تراجع أعداد الأطباء وعوامل اقتصادية وجغرافية جعلت من الصيدليات الحل الأقرب أمام العديد من المصريين (رويترز)

تراجع أعداد الأطباء وعوامل اقتصادية وجغرافية جعلت من الصيدليات الحل الأقرب أمام العديد من المصريين (رويترز)

القاهرة- يعيش الوسط الطبي والصحي في مصر خلال الشهور الماضية أزمات متلاحقة بداية من تكرار الاعتداء على الطواقم الطبية أثناء تأدية عملهم مرورا بالجدل حول قانون المسؤولية الطبية ونقص المخدر المستخدم في عيادات الأسنان، وصولا إلى اعتراف حكومي بتزايد أزمة هجرة الأطباء خارج البلاد.

أحدث تلك الأزمات ظهرت في قطاع الصيدلة، حيث كان أمرا عاديا أن يذهب المريض إلى أقرب صيدلية ليقدم إليه الصيدلي خدمات عدة غالبا ما تكون مجانية مثل الاستشارات الصحية وصرف الأدوية دون استشارة طبيب، لكن الخدمة الأشهر كانت حقن المرضى، لكن الأيام الماضية شهدت أحداثا جعلت ما كان اعتيادا مخالفة تعرض مرتكبها للعقوبة.

 

الأسبوع الماضي، أصدرت النقابة العامة للصيادلة بيانا تطالب فيه أعضائها بعدم حقن المرضى داخل الصيدليات، معللة ذلك بالخوف عليهم من المساءلة القانونية حال حدوث مضاعفات للمريض. وأصدرت نقابات فرعية مثل القاهرة والإسكندرية بيانات تحذر أعضائها من التحويل إلى التحقيق حال حقن المرضى داخل الصيدليات.

وأتى الموقف النقابي بعد يوم واحد فقط من قرار النيابة العامة بإحالة صيدلانية ومساعدتها إلى محكمة الجنايات لاتهامهما بحقن طفلتين بمضاد حيوي داخل صيدلية مما أفضى إلى موتهما، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

تداعيات القرار

وخلال الأيام الماضية، تحدثت وسائل إعلام محلية عن أزمة في الشارع المصري، بسبب امتناع الصيدليات عن إعطاء الحقن للمرضى، خوفا من تكرار سيناريو الصيدلانية المحالة لمحكمة الجنايات.

وفي محافظة الفيوم غرب القاهرة، تعرضت صيدلانية لمحاولة اعتداء من قبل مواطنين بسبب تنفيذها القرار النقابي بعدم إعطاء للمرضى، حسب ما أعلنه القائم بأعمال نقيب الصيادلة، عصام عبد الحميد.

 

وأرجع عبد الحميد -في تصريحات متلفزة- قرار منع الحَقن داخل الصيدليات بأنه نابع من الحرص على الصالح العام ومستقبل الصيادلة.

وأضاف المسؤول النقابي “الصيادلة كانوا غالبا ما يقدمون تلك الخدمة بشكل مجاني، لكن من الآن فصاعدا يجب على المواطن التوجه إلى المستشفيات والوحدات الصحية لأخذ الحقن”.

وأوضح أن النقابات الفرعية ستتابع مدى تنفيذ قرار المنع على أرض الواقع خلال الفترة القادمة، مؤكدا أن أكثر من 70% من الصيدليات بدأت في تنفيذ القرار بالفعل.

وأكد القائم بأعمال نقيب الصيادلة ضرورة وضع تشريعات وضوابط من قبل الحكومة ومجلس النواب، من أجل الحفاظ على مصلحة المواطنين وحماية الصيادلة.

واقع مرتبك

التزمت الصيدلانية “م ن” بقرار عدم حقن أي مريض داخل صيدليتها منذ صدوره من قبل النقابة، لكن هذا الالتزام يصاحبه شعور بالخجل وتأنيب الضمير من رد طلب المرضى.

 

وفي حديثها للجزيرة نت، قالت (م ن) إنها تشعر بالحرج من المترددين على صيدليتها كونها قررت الالتزام بالموقف النقابي، وتابعت “أخجل من المرضى خاصة وأن علاقتي بكثير منهم طيبة ويزيد الحرج مع الجيران والمعارف”.

وأوضحت أنها باتت خائفة من المسألة القانونية حال تعرض أي مريض لمضاعفات جراء الحقن أو لأي سبب آخر، مبيّنة أن غالبية الحقن التي يطلبها المرضى تكون عبارة عن فيتامينات أو حديد وأحيانا مركبات لعلاج نزلات البرد.

وأشارت الصيدلانية إلى أن المستشفيات لا يتوفر بها كثير من المضادات الحيوية، وفي نفس الوقت ترفض إدارتها حقن المريض بأي حقنة اشتراها من خارج المستشفى، متسائلة “فأين سيتم حقن المريض طالما أن المستشفى والصيدلية ترفضان؟”.

نفس الحيرة تواجه الشاب أحمد ولكن من موقع المريض، فصحيح أنه في الوقت الراهن لا يعاني من أمراض تستدعي الحصول على الدواء عبر الحقن، لكن الصيدلية كانت ملجأ له مرات عديدة سابقة احتاج لها.

ورغم ذلك فهو يرى أن قرار نقابة الصيادلة في محله لتجنب تعرض المواطنين للخطر، قائلا للجزيرة نت “سمعت كثيرا عن حوادث موت مواطنين خاصة أطفال بعد حقنهم بأدوية الإنفلونزا داخل الصيدليات”.

 

 

خطوات حل الأزمة

أمام موقف نقابة الصيادلة بالامتناع عن إعطاء الحقن داخل الصيدليات وما سببه من حال ارتباك بالشارع المصري، حاولت وزارة الصحة البحث عن حل للأزمة.

ودعا وزير الصحة خالد عبد الغفار إلى التنسيق مع النقابة العامة للصيادلة لوضع آليات منظمة تستهدف حل أزمة الحقن داخل الصيدليات.

وقبل يومين، ناقش الوزير -خلال اجتماع مع رؤساء الهيئات ومديري الشؤون الصحية- مراجعة القوانين والقرارات الوزارية في هذا الشأن، بما يضمن الحفاظ على حقوق الصيادلة وفي نفس الوقت التيسير على المرضى.

بدوره، أكد مساعد وزير الصحة للتعليم الطبي إيهاب كمال أن وكلاء الوزارة بالمحافظات بصدد ترشيح طبيب منسق عن كل إدراة كبيرة لتدريب الصيادلة على الحقن الوريدي والعضلي، وذلك خلال 24 ساعة من استلام التكليف، ليتمكنوا من إعطاء الحقن في الصيدليات دون مشاكل.

من جهته، قال عضو لجنة الصحة بمجلس النواب محمد البدري إن الحل الذي ينبغي أن تلجأ إليه وزارة الصحة هو توفير أطباء في أماكن متفرقة لتقديم الخدمات الصحية.

 

وأكد البدري -في تصريحات متلفزة- ضرورة تجهيز الوحدات الصحية الأولية بالمحافظات لإعطاء الحقن للمريض بواسطة أطقم الأطباء ومساعديهم.

 

الصيدلية بديلا

في هذا السياق، قال عضو مجلس نقابة الصيادلة الأسبق أحمد رامي الحوفي إن هناك عدة أسباب أدت إلى تحول الصيدلية إلى ملجأ للمريض للحصول على خدمة طبية بدلا عن المستشفى.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف الحوفي أن مصر تعاني من عجز كبير في أعداد الأطباء، مما يضطر معه الصيادلة لتقديم بعض الخدمات مثل حقن المرضى، لتخفيف الضغط عن الأطقم الطبية.

ويبلغ معدل الأطباء بمصر 8.6 أطباء لكل 10 آلاف مواطن، بينما المعدل العالمي 23 طبيبا، ويعمل 65% من الأطباء المصريين بالخارج، وفق تصريحات وزيرة الصحة السابقة هالة زايد.

من ناحية أخرى، يظهر البعد الاقتصادي في تفسير الأمر، حيث لا يملك كثير من المواطنين ثمن الكشف الطبي أو الذهاب إلى المستشفى لأخذ الحقن، في المقابل تقدم الصيدلية هذه الخدمة مجانا في الغالب، بحسب قول الحوفي.

 

وهناك سبب ثالث وهو الامتداد الجغرافي للصيدلية عكس المستشفى، حيث تنتشر الصيدليات في البلاد وتصل إلى مناطق نائية كما يعمل الكثير منها 24 ساعة، بخلاف المستشفيات والوحدات الصحية.

 

أدوية مغشوشة

عن حالات الوفاة التي تقع جراء حصول المريض على الحقن داخل الصيدلية، قال عضو مجلس نقابة الصيادلة الأسبق “يجب، قبل توجيه الاتهام للصيدلي، التساؤل عن جودة الدواء نفسه، حيث أن هناك احتمالية أن يكون غير مطابق للمواصفات خاصة، وبالتالي فهو سبب الوفاة”.

وأوضح الحوفي أن هناك كميات كبيرة من الأدوية المغشوشة يتم تداولها بمصر، وذلك في ظل تقصير من جانب الجهات المعنية بالرقابة على الدواء.

في المقابل، رأى مدير مستشفى عين شمس الجامعي طارق يوسف أن إعطاء الحقن وصرف الأدوية بدون روشتة ليس من اختصاص الصيدلي، موضحا أن مهنته  تقتصر على صرف الأدوية وإعداد المستحضرات التي يقوم بوصفها الطبيب البشري.

وقال يوسف – في تصريحات صحفية – إن الصيدلي لن يتمكن من إنقاذ المريض في حالة تعرضه لمضاعفات خطرة أو حال الوفاة، بسبب الحقن الخطأ، حيث لن يستطع إجراء الإسعافات الأولية له.

 

وتابع “اختبار حساسية الحقن يتم في أقسام الطوارئ بالمستشفيات، ويتم حقن المريض في المستشفى وليس في الصيدلية”.

المسؤولية الطبية

غير بعيد عن حبس الصيادلة بسبب الحقن الخطأ، يتواصل في مصر جدل قانون المسؤولية الطبية الذي لم يصدر حتى الآن.

وحسب نقابة الأطباء، فإن التشريع سيضمن للطبيب العمل دون أيد مرتعشة لأنه يمنع الحبس الاحتياطي الناتج عن الشكوى ضده، حيث يتم عرض الشكاوى على لجنة عليا تتولى بدورها إحالة الواقعة إلى لجنة فنية للدراسة، وبناء على النتائج يتم تعويض المريض ماديا بناء على درجة الضرر وتأثيره على المريض.

واليوم الأحد، ناشدت نقابة الأطباء الرئيس عبد الفتاح السيسي التدخل لإقرار القانون الذي تقدمت به النقابة، وليس النص الذي قدمه أعضاء في مجلس النواب.

واعتبر البيان مشروع القانون المقدم من بعض النواب -والمعروض على نقابة الأطباء لإبداء الرأي- مُناقضا للأركان الأساسية في قوانين المسؤولية الطبية بجميع الدول التي تطبقه، وأهم أوجه هذا التناقض إقرار عقوبتي الحبس والغرامة على مقدم الخدمة الطبية المؤهل والمرخص له الإجراء الطبي الذي نتج عنه ضرر طبيا.

 

من جهته، أوضح الخبير في إصلاح القطاع الصحي علاء غنام أن النقطة الخلافية الأهم في تعطيل صدور القانون هي مدى إلزامية تقرير اللجنة أو الجهة العليا التي تكتب تقرير المسؤولية الطبية في الحالات المعروضة عليها أمام سلطات القضاء.

واستطرد “هل سيكون تقرير اللجنة ملزما أم استشاريا فقط؟ وإن كان استشاريا فقط فالبعض يرى أن ذلك يضعف فكرة القانون أصلا ويعيد تكرار نفس الخطوات البيروقراطية”.

وأضاف في مقال حمل عنوان “السعي للعدالة.. حول قانون المسؤولية الطبية” أن تشريع المسؤولية الطبية يتم تناوله إعلاميا على فترات متتالية -كلما حدث خطأ طبي- حيث يظهر اهتمام مؤقت يصاحبه تقديم أعضاء البرلمان مقترحات لقانون.

وأردف “غالبا ما تتسم التشريعات المقدمة بالاستعجال في إعدادها، حيث لا تمر بالنقاش الكاف والحوار المجتمعي الذي يستحقه قانون بهذه الخطورة”.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي

About Post Author