دمشق وموسكو وأنقرة على خط المفاوضات.. هذه خيارات “قسد” لمنع هجوم تركي شمال سوريا
شمال سوريا – مع استمرار التصعيد العسكري التركي على مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق سوريا وإعلان أنقرة اقتراب موعد الهجوم البري، تسعى القوات ذات الغالبية الكردية إلى حشد الدعم الدولي والإقليمي، في محاولة لمنع تقدم الجيش التركي إلى مناطق غربي الفرات التي تعد الوجهة الأكثر احتمالية لعملية برية تركية محتملة.
وفي خضم ذلك، يتركز القصف التركي، على مطار منغ العسكري ومدينة عين العرب (كوباني) وقرية عين دقنة بمنطقة الشهباء وقرية مرعناز في ريف حلب، كما استهدفت القوات التركية بقذائف الدبابات والهاون أجزاء من أرياف الحسكة والرقة، وفق وكالة “هاوار” المقربة من قوات سوريا الديمقراطية.
وعكس الظهور الإعلامي المتكرر لقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، حجم المخاوف التي تهدد تلك القوات، لكن الأبرز في خطاباته كانت دعوته قوات النظام السوري لحماية الحدود الشمالية السورية، كونها معنية بذلك، وفق وصفه، وقد طالب النظامَ باتخاذ قرار الوقوف مع قواته لمواجهة الهجوم التركي المحتمل.
ووفق عبدي، فإن قواته تنتشر اليوم في الخطوط الخلفية للحدود السورية التركية بضمانة روسية، في حين توجد قوات من النظام السوري على الحدود مع تركيا وداخل بعض المدن.
عرض روسي
في غضون ذلك، نفت مصادر مقربة من النظام السوري أن يكون هناك أي اتفاق يقضي بدخول قواته وانتشارها على الحدود وفي المناطق التي تخضع لقوات سوريا الديمقراطية في الجهة الشمالية الشرقية من البلاد لأجل قطع الطريق أمام أي تقدم تركي محتمل في تلك المناطق.
ونقلت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام عن المصادر ذاتها أن قائد القوات الروسية في سوريا ألكسندر تشايكو قدم عرضا لقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، يقضي بانسحاب الأخيرة مسافة 30 كيلومترا ودخول قوات النظام المناطق وانتشارها فيها، وهو الأمر الذي رفضه عبدي.
وقد أكد رشيد حوراني الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، أن القوات الكردية ترفض التعاون مع النظام والسماح له بدخول مناطق نفوذها، لاشتراطه أن تحلَّ القوات الكردية نفسها وأن تنضم لجيش النظام كأفراد، وهو الأمر الذي يعرضها للتفكك ولا تقبل به القوات الكردية، وفق حوراني.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال حوراني “إن حالة قسد اليوم كحالتها قبل كل عملية عسكرية تركية باتجاه الأراضي السورية، حيث تطلق التهديدات وتعلن التصريحات على لسان قادتها بأنها قوة قادرة على إشعال الجبهات والجهة المهاجمة، وعند بدء المعركة تظهر هشاشة بنيتها العسكرية وانكسارها السريع”.
خيارات عديدة
وعن خيارات قوات سوريا الديمقراطية لمواجهة الهجوم التركي المحتمل، رأى المحلل السياسي الكردي فريد سعدون، أنها أمام خيارين، الأول عبر الوساطة الروسية لأجل تخفيف وطأة الشروط التركية خلال المفاوضات والانسحاب إلى عمق 30 كيلومترا من الحدود وإقناع الروس ببقاء ما يعرف بـ”الإدارة الذاتية” الكردية قائمة.
وأضاف سعدون -في حديث للجزيرة نت- أن الخيار الثاني هو الحاسم وغير المرغوب به عبر اللجوء إلى القتال، لافتا إلى أن القوات الكردية جهزت نفسها لهذا السيناريو في حال عدم توفر حل وسط، ومحذرا في الوقت ذاته من أن القتال سيكون شرسا وستكون له تداعيات خطيرة على المنطقة، وفق تعبيره.
واعتبر سعدون أن روسيا تحاول أن تفرض الشروط التركية من خلال الاجتماعات الأخيرة مع قوات سوريا الديمقراطية عبر اقتراح وضع نقاط مراقبة تركية دائمة في المناطق التي سوف تنسحب منها القوات الكردية، وهو ما ترفضه الأخيرة، وفق قول سعدون.
في السياق، أشار المحلل السياسي الكردي إلى أن قوات “قسد” دعت قوات النظام إلى ما وصفه بـ”دفاع مشترك” لمواجهة التهديد التركي من دون الحصول على أي موقف واضح حتى اللحظة، مؤكدا أن “قسد” لديها مطالب ومخاوف من تداعيات الانسحاب على إدارة المنطقة.
موقف النظام
وبينما يستمر التصعيد العسكري، يتخذ النظام السوري من الهجوم التركي موقفا تقليديا نابعا من عدم القدرة -على ما يبدو- على اتخاذ موقف عملي، إذ توالت تصريحات ساسته عن رفض ما يسمّيه “الاحتلال التركي” وشجب التدخل الأجنبي الذي “يهدد وحدة أراضي سوريا وسلامتها”، وفق مراقبين.
ورغم ما يصدر من أنقرة عن علاقات سياسية محتملة مع النظام، إلا أن الأخير ينفي أي تقارب ويستبعد في الوقت الراهن أن يتم التنسيق السياسي بين البلدين، في الوقت الذي يعتقد فيه الباحث رشيد حوراني أن تصريحات النظام “غير ذات مصداقية والهدف منها إحراج حزب العدالة وإفشال كل خططه للإمساك أمام المعارضة التركية بورقة التقارب مع النظام، وكل ذلك قبل الانتخابات”.
ولفت حوراني إلى أن النظام السوري يصعد في التصريحات ضد تركيا، نظرا لعدم قدرته على تقديم أي جديد في سبيل ترميم العلاقات بين الطرفين (سوريا وتركيا)، تزامنا مع حديث أنقرة عن إمكانية عودة العلاقات السياسية بين البلدين.
تفاهمات دولية
وعلى وقع الهجوم البري المحتمل، تخوض الأطراف ما يمكن وصفه بمفاوضات الساعات الأخيرة، إذ تعمل الدول المنخرطة بالشأن السوري على مزيد من الجهود السياسية التي قد تجنب قوات سوريا الديمقراطية الهجوم العسكري التركي.
ويستبعد العقيد المنشق عن قوات النظام السوري عبد الجبار العكيدي أن تنفذ تركيا عملية عسكرية برية في شمال سوريا، رغم إعلان “الجيش الوطني السوري” المدعوم من أنقرة رفع الجاهزية القتالية، معلقا في حديثه للجزيرة نت بقوله “إن العملية العسكرية التركية مرهونة بالتفاهمات الدولية القائمة والمستمرة بين كل من أنقرة وواشنطن من جهة، وأنقرة وموسكو من جهة أخرى، وإن حجم المصالح هو المعيار الأكثر دقة وترجيحا”.
بالمقابل، وبالعودة إلى الباحث رشيد حوراني؛ فإنه يعتقد أن التحركات الميدانية هي مؤشرات لعمل عسكري قادم، مستدركا بالقول إن الحراك السياسي والاجتماعات بين كل من تركيا وروسيا وأميركا، واجتماع كل من أميركا وروسيا كل على حدة مع قوات سوريا الديمقراطية، يشي بالوصول إلى حل يرضي كافة الأطراف، أو عملية عسكرية محدودة.