رغم احتياطاتها الهائلة.. لماذا تحولت إيران من مصدّر للبنزين إلى مستورد له؟
طهران- بعد عام على فتح البرلمان الإيراني تحقيقا في احتمال بيع طهران البنزين إلى جهات أجنبية بثمن بخس خلال عام 2020، اضطرت الحكومة الإيرانية مؤخرا إلى استيراد الوقود من روسيا بسبب اختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.
وتحولت إيران -التي كانت تستورد البنزين طوال العقود الماضية- إلى مُصدر لأول مرة عقب رفع أسعاره عام 2019، تزامنا مع إطلاق مصفاة جديدة وتراجع الاستهلاك الداخلي إبان جائحة كورونا.
لكن عقب احتواء أزمة فيروس كورونا وزيادة الرحلات الداخلية، سجل الطلب مستويات غير مسبوقة حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، مما اضطر الحكومة الإيرانية إلى إيقاف تصدير الوقود إلى الخارج.
الإنتاج والاستهلاك
وإلى جانب استيرادها 30 ألف طن من البنزين والديزل من روسيا خلال فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين، خصصت الحكومة الإيرانية نحو مليار دولار لاستيراد الوقود في موازنة العام الحالي لتلبية الطلب الداخلي المستمر في الارتفاع.
وعما إذا كانت واردات الوقود من روسيا مؤقتة، قال الأمين العام لاتحاد أصحاب العمل في قطاع تكرير النفط، ناصر عاشوري قلعة رودخاني، إنه أبلغ الحكومة والبرلمان بأن سعة المصافي ممتلئة ولا يجب أن يتوقعوا المزيد من الإنتاج.
وأوضح قلعة رودخاني -في تصريحات صحفية- أن بلاده تنتج في الوقت الراهن نحو 105 ملايين إلى 115 مليون لتر من البنزين يوميا، بيد أن الاستهلاك بلغ 145 مليون لتر في اليوم في الفترة الأخيرة، ما أدى إلى اختلال في معادلات الإنتاج والاستهلاك.
من ناحيته، أكد رئيس نقابة مصدري النفط والغاز والبتروكيميائيات في إيران، حميد حسيني، تحول بلاده من مصدر للبنزين إلى مستورد لهذه المادة الإستراتيجية منذ أشهر قليلة، موضحا أنه من المقرر أن تستورد بلاده يوميا نحو مليوني لتر من الديزل وحوالي 3 ملايين لتر من البنزين خلال الفترة المقبلة إلى حين معالجة العجز في الإنتاج.
تقنين البنزين
واستبعد حسيني في حديثه للجزيرة نت، زيادة الإنتاج خلال فترة وجيزة نظرا لعدم توفر البنى التحتية اللازمة في الوقت الراهن، مضيفا أن السلطات الإيرانية لا ترغب برفع الأسعار، مستدركا أن هناك خططا تحت الدراسة لتقنين الوقود وتحرير أسعاره لما يفوق حصة 60 لترا لكل فرد بالشهر.
وكانت الحكومة الإيرانية قد رفعت أسعار البنزين عام 2019 بنسبة 50% حتى حصة 60 لترا في الشهر، وبنسبة 300% لمن يتجاوز الحصة الشهرية التي تدعمها الدولة، مما أثار احتجاجات شعبية واسعة في كبرى المدن الإيرانية.
ولم يعد استيراد البنزين أمرا طارئا على طهران، حيث أقدمت جميع الحكومات المتعاقبة خلال العقود الماضية على استيراد كميات كبيرة منه حتى 2016، وفق حسيني، مؤكدا عزم بلاده إطلاق مرحلة جديدة في المصفاة الواقعة في مدينة بندر عباس جنوبي البلاد خلال الأشهر القليلة المقبلة، ما سيوفر عليها إنتاج 10 ملايين لتر بنزين يوميا.
ويرى رئيس نقابة مصدري النفط والغاز والبتروكيميائيات في إيران، في وضع حد لتهريب البنزين إلى خارج البلاد واعتماد السيارات الكهربائية بدلا من المحركات التي تعمل بالبنزين؛ حلا مناسبا لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.
الداء والدواء
ولكل داء دواء بعد تشخيصه، وفق عالم الاقتصاد الإيراني بهمن آرمان الذي كان سباقا للتحذير من وتيرة استهلاك البنزين منذ 6 أشهر، معتقدا أن جهة متنفذة في البلاد ترى مصلحتها في استيراد الوقود من الخارج، حيث عملت -خلال 16 عاما خلت- على تعطيل المشاريع التنموية لا سيما إنشاء المصافي جنوبي البلاد.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح آرمان أن بعض الشركات الصينية المتعاقدة مع إيران غادرت البلاد عقب تفشي فيروس كورونا ورفضت العودة إليها بذريعة العقوبات الأميركية، مما أدى إلى تعطيل عدد من المشاريع التنموية في قطاع النفط.
وأشار إلى أن العقوبات الأجنبية تعرقل استيراد التكنولوجيا والعديد من الأجهزة اللازمة لإنشاء المصافي إلی جانب نقص التقنيات والاستثمار.
ولدى إشارته إلى اهتراء نحو 7 ملايين سيارة و10 ملايين دراجة نارية على مستوى البلاد، شدد عالم الاقتصاد الإيراني على ضرورة وضع خطط للإصلاح الهيكلي لمُصنّعي السيارات من أجل خفض الاستهلاك.
ورأى آرمان، في استخدام أنواع الوقود البديلة مثل الغاز الطبيعي المسال والغاز الطبيعي المضغوط حلا مؤقتا لتوفير البنزين والديزل في البلاد، محذرا من تحول إيران إلى مستورد للغاز خلال السنوات المقبلة أيضا.
وقال إنه لا سبيل سوى استيراد البنزين والديزل في الوقت الراهن حتى اكتمال المشاريع المجمدة، لا سيما تلك التي توقفت بسبب معارضة جماعات تراها مضرة بالبيئة، بجانب التوسع في بناء مصافٍ جديدة.
وكان رئيس اتحاد مراكز إعادة تدوير السيارات في إيران محمد مشهدي شريف طالب خلال الأيام الأخيرة بتسريع وتيرة إزالة السيارات المهترئة من خط السير “لتوفير ما لا يقل عن 33 مليون لتر من البنزين يوميا”.