطنين في ألمانيا من ضريبة القيمة المضافة على التيار الكهربائي، إذ أعلن المستشار شولتز أن الضريبة على استهلاك الغاز ستكون في المستقبل 7% بدلا من 19%.
ويجب أن يطبق هذا الإعفاء حاليا حتى مارس/آذار 2024، وكذلك هناك إجراءات حكومية لترشيد استخدام الطاقة والتقليل من الاعتماد على الغاز المستورد، فقد قرر مجلس الوزراء اتخاذ مزيد من الإجراءات لتوفير الطاقة يوم الأربعاء 24 أغسطس/آب الحالي؛ ستساعد في تأمين إمدادات الطاقة على المدى القصير والمتوسط.
وتحتوي هذه القرارات الخاصة التي تم تمريرها يوم الأربعاء على إجراءات ملموسة لفترة التدفئة القادمة، وتلك التي تليها، وتستهدف الهيئات العامة والشركات والأسر الخاصة. ولتوفير الغاز الطبيعي وُضعت الأطر القانونية لتقليل استهلاك الكهرباء على نحو يساعد على التقليل من توليد التيار الكهربائي باستخدام الغاز الطبيعي.
وتعمل هذه التدابير لتوفير الطاقة أيضا والإسهام في تنفيذ أهداف التوفير المقررة من الاتحاد الأوروبي، ويأتي ذلك بسبب نقص إمدادات الغاز الذي تفتعله روسيا بشكل مصطنع، ولذلك التزمت دول الاتحاد الأوروبي بخفض استهلاكها من الغاز بنسبة 15% على الأقل بدءا من أغسطس/آب من هذا العام.
ما أهم الإجراءات المتبعة على المدى القصير والمتوسط؟
من بين الإجراءات المعتمدة على المدى القصير والتي سوف تدخل الخدمة في الشهر الجاري وتستمر حتى شهر فبراير/شباط من العام القادم:
- تسخين مساحات مكتبية أقل وعدم إضاءة المباني والآثار والمساحات الإعلانية في أوقات معينة، فعلى سبيل المثال بوابة براندنبورغ تبقى غير مضاءة، وتحظر إضاءة المعالم الأثرية ما لم يكن ذلك ضروريا للحفاظ على سلامة المرور أو لدرء الأخطار.
- من أجل تجنب حدوث حالة طارئة في إمدادات الطاقة في فصل الشتاء، يجب على السياسيين والشركات والمستهلكين مواصلة العمل المتكامل معا حيث إن توفير كل كيلووات في الساعة، سواء من قبل المؤسسات العامة أو المواطنين أو الاقتصاد، يساعد على تقليل الاعتماد على إمدادات الغاز الروسي.
- تسخين مساحة أقل للمكاتب وإيقاف تشغيل الماء الساخن في أماكن العمل، مع تخفيض درجة حرارة الغرفة بمقدار درجة واحدة مئوية، وقد تتعذر تدفئة المناطق والمساحات المكتبية المشتركة التي لا يوجد فيها الأشخاص دائما.
- حظر استخدام أنظمة الإعلان المضيئة أو الباعثة للضوء في أوقات معينة، وهذا يقلل من استهلاك الطاقة غير الضروري، لا سيما في قطاعات التجارة والتجزئة والخدمات، وأن يلتزم أصحاب المباني بتحسين أنظمة التدفئة في مبانيهم، يتضمن ذلك فحص نظام التدفئة وتحديد أسباب القصور الأساسية في الضبط والحاجة إلى مزيد من التدابير، مع إلزام مالكي المباني الكبيرة بتحقيق التوازن الهيدروليكي في نظام التدفئة.