إسلام آباد- لم تنجل بعد غبار المعركة السياسية التي شهدتها إسلام آباد والتي نجحت بداية هذا الأسبوع المعارضة الباكستانية في الإطاحة بحكومة حزب الإنصاف بقيادة عمران خان، من خلال التصويت على حجب الثقة الذي ظل محط خلاف وجدل بين الحكومة والمعارضة على مدار أسابيع.

وبات عمران خان بعد هذا التصويت أول رئيس وزراء باكستاني تسقط حكومته نتيجة التصويت على حجب الثقة في البرلمان.

 

سقوط حكومة عمران خان وحزب الإنصاف، أثار التساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى هذا السقوط، خاصة أن عمران خان قد صرح قبل الإطاحة به بأن التحركات التي شهدها الشارع الباكستاني والتحريض على حكومته، جاء على خلفية تدخلات خارجية وما أسماه “مؤامرة أجنبية”، لإسقاط حكومته.

ويرى معارضون لعمران خان أن السياسات التي اتبعتها حكومته في الملف الاقتصادي، وكذلك في العلاقات الخارجية، وعدم وجود خبرة لدى فريق الحكومة، كانت هي السبب الرئيسي الذي أثر على توازن حكومته.

 

في المقابل، يقول مؤيدوه إن التحديات التي واجهت الحكومة كانت ناجمة عن عوامل داخلية وخارجية مؤثرة، بالإضافة إلى سياساته الخارجية الجديدة والمستقلة، حيث اتهم خان صراحة الولايات المتحدة بالسعي لإسقاط حكومته التي قال إن سياساتها أغضبت واشنطن.

 

محاولات حكومية

ويدافع شوكت تارين، وزير المالية في حكومة عمران خان السابقة عن أداء حكومة حزب الإنصاف، وقال في تصريحاته نقلتها صحيفة (نيوز إنترناشونال) الباكستانية يوم أمس الأربعاء، إن الحكومة حاولت كثيرا الانخراط مع الخبراء الاقتصاديين، لكن هذه المحاولات لاقت معارضة صريحة من أعضاء المعارضة، وإن باكستان خسرت نتيجة عدم قدرتها على التعامل مع هؤلاء.

وفي رده على تغريدات أحد الاقتصاديين الموالين للمعارضة، قال تارين إنه على عكس الأنظمة السابقة، حاولت حكومة حزب الإنصاف الانفصال عن الاقتصاد الريعي الذي تفضله النخبة.

 

وأشار إلى أن الحكومة استهدفت حوافز للقطاعات كثيفة العمالة، بما في ذلك البناء والزراعة وصناعة التصدير والشركات الصغيرة والمتوسطة والتصنيع والسياحة وتكنولوجيا المعلومات، لتوفير دفعة كبيرة لخلق فرص العمل للشباب.

وتابع أيضا أنه نتيجة لذلك، نرى أن الاقتصاد الباكستاني لم يتفوق فقط على نظرائه الإقليميين والعالميين من حيث التعافي من أزمة فيروس كورونا فحسب، ولكن جودة النمو قد تحسنت أيضا بشكل كبير، كما يتضح من الزيادة القياسية في خلق فرص العمل الجديدة، كما قال.

 

تراكمات الفساد

واحدة من أكثر القضايا التي تم تداولها في باكستان خلال الفترة الماضية، كانت اتهام المعارضة لحزب الإنصاف في إدارة الملف الاقتصادي، وهذا ما تسبب في خروج مظاهرات على مدار سنوات احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والتي أوجدت المبرر لأحزاب المعارضة لانتقاد عمران خان وأداء حكومته بشكل خاص، بحسب مراقبين.

 

وفي الإطار ذاته، يرى محللون أن فشل حكومة خان كان ناجما عن عوامل مركبة ومشاكل سابقة متراكمة قبل وصولها للحكم.

وفي هذا السياق، يقول الصحفي والمحلل السياسي سبوح سيد، إن عمران خان ومنذ توليه السلطة قال إن باكستان وعلى مدار 35 عاما تعرضت للسرقة من الأحزاب التي كانت تتناوب على الحكم، في إشارة إلى حزبي الشعب الباكستاني، والرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز شريف)، وإيداع الأموال في البنوك الخارجية.

وأضاف سيد للجزيرة نت، إن عمران خان في أول أعماله قال إنه سوف يعمل على إعادة هذه الأموال لخزينة الدولة الباكستانية من أجل تحسين الاقتصاد، حتى لا يضطر للاستدانة من صندوق النقد الدولي.

لكن وفقا لسيد، فإن حكومة حزب الإنصاف بعد 3 سنوات ونصف السنة، فشلت في إرجاع أي مبالغ من الخارج، وقد اعترف وزراء في الحكومة بذلك.

 

 

الوضع المعيشي

ويضيف سيد، هذا الأمر اضطر عمران خان لإجراء إصلاحات على الهيئة الاتحادية للإيرادات المسؤولة عن الجمارك والضرائب لتعويض النقص في الميزانية، وهذا ما أثر على الأوضاع المعيشية للناس وغلاء أسعار أغلب السلع.

ويقول سيد، إن أحد الإصلاحات التي حاولت الحكومة القيام بها، تتلخص في التعاون بين المؤسسات الحكومية لتنظيم الاقتصاد، على سبيل المثال كانت هناك محاولات لتطوير وتنظيم نظام الضرائب والاستثمارات بالتعاون بين هيئة الإيرادات وهيئة قاعدة البيانات والتسجيل الوطنية المعروفة في باكستان باسم “نادرا”، لكن كانت هناك خلافات بين الهيئتين مما تسبب بفشل الحكومة في تنظيم الضرائب والاستثمار.

وفي نفس السياق، يقول عبد الكريم شاه المحلل السياسي ومدير مركز إسلام آباد للدراسات السياسية في حوار تلفزيوني، إن ما وعد به عمران خان وأكد عليه هو محاربة الفساد، ولكن تباطؤ القضاء في باكستان أثر على ذلك ولم يستطع تقديم الفاسدين للحساب. وأضاف شاه، أن الأحزاب السابقة التي تعاقبت على حكم البلاد، ساد في عهدها الفساد مما أثر على الملف الاقتصادي.

 

 

سياسات خاطئة

بالمقابل، قالت سحر كامران عضو مجلس الشيوخ عن حزب الشعب الباكستاني للجزيرة نت إن الأسباب الرئيسية التي أدت لإسقاط حكومة خان هي الفشل في تحقيق الوعود الانتخابية مثل توفير مليون وظيفة وغيرها من الوعود، بالإضافة إلى أنه وضع أشخاصا غير مناسبين في أماكن حساسة في الدولة.

وأضافت كامران أن عمران خان لم يستطع بناء فريق قوي، ولطالما شهدت حكومته تغييرات وزارية مثل تغيير وزير المالية 3 مرات، وهذا ما أشار فعلا لوجود فشل اقتصادي.

في المقابل، يقول الخبير في العلاقات الدولية والسياسات الخارجية محمد مهدي إن حكومة عمران خان اتخذت قرارات خاطئة جسيمة في المجال الاقتصادي، حيث واجه الناس الكثير من الصعوبات في تسيير نفقاتهم، ونتيجة لذلك ابتعدت المؤسسة العسكرية عنه، لأن فريقه الاقتصادي لم يفهم الوضع المتغير.

 

من وجهة نظر أخرى، يقول مدير مركز الإعلام والأبحاث والترجمة في إسلام آباد، سعيد الرحمن عبد الستار، إن السبب في الفشل الاقتصادي لحكومة عمران خان يعود لعدم وجود خبراء اقتصاديين وعدم تركيزهم على حل المشاكل الاقتصادية، ولم يلجأ للخبراء الاقتصاديين والتجار لحل تلك المشاكل طوال فترة حكمه.

 

أزمة كورونا

من جهته، يرى سبوح سيد أن حكومة عمران خان اتخذت إجراءات فعالة جدا لمواجهة التأثيرات الاقتصادية الناجمة عن انتشار وباء كورونا، وأن باكستان كانت على الأقل من أفضل الدول على مستوى المنطقة، التي واجهت هذه الجائحة وقللت من تأثيرها، حيث تم توفير اللقاحات مجانا لجميع السكان.

ويؤكد على ذلك عبد الكريم شاه، الذي قال إن مؤشرات التضخم والبطالة، والانخفاض الحاد في سعر صرف الروبية الباكستانية، كانت نتيجة تداعيات جائحة كورونا التي أثرت على العالم بشكل كامل وليس على باكستان فقط.

 

بينما يقول سعيد الرحمن عبد الستار، إن جائحة كورونا والغلاء العالمي وغيرهما من العوامل، لم يكن لها تأثير كبير ومحوري على فشل حكومة حزب الإنصاف، بل بالعكس، تلقت الحكومة مساعدات خارجية كبيرة لمكافحة الجائحة.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *