رواية “بار ليالينا”.. سرد أدبي بإيقاع سينمائي عن أزمة رجل أحمق
قد لا يكفي الشغف بالأدب وحده لقراءة رواية “بار ليالينا” للكاتب المصري أحمد الفخراني، بل يحتاج إلى الثقافة السينمائية أيضًا لتتبع رحلة “كومبارس” صامت يحاول دخول عالم المثقفين والتحول إلى نجم شباك، لكن حماقته تنتهي به في السجن.
الرواية الصادرة عن دار الشروق بالقاهرة في 152 صفحة من القطع الصغير هي السادسة في مشوار الفخراني الذي تخرج في كلية الصيدلة، وأصدر أيضا مجموعة قصصية وديوان شعر بالعامية.
بطل الرواية هو نوح الرحيمي الذي يعيش حياتين؛ فهو موظف في شركة أدوية لتحمل أعباء المعيشة وسداد الفواتير، و”كومبارس” صامت من أجل إرضاء نزعته الخفية إلى الفن، لكن تطلعه إلى دور أكبر جعله يؤسس مع زملائه من الكومبارس شركة إنتاج تدعى “الصمت الرهيب” أنتجت أفلاما قصيرة صامتة على غرار أفلام شارلي شابلن.
“الصمت الرهيب”
يلتقي نوح في المقهى مع الصحفي والمعدّ التلفزيوني نديم الصبان الذي كان يسعى لاستقطاب مجموعة من الكومبارس للمشاركة في برنامج تعتمد فكرته على إعداد “مقلب” في الطامحين إلى التمثيل، فحاول أصحاب شركة “الصمت الرهيب” انتهاز الفرصة وإثبات موهبتهم أمام الصحفي الشاب، فدعوه لمشاهدة أفلامهم لكنه استقبلها بكل سخرية.
يرفض نوح الاستسلام، ويسعى إلى إثبات موهبته، فيقرر مراقبة نديم، ويدرك أنه لا يذهب سوى إلى مكانين؛ أولهما مقر مجلة أسبوعية محدودة الانتشار في وسط البلد اسمها “باب الحقيقة” والآخر حانة تقع في حارة جانبية بشارع بين فيصل والهرم تسمى “بار ليالينا” قرر أن تكون المسرح الذي سيقدم على خشبته عرضه الفردي.
يقدم نفسه لمجموعة المثقفين من رواد البار بشخصية منتج سينمائي وكشاف مواهب يدعى حسن مفتاح، ويعمل على محاكاتهم أملا في أن يفهم السر الذي جعله مجرد رجل أحمق محدود القدرات، وجعلهم أشخاصا ناجحين، لكن أمره ينكشف ويكون مصيره الطرد من “بار ليالينا”، وعندما يقاوم هذه النهاية يلجأ رواد البار إلى إبعاده بحيلة ماكرة تحوّله إلى “مزحة” وتنتهي به في السجن.
بعد 20 عاما يقرر نوح الرحيمي العودة إلى البار للانتقام لكنه يجد المكان في حال يرثى له، وقد انفضت عنه جماعة المثقفين، فيعمل على إعادتهم من جديد وتقديم عرضه التمثيلي الأخير.
زيف المثقفين
وفي مناقشة للرواية أقيمت مساء الثلاثاء الماضي بمبنى القنصلية الثقافي في وسط القاهرة، قال مؤلف الرواية أحمد الفخراني إن “زيف المثقفين هو مجرد مدخل، وهذه ليست المرة الأولى التي أطرح فيها هذه الفكرة، لكن ما يشغلني حقيقة هو الوجود الزائف والوجود الأصلي”.
وأضاف “الرواية ليست عن الحماقة، لكنها عن أزمة رجل أحمق اكتشف حماقته، لذلك ينشأ التوتر الدرامي أولا من اكتشافه زيف المعاني والأفكار التي كان يعتقدها، والتوتر الآخر عندما يذهب إلى أصحاب تلك الأفكار فيجدهم أشباه مثقفين يحاكون علامات الثقافة ويملؤون خواءهم من امتصاص أفكار الآخرين ليستمدّوا وجودهم من وجود الحمقى أمثاله”.
وتابع قائلا “في البداية كان نوح يبحث عن تحقيق ذاته وانتزاع الاعتراف بموهبته، لكن ما حدث من مجموعة البار حوّله إلى الانتقام والبحث عن اعتراف الآخر بوجوده الإنساني ومحاولة كسب الاحترام”.
من اللافت في الرواية رغم قصر صفحاتها أن الفصول تتخذ أسماء أفلام سينمائية، منها: “أضواء المدينة”، و”ذئاب لا تأكل اللحم”، و”عفوا أيها القانون”، و”شنبو في المصيدة”، و”حافية على جسر الذهب”. وبالتدقيق بين السطور يتضح أن ثمة خيوطا بين هذه الأفلام وما يريد مؤلف الرواية إسباغه على شخصيات العمل من صفات ودوافع وأفكار.
وقال الفخراني “لم يكن هناك مفر من الاستعانة بعالم السينما في الرواية، لأن نوح شخص عادي مرجعتيه مثل كثير من الأفلام التي نشاهدها ونتأثر بها ونتماهى معها”.
وأضاف “لكن هذا الرهان كان يحمل خطورة، فالقارئ إما أن يدرك هذا الربط بين الأفلام وأبطال العمل، فيراها رواية شديدة الإبداع والتشويق، أو لا يربط بين الاثنين فتصبح في نظره غير ذات معنى”.
وبينما تؤدي الأفلام وعناوينها دورا في تفسير مشاهد الرواية وتركيبها، تأتي أغنية “ليالينا” للمطربة الجزائرية وردة من فيلم “آه يا ليل يا زمن” بمنزلة الموسيقى التصويرية التي تصاحب العمل من بدايته إلى النهاية، وتمنحه عنوانه الآسر “بار ليالينا”.