ركود أم انتعاش.. ماذا سيشهد الاقتصاد الأميركي عام 2023؟
واشنطن– وفقا لعدد من التحليلات الأخيرة، يُتوقع على نطاق واسع أن يشهد الاقتصاد الأميركي حالة ركود خلال عام 2023 لأسباب محلية بالأساس، كما تسهم فيها حالة عدم اليقين تجاه توقعات الاقتصاد العالمي بسبب ارتباط ذلك بالحرب المستمرة في أوكرانيا، وارتباك عملية إعادة فتح الاقتصاد الصيني بشكل كامل بعد إغلاقات كوفيد-19.
ولا يجادل كثير من الخبراء في حتمية حدوث الركود الاقتصادي، لكنهم لا يتفقون في إذا ما كان الركود سيكون معتدلا بسيطا أم قويا مربكا.
ومن خلال سؤال وجواب، تحاول الجزيرة نت استقراء أفق الاقتصاد الأميركي في العام الجديد 2023.
كيف يمكن وصف حالة الاقتصاد الأميركي خلال 2022؟
مواجهة التضخم وجهود بنك الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) لمواجهة الارتفاع في نسبه إلى معدلات قياسية هي الأعلى خلال 40 عاما أهم ما ميز الاقتصاد الأميركي خلال العام المنتهي.
وكانت المعدلات السنوية لزيادة الأسعار لا تزيد على 6% في يناير/كانون الثاني الماضي، لكنها وصلت إلى 9% نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وبدءا من مارس/آذار، بدأ بنك الاحتياطي الفدرالي سلسلة دراماتيكية من الزيادات في أسعار الفائدة، من 0.0% في بداية العام إلى ما بين 4.0% و4.5% مع نهاية العام.
ولا يوجد سبب واحد وراء ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة، لكن أغلب الخبراء الاقتصاديين يرون أن ضخامة الإنفاق الحكومي الذي تخطى 5 تريليونات دولار حتى الآن منذ بدء جائحة كوفيد-19 هو السبب المباشر في ارتفاع التضخم وزيادة الأسعار.
ماذا فعل جو بايدن لمواجهة التضخم وارتفاع الأسعار خلال 2022؟
سارع بايدن إلى القول إن مواجهة ارتفاع نسبة التضخم أولويته القصوى، وأصدر تعليمات إلى المجلس الوطني الاقتصادي للعمل على خفض الأسعار، ومن بينها أسعار الطاقة، كما أصدر تعليماته إلى لجنة التجارة الفدرالية للتصدي لأي تلاعب في الأسعار.
وأشار بايدن إلى أن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية يرتبط بالتأخير الذي تعاني منه سلسلة التوريد العالمية، والذي تسبب في نقص كبير بالمواد الاستهلاكية في الأسواق.
ويرى بايدن أن مشروع قانون البنية التحتية وقانون خفض التضخم اللذين أقرهما الكونغرس خلال 2022 سيساعدان على تخفيف آثار ارتفاع الأسعار على ملايين العائلات الأميركية.
هل شعر كل الأميركيين بالمتاعب الاقتصادية؟
نعم، شعر بارتفاع الأسعار كل الأميركيين، لكن اختلفت درجة المعاناة طبقا للوضع المالي المتنوع للعائلات، وساعد وجود مدخرات نقدية (نتيجة حجم الإنفاق والإعانات الضخمة التي حصل عليها أغلب الأميركيين عقب إغلاقات كوفيد-19) في امتصاص ملايين الأميركيين صدمة ارتفاع الأسعار.
من ناحية أخرى، أدى التدهور السريع والكبير في سوق الأسهم إلى فقدان 59% من الأميركيين ما بين 20% إلى 40% من حسابات تقاعدهم خلال 2022.
إذ تستثمر الشركات والمؤسسات الأميركية المختلفة مدخرات صناديق التقاعد في أسواق المال، ويلقي هؤلاء باللوم على سوء إدارة الرئيس جو بايدن وحزبه الديمقراطي للاقتصاد وتقليله من أهمية تحذيرات كثيرين من خطورة التضخم.
ما مظاهر اقتراب الاقتصاد الأميركي من حالة الركود؟
تاريخيا منذ عام 1948، وفي كل مرة انخفض فيها الناتج المحلي الإجمالي ربعين متتاليين على الأقل خلال عام واحد، يتم إعلان دخول البلاد مرحلة الركود الاقتصادي، إلا أن البيت الأبيض رفض أن يسلك هذا المسار بعدما سجلت معدلات النمو انخفاضا في الربعين الثاني والثالث لعام 2022، مبررا ذلك بأن البيانات الاقتصادية الشاملة المتعلقة بسوق العمل والبطالة وحجم الإنفاق الاستهلاكي والتجاري والإنتاج الصناعي ومعدلات الدخل يجب أن تدخل ضمن التعريف الحقيقي للركود.
ما فلسفة البنك المركزي الأميركي بشأن مواجهة التضخم؟
تدخل البنك المركزي الأميركي يهدف إلى تغيير حوافز المستهلكين، عن طريق جعل أسعار الفائدة على المدخرات أكثر جاذبية، وأسعار الفائدة على الاقتراض أقل جاذبية. ويعمل البنك المركزي على تقليل الطلب، وبالتالي إبطاء معدل زيادة الأسعار.
بشكل عام، يرى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أن معدل التضخم السنوي بنسبة 2% أمر صحي، ويعتبر ذلك هدفه طويل الأجل.
هل ركود الاقتصاد الأميركي عام 2023 أمر لا مفر منه؟
يهدف الاحتياطي الفدرالي إلى السيطرة على التضخم دون إغراق الاقتصاد في ركود ضار، وبينما تشير عدد من المؤشرات الاقتصادية إلى أن الجهود الرامية إلى إبطاء الطلب قد تكون ناجحة، فإن خطر الركود لا يزال يلوح في الأفق.
وأظهرت بيانات وزارة التجارة -نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- أن النشاط التجاري في الولايات المتحدة انكمش للشهر الخامس على التوالي حيث تفاعلت الشركات مع انخفاض طلب المستهلكين.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد استمر في إضافة الوظائف في الأشهر الأخيرة، فإن طلبات الحصول على إعانات البطالة لا تزال في الارتفاع، وهو ما يشير إلى احتمال حدوث تراجع في سوق العمل.
كما نشر مجلس الاحتياطي الفدرالي الشهر الماضي محضر اجتماع اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة، الذي كشف عن وجهة نظر متشائمة بين الاقتصاديين في البنك المركزي بشأن توقعات أداء الاقتصاد الأميركي خلال العام المقبل.
وكان من بين النتائج التي توصلوا إليها أنهم “رأوا أن احتمال دخول الاقتصاد في ركود في وقت ما خلال العام المقبل يكاد يكون مرجحا بصورة كبيرة”.
وأشارت “أغلبية كبيرة” من الأعضاء المصوتين في اللجنة إلى أنهم يعتقدون أن الوقت قد حان لإبطاء معدل زيادات أسعار الفائدة، وهو ما حدث من اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة التي تراجعت عن الزيادة التقليدية بنسبة 0.75% كما فعلت 4 مرات عام 2022، لترفعها في ديسمبر/كانون الأول الجاري بنسبة 0.5% فقط.
كيف سيؤثر الاقتصاد الأميركي على الاقتصادات العربية خلال 2023؟
ينعكس رفع سعر الفائدة الأميركية على الاقتصادات العربية عن طريق:
- التأثير غير المباشر على أسعار مصادر الطاقة التي ترتبط عكسيا بقيمة الدولار. فكلما صعد سعر صرف العملة الأميركية هبطت أسعار النفط العالمية.
- الدفع إلى زيادة معدلات التضخم في البلدان العربية أيضا، بسبب ارتفاع تكلفة الاستيراد.
- ارتفاع تكلفة الديون الخارجية المقومة بالدولار.
- اتباع البلدان الخليجية -التي تربط عملتها المحلية بالدولار- خطوات قريبة مما يتخذه بنك الاحتياطي الفدرالي للمحافظة على استقرار عملاتها المحلية.