مردوخ يتصفح صحيفة ذا صن التابعة له (وكالة الأنباء الأوروبية)

مردوخ يتصفح صحيفة ذا صن التابعة له (وكالة الأنباء الأوروبية)

مع أن الكثيرين يعرفون قطب الإعلام روبرت مردوخ من خلال مسلسل “الخلافة” المستوحى من حياته، فإن حقيقة الملياردير الأميركي الأسترالي التسعيني -الذي يملك من بين أشياء أخرى مجلة “صن” (Sun) و”وول ستريت جورنال” (Wall Street Journal) و”فوكس نيوز” (Fox News)- تفوق ذلك، كما تبدو من سيرته التي وصف من خلالها المؤرخ ديفيد كولون طريقة عمله، وحلّل نفوذه.

وتستعرض مجلة “لوبس” (L’Obs) الفرنسية -في مقابلة مع كاتب السيرة- بعض مراحل حياة هذا الرجل الذي استطاع أن يجمع في يديه “سلطة غير مسبوقة في تاريخ البشرية”، كما يقول أستاذ التاريخ بمعهد العلوم السياسية الفرنسي ديفيد كولون.

 

ويضع المؤرخ التلاعب والدعاية والمعلومات الخاطئة في صميم أبحاثه، موضحا -في المقابلة التي استعرضتها فيرونيك غروسار للمجلة- أن إمبراطورية مردوخ الإعلامية التي تضم 175 صحيفة وعشرات المحطات التلفزيونية وأستوديو هوليود ودار نشر، لا يزال لديها تأثير لا يعرف الحدود، رغم أنها تقلصت قليلا منذ أن باع أستوديو إنتاج فوكس لشركة “ديزني” (Disney).

وقد بدأ عمر قطب الإعلام المتقدم يثير تساؤلات عن مستقبل المجموعة -كما يقول المؤرخ- خاصة أن للرجل تأثيرا لا يملكه أحد سواه على قادة 3 من أعظم القوى في العالم، هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، بسبب إمبراطوريته المكونة من وسائط مختلفة، مع إدراكه “القوى الخاصة لوسائل الإعلام التي يمتلكها”.

 

أدرك سلطة الإعلام

يمارس مردوخ -الذي كان والده يدير واحدة من كبرى المجموعات الإعلامية في أستراليا- سلطة مطلقة في إمبراطوريته، ولم يكن مسؤولا أمام مساهميه، كما لم يكن يأخذ رأي مجلس إدارته، لأنه استبعد أفرادا معينين من عائلته، والدته أولا ثم أخواته، لممارسة هذه السلطة المطلقة.

كان مردوخ يراقب نظرة الناس لوالده، فأدرك في وقت مبكر مدى السلطة التي توفرها ملكية وسائل الإعلام، وعرف كيف يطور صورة صانع الملوك، مما جعله شخصا ضروريا، حتى إن أيا من المتنافسين على منصب رئيس الوزراء بالمملكة المتحدة منذ بداية التسعينيات، لم يكن يستطيع الاستغناء عنه، خاصة أنه أظهر قوته في الإزعاج من خلال تدمير صورة زعيم حزب العمل الأسبق نيل كينوك.

 

وقد برز تأثير مردوخ لاحقا في الولايات المتحدة، بعد أن عمم بعبقرية على المستوى الوطني ما فعله في نيويورك بمجلة “نيويورك بوست” (New York Post) التي استهدفت شريحة ضيقة نسبيا من الناخبين الديمقراطيين تاريخيا والقابلين للتحول إلى اليمين، فجاء بفوكس نيوز -كما يقول المؤرخ- التي استحوذت على شريحة انتخابية من الرجال البيض ممن كانوا تقليديا يصوتون للديمقراطيين.

وفي عام 2002، تجاوزت قناة فوكس نيوز “سي إن إن” (CNN) لتصبح أول قناة إخبارية تلفزيونية للجمهوريين الذين يرونها إيجابية للغاية بالنسبة لجورج بوش الابن، ليتمكن مردوخ المؤيد القوي للمحافظين الجدد أن يغلق هوائيه في وجه أي جمهوري لا يشاطر وجهة نظره، وليدفع الحزب الجمهوري نحو التدخل لصالح الحرب في أفغانستان والعراق، دون أن يترك مجالا للتعبير عن رأي مخالف.

وبمساعدة روجر آيلز، المستشار السابق لعدة رؤساء أميركيين، أخذ مردوخ الحزب الجمهوري رهينة من خلال تنظيم بث الانتخابات التمهيدية بأكملها، بل إن تأثيره وصل الحزب الديمقراطي من خلال تبنيه ديمقراطيين محافظين للغاية، إلى درجة أن قناته أصبحت تحتكر دور اختيار الموظفين السياسيين الذي كان تاريخيا للأحزاب، مما يسبب مشكلة رئيسية للديمقراطيات، كما يقول المؤلف.

Executive Chairman of News Corp and Chairman and CEO of 21st Century Fox Rupert Murdoch arrives on the red carpet during the second annual Breakthrough Prize Awards at the NASA Ames Research Center in Mountain View, California November 9, 2014. REUTERS/Stephen Lam (UNITED STATES - Tags: ENTERTAINMENT SCIENCE TECHNOLOGY)
مردوخ له تأثير حتى على الديمقراطيين الأميركييين رغم تأييده التقليدي للمحافظين من الجمهوريين (رويترز)

خلافة الإمبراطور

ولأن مردوخ سيبلغ 92 عاما في مارس/آذار 2023، ولديه 6 أطفال من 3 زوجات، تساءل كاتب السيرة: هل ستعيش بعده “مردوخية” وسائل الإعلام، خاصة أن هناك خلافات وسط العائلة؟

وقد كشفت ماجي هابرمان من صحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) عن تبادل الآراء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ومردوخ عام 2017، حين كان جيمس مردوخ الذي لا يريده ترامب هو الخليفة المنتظر لمردوخ، قبل أن يطمئنه ملك الإعلام بأن ابنه لاتشلان هو من سيتولى المسؤولية.

وإذا كان لاتشلان يشارك والده الكثير من الأشياء، بما في ذلك تذوق وسائل الإعلام والصحافة والقيل والقال، ويجد الدعم من قبله، فإن ابنه الآخر جيمس يشترك معه أيضا في قناعاته الليبرالية المعلنة، وقد نأى بنفسه بوضوح شديد عن الدعم الذي قدمه والده لترامب، مما يعني أن لقطب الإعلام الآن ابنا جمهوريا وآخر ديمقراطيا، حسب المؤرخ.

 

وقد أطلق على روبرت مردوخ أكثر من مرة لقب “سرطان الديمقراطية”، ولذلك نبّه المؤرخ إلى أنه من الضروري الوعي بخطر هذا التركيز من السلطة في يد رجل واحد على الديمقراطية، للحد من السلطة المتاحة لاستخدام مثل هذه الإمبراطورية لإفساد الديمقراطية من الداخل وتدميرها.

وروبرت مردوخ اليوم قادر على إملاء جدول الأعمال كما يريده، فعلى سبيل المثال، إذا اعتبر مردوخ أن الدين هو نتيجة الإنفاق الاجتماعي المفرط، فسوف ينشر كتابا بهذا المعنى وستُشيد وسائل الإعلام المختلفة داخل مجموعته بالكتاب، ثم القادة والسياسيون، ليطرح الأمر على المرشحين من قبل صحفيي المجموعة، ويصبح قضية سياسية كبرى.

كان مئات الصحفيين بعيدين عن مردوخ -كما يقول ديفيد كولون- لكن عندما اشترى وسائل الإعلام الخاصة بهم، واجهوا خيارا واضحا للغاية، وهو أن تفعل ما أتوقعه منك أو تغادر، خاصة أن الرجل يعرف الوظيفة من الداخل ويتدخل في العناوين والأيقونات، لأن ما يهمه قبل كل شيء هو فعالية العنوان بغض النظر عن مدى صحته.

كان مردوخ هو مؤلف المعلومات الخاطئة التي دعمت الملكة بموجبها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، وقد كان يتدخل أحيانا ضد المصلحة الاقتصادية لصحفه عندما تكون المصلحة السياسية التي يتوقعها أكبر.

Protesters Stage "Lie-In" Outside News Corp Australia Over Reporting In Murdoch Press
محتجون أستراليون أمام إحدى وسائل الإعلام التابعة لمردوخ للتنديد بنشر الأكاذيب (غيتي)

بصمة قوية

وعند السؤال هل يمكن لرجل واحد أن يمتلك القدرة على فرض آرائه على الأرض كلها؟ ضرب المؤرخ مثالا بقناة فوكس نيوز التي لا يراها مجرد قناة أميركية، لأن لها تأثيرا عالميا حتى على الروس، كما أنها تؤثر أيضًا على العديد من نشطاء اليمين المتطرف، وهي معيار لحركة “قانون” (QAnon) التآمرية في جميع أنحاء العالم.

وخلص الكاتب إلى أن نهاية مردوخ لن تكون نهاية لأسلوبه في تمويل وسائل الإعلام ولأنماط إنتاج المعلومات التي كان غالبا هو البادئ بها والتي ستبقى على قيد الحياة، وبالتالي لن تختفي “المعلومات والترفيه” معه، لأن بصمته قوية بشكل غير عادي، حتى إن جون مالون الذي تمكن من إلحاق هزيمة كبيرة به، أصبح اليوم يتبع مثاله، لدرجة أن “سي إن إن” التي يعد أكبر مساهم فيها لم تعد تقدمية بشكل علني كما كانت في السابق.

 

كان الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران قد عارض مردوخ في الثمانينيات لأنه فهم أنه أراد أن يأخذ القنوات الفرنسية لمحاربة النفوذ الاشتراكي وجعله رافعة تأثير مواتية للولايات المتحدة.

المصدر : لوبس

About Post Author