دمار لحق بأحد المباني على الطريق المقطوع المؤدي إلى مدينتي بالاكليا وإيزيوم في جنوب منطقة خاركيف (الجزيرة)

دمار لحق بأحد المباني على الطريق المقطوع المؤدي إلى مدينتي بالاكليا وإيزيوم في جنوب منطقة خاركيف (الجزيرة)

خاركيف- حركة مكوكية لافتة للقوات الأوكرانية في منطقة خاركيف على العديد من الطرق المؤدية إلى مدن وبلدات وقرى الضواحي الشمالية والشرقية والجنوبية الشرقية توحي بأن العمليات المضادة للتقدم في تلك الأنحاء لم تنته بعد.

ورغم أن العالم كله بات على علم بتقدم الأوكرانيين في المنطقة تتكتم الرئاسة وهيئة الأركان على كثير من التفاصيل حتى الآن، وتقتصر بياناتها على أرقام تدل على عمق التقدم ومساحة السيطرة وأعداد التجمعات السكنية المحررة.

 

وتكرر تلك الجهات نداءات للصحفيين والمدونين بالتكتم على التفاصيل أيضا، ناهيك عن منع أو صعوبة وصولهم إلى كثير من تلك التجمعات بحكم “خطورة الأوضاع” مع استمرار العمليات، أو بسبب قطع أو تدمير الكثير من الطرقات والجسور المؤدية إليها.

إيفان ستوباك - الخبير العسكري في _المعهد الأوكراني للمستقبل_ - المستشار السابق لشؤون الأمن العسكري في البرلمان الأوكراني
ستوباك: أوكرانيا وجهت الروس إلى خيرسون فيما كانت تعد المعركة في خاركيف (الجزيرة)

“دهاء الحرب”

وفي وقت كانت الأنظار متجهة نحو منطقة خيرسون وتنتظر تقدم القوات الأوكرانية فيها تحقق عنصر المفاجأة في خاركيف، ولهذا الأمر ما يفسره لدى الخبراء.

في حديث مع الجزيرة نت يقول إيفان ستوباك الخبير العسكري في المعهد الأوكراني للمستقبل والمستشار السابق لشؤون الأمن العسكري في البرلمان الأوكراني “إنه عنصر دهاء الحرب الذي برز في خاركيف وحقق نتائج كبيرة”.

وأضاف “خلال الأسابيع الماضية أوكرانيا أقنعت الروس بأن عليهم توجيه الاهتمام والتعزيزات إلى خيرسون، في وقت كانت تعد فيه لمعركة تحرير كبيرة في خاركيف”.

 

تدريب في الغرب

ومن العوامل الرئيسية التي لعبت وتلعب دورا كبيرا في تقدم القوات الأوكرانية اليوم -حسب الخبير ستوباك- الأسابيع الطويلة من التدريب في دول غربية، وعمليات القصف الدقيقة على مواقع الروس في أوكرانيا.

 

ويقول ستوباك إنه على مدار شهر كامل من الحديث عن العمليات المضادة تدرب آلاف الجنود خارج البلاد، ولا سيما في الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما، وقصفت أوكرانيا بواسطة الأسلحة الغربية التي حصلت عليها -خاصة نظم “هيمارس” المدفعية- 160 مستودعا روسيا للذخيرة والعشرات من مواقع القيادة وتجمع الجند، إضافة إلى طرق الإمداد.

وهذا التقدم -حسب الخبير الأوكراني- “دمر لوجستيات العدو وألحق في صفوف قياداته خسائر كبيرة، فدفعها عمليا إلى الابتعاد نحو 70 كلم عن الخطوط الأمامية (مدى الصواريخ التي تملكها أوكرانيا لنظم “هيمارس”)، وهكذا تم التمهيد للتقدم”.

دمار لحق بأحد المباني السكنية في حي سالتوفكا شمال شرق مدينة خاركيف
دمار لحق بأحد المباني السكنية في حي سالتوفكا شمال شرق مدينة خاركيف (الجزيرة)

إلى أي مدى سيتقدم الأوكرانيون؟

ومع تقدم الأوكرانيين على الأرض أو “إعادة التموضع والتركيز” كما يقول الروس يبرز تساؤل حول المدى الذي ستنتهي إليه العمليات العسكرية بتطوراتها الراهنة.

يرى ستوباك أن “منعطفا رئيسيا تشهده الحرب حاليا، وأن القادم بالنسبة للأوكرانيين سيكون أفضل، لأن النجاحات التي تتحقق اليوم مبنية على جزء يسير من المساعدات العسكرية التي تنتظرها أوكرانيا في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، خاصة مع دخول قانون “ليند ليز” حيز التنفيذ الذي أقرته الولايات المتحدة لصالح كييف”.

ويضيف أنه بعد كل اجتماع لوزراء دفاع الدول الداعمة لأوكرانيا في قاعدة رامشتاين الجوية بألمانيا حصلت كييف على المزيد من الأسلحة النوعية المطلوبة للتقدم والنصر “لدرجة أن الحديث عن صواريخ “جافلين” المضادة للدبابات و”ستينغر” المضادة للطائرات وحتى نظم “هيمارس” تلاشى، فأصبح الحصول عليها يسيرا دون حاجة إلى طلبها”.

ويعتقد الخبير أن أوكرانيا قد تحصل قريبا جدا على ذخائر ذات مدى أبعد لنظم “هيمارس” وغيرها، مضيفا “لا أقول إنها قد تصل إلى 300 كلم مباشرة، وإنما قد تصلنا ذخائر يبلغ مداها 165 كلم بداية، وتؤجل بعيدة المدى إلى مرحلة أخرى، وهذا كافٍ لتحقيق مزيد من التحول على الأرض”.

دبابات روسية غادرها جنودها في بالاكليا قرب خاركيف وسط الحديث عن تقدم أوكراني في المنطقة (الفرنسية)

القرم تخضع لحسابات أخرى

ورغم أن كبار المسؤولين الأوكرانيين لمّحوا مرارا إلى إمكانية استعادة السيطرة على شبه جزيرة القرم المحتلة منذ 2014 في الجنوب فإن الخبير ستوباك يستبعد ذلك.

 

ويقول إن “القرم تخضع لحسابات كثيرة ومعقدة تشمل رغبة الشركاء الغربيين بدعم العمليات فيها، وحقيقة وجود أعداد كبيرة من الروس هناك، لذا فإن أوكرانيا لن تستعجل ذلك حتى إن استطاعت، لأن ذلك قد يحرمها الامتيازات الراهنة وفرص التقارب والعضوية الأوروبية”.

وعلى العكس من القرم يعتقد ستوباك أن تحرير إقليم دونباس -حتى وإن كان بعيدا- سيكون أسهل “ولا أعتقد أنه سيكون بالقوة العسكرية المفرطة”، مضيفا “يجب أن نعلم أن انفصاليي دونباس هم أكثر من دفعتهم روسيا للقتال في خاركيف، ولهذا فإن الأوضاع هناك ستكون هشة نسبيا بعد خاركيف”.

 

المفاوضات أصبحت ممكنة

وتطرح هذه التطورات المتسارعة تساؤلات حول إمكانية إجراء مفاوضات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا بعد أشهر من تعثر كل الجهود الرامية إلى وقف الحرب.

وهنا يرى الخبير العسكري أن أوكرانيا نجحت في تحقيق “هزائم تكتيكية” للروس على الأرض، وكانت هذه لازمة للجلوس بقوة إلى طاولة المفاوضات.

وباعتقاد الخبير، فإن الزخم المنتظر لهذه “الهزائم” سيكون في أكتوبر/تشرين الأول وبعده “لذلك أرى أن المفاوضات ممكنة ولكن ليس قبل نهاية العام الجاري” على حد توقعه.

 
المصدر : الجزيرة

About Post Author