روسيا “المعزولة” تحيي ذكرى القيصر الذي فتح بلاده على أوروبا
أحيت روسيا -أمس الخميس- ذكرى القيصر بطرس الأول (الأكبر) الذي عمل على تقريب الإمبراطورية من أوروبا، في استعادة لماض خرج عن مساره بعد 3 عقود، وفي أوج قطيعة بين موسكو والغرب بسبب النزاع في أوكرانيا.
ولإحياء الذكرى الـ350 لميلاد بطرس الأول (1672- 1725)، الذي ولد بالكرملين وحكم أولا بلقب قيصر ثم لقب إمبراطور من 1682 حتى وفاته عام 1725، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معرضا في موسكو مكرسا للقيصر الروسي.
وأوضح الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن بوتين “يثمن كثيرا دور (بطرس الأكبر) في تاريخ بلادنا”.
رحلة القيصر إلى أوروبا
بعد رحلة إلى أوروبا أدرك خلالها مدى تأخر تطور روسيا، عمد بطرس الأول (بيتر العظيم) إلى تحديث الإمبراطورية وإصلاح الجيش والدولة والكنيسة، وإنشاء القوات البحرية، وإطلاق ثورة ثقافية شملت تعديلات في الإدارة والصناعة والمجتمع والهندسة المعمارية واللباس، وانتهاج سياسة ثقافية منفتحة على التراث الأوروبي وإرسال الطلبة الروس للجامعات الأوروبية، وتعد روسيا الحالية وريثة تلك الإصلاحات، حسب مؤرخين.
كما بنى قيصر روسيا الخامس مدينة سان بطرسبورغ، العاصمة الإمبراطورية لأكثر من قرنين، التي كان يعدها “نافذة مفتوحة على أوروبا”.
وقبل عهد بطرس الأكبر كانت دوقية “موسكوفي” على قدر من التخلف عن نظيراتها الأوروبية، بسبب العزلة التي كانت تعيش فيها البلاد الروسية بعد الحكم المغولي، والنظام الديني الصارم الذي يتبع الكنيسة الأرثوذكسية، وكانت توجهاتها التوسعية والاستعمارية موجهة نحو آسيا، وبين عامي 1682 و1721، بوصول عائلة رومانوف إلى حكم روسيا القيصرية، برز اسم القيصر بطرس الأكبر الذي توسعت في عهده الإمبراطورية.
تبقى شخصية بطرس الأكبر -الذي يوصف برجل المتناقضات- مرتبطة أيضا بصورة الفاتح الذي وسع حدود روسيا والملك القوي الذي لم يكن يواجه أي شكل من أشكال الاحتجاج.
يقول المؤرخ دانيال كوتسوبنسكي -لوكالة الصحافة الفرنسية- “قد يكون بطرس الأكبر شخصية رمزية لمؤيدي الليبرالية على النمط الأوروبي، و(شخصية رمزية) كذلك لمؤيدي الدولة القوية”.
ووجه بوتين تحية إلى “شخصية عسكرية استثنائية” وشخص “وطني أسهمت التحولات الواسعة النطاق التي قام بها في تعزيز هيبة روسيا الدولية، وحدد تطورها في القرون التالية”.
ومع ذلك، فالواقع أن الوضع الحالي غير مناسب كثيرا للاحتفال بالتوجه نحو أوروبا الذي قام به الإمبراطور في وقت تبدو فيه روسيا معزولة عن القارة العجوز وتخضع لعقوبات غربية بسبب حربها على أوكرانيا بداية من 24 فبراير/شباط الماضي.
إغلاق نافذة القيصر
في هذا السياق من التوتر الشديد بين موسكو وأوروبا، يتساءل العديد من الروس عما إذا كان بوتين ينوي “إغلاق النافذة” التي فتحها بطرس الأكبر قبل 3 قرون.
تضج شبكات التواصل الاجتماعي منذ أيام بصور متهكمة على هذا الموضوع تعكس التساؤلات لدى قسم من الشعب حيال مستقبل العلاقات مع الغرب.
تقول إحدى هذه الصور “فتح بطرس الأول النافذة على أوروبا، بوتين سيغلقها”، في حين نُشر رسم آخر يمثل الإمبراطور قائلا “أغلقوا نافذة أوروبا، المنظر رهيب”.
في هذه الأجواء، أكد الناطق باسم بوتين الأسبوع الماضي أن “لا أحد ينوي إغلاق أي شيء”.
ويرى المؤرخ بوريس كيبنيس أنه “مهما كانت الظروف التاريخية، إذا تخلينا عن المحور الذي رسمه بطرس الأول، فيمكن أن ندمر البلاد والشعب”، ويؤكد أن “روسيا بلد أوروبي”.
رغم التوتر الحالي بين موسكو والدول الأوروبية، فإن سفيتلانا ستيبانوفا (47 عاما)، وهي من سان بطرسبورغ، ترى أن فلاديمير بوتين وريث الإمبراطور فعليا.
وقالت إن “بطرس الأول جعل روسيا قوة عظمى، وبوتين أيضا يريد رؤية روسيا عظيمة”، وحسب رأيها إن “هذا هو الأمر الأساسي”.