موسكو- لم يجب بيان الوكالة اليهودية في موسكو عن كافة التساؤلات حول ملابسات عملية التفتيش التي قامت بها وزارة العمل الروسية في الوكالة، واقتصر على التأكيد بأن الوزارة لم تطلب منها وقف أنشطتها في روسيا.
وكانت صحيفة “جيروزاليم بوست” ذكرت أن الوكالة اليهودية تلقت رسالة من وزارة العدل الروسية تطالبها بوقف أنشطتها في روسيا.
وزعمت مواقع إخبارية إسرائيلية أن وزارة العدل قدمت عددا من المطالب للوكالة اليهودية (سخنوت) تجعل من الصعب عليها مواصلة أنشطتها، وتحدثت عن أن حل القضية يتطلب تدخلا على أعلى مستوى.
كما قال موقع “ليخايم” اليهودي الناطق بالروسية إن وزيرة الهجرة الإسرائيلية بنينا تامينو شيتي بعثت رسالة إلى رئيس الوزراء يائير لبيد طالبته فيها ببحث أنشطة “سخنوت” مع الحكومة الروسية، مضيفة “إنني أحثكم على التدخل بشكل عاجل من أجل مواصلة أنشطة الوكالة اليهودية في روسيا وعدم الإضرار بالعودة المستمرة إلى الوطن”.
من جانبه، نشر موقع “آر بي سي” (RBC) واسع الانتشار في روسيا تأكيدات حصل عليها من الوكالة تنفي تلقيها طلبات بالتوقف عن العمل.
والملاحظ في تصريحات ممثلي الوكالة أنها ركزت على عدم وجود طلبات بالإنهاء الفوري لنشاطها، لكنها تجنبت الإشارة إلى تفاصيل أخرى قد تكون متعلقة بالتفتيش أو بملاحظات الوزارة.
وتزامنت الضجة الإعلامية التي أحاطت بالوكالة اليهودية مع استقالة حاخام موسكو بينشاس غولدشميت من منصبه، وبينما ذكرت وكالة “ريا نوفوستي” أن ذلك جاء بعد انتهاء عقده ذكر موقع “آر بي سي” أن أقارب غولدشميت قالوا إنه تعرض لضغوط من السلطات الروسية لأنه رفض “العملية الخاصة”.
انتشار واسع
وتأسست الوكالة اليهودية في عام 1929، وأدرجت ضمن أهدافها الهجرة (العودة إلى إسرائيل)، ومساعدة اليهود الذين يعيشون في “الشتات “على البقاء يهودا، للحفاظ على علاقتهم بالدولة اليهودية وتعزيزها.
وبدأت “سخنوت” نشاطها في أراضي الاتحاد السوفياتي عام 1989، وذلك قبل عامين من الافتتاح الرسمي للسفارة الإسرائيلية في موسكو، وهي مسؤولة عن عدد من البرامج التعليمية، بما في ذلك تنظيم معسكرات الأطفال ومدارس الأحد، فضلا عن الإشراف على برامج “إعادة” الشباب إلى إسرائيل.
وعلى مستوى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق لديها مكاتب تمثيلية في روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا ومولدوفا وأوزبكستان وكازاخستان وأذربيجان وجورجيا.
وتقول عدة مصادر في الأوساط اليهودية في روسيا إن دور “سخنوت” في إعادة اليهود إلى إسرائيل من روسيا أصبح ضئيلا الآن، وإن العمل الرئيسي يمر عبر القنصلية الإسرائيلية في موسكو.
ويمكن للوكالة تقديم المشورة بشأن قضايا الهجرة، لكن المساعدة تنحصر أساسا في تنظيم رحلات جوية مجانية إلى إسرائيل “للعائدين”.
أبعاد سياسية
بدوره، يقول السفير الإسرائيلي السابق في روسيا تسفي ماغين إن الأمر لا يتعلق بـ”سخنوت”، وإنها مجرد حجة، مستخدما عبارة “لقد أصابوا (الروس) الهدف الأسهل”.
وفي مقابلة مع صحيفة كوميرسانت الروسية اعترف ماغين بوجود أزمة في العلاقات الثنائية، مشيرا إلى زيادة في الانتقادات من الجانب الروسي لأفعال إسرائيل، سواء تعلق الأمر بسوريا أو إيران، مضيفا أن سياسة روسيا تغيرت، وربما تغيرت مصالحها في الشرق الأوسط.
وتمر العلاقات الروسية الإسرائيلية بأوقات عصيبة، ولا سيما بعد أن وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد -وقت أن كان وزيرا للخارجية- الصور القادمة من أوكرانيا بأنها مروعة، واتهم روسيا بشن حرب على المدنيين، فيما بدؤوا في موسكو يشيرون أكثر من مرة إلى “السياسة الإجرامية لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية”.
كما دخل التوتر بين الجانبين منعطفا أكثر حدة بعد تصريح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف -تعليقا على كلام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه لا يمكن أن يكون نازيا لأنه يهودي- قال فيه إن هتلر كان له أيضا دم يهودي.
ورغم أن الحرب في أوكرانيا أعطت بعدا جديدا للأزمة بين البلدين فإن جذور الخلافات تمتد إلى الساحة السورية، إذ لا توافق موسكو على الضربات الإسرائيلية ضد سوريا.
سابقة وتصفية حساب
من جهته، يشير مدير مركز التحليلات السياسية دينيس كركودينف إلى أنها حالة فريدة من نوعها أن تعرب الجهات الروسية المختصة عن احتجاج رسمي على أنشطة “منظمات يهودية” في روسيا، في حين كانت تبدي في السابق موقفا محايدا تجاه جميع المنظمات اليهودية بغض النظر عن درجة تطرفها.
ويتابع أنه في سياق تطور العملية العسكرية في أوكرانيا -حيث اتخذت تل أبيب موقفا واضحا للغاية- انقسمت آراء الجالية اليهودية، وبدأت إسرائيل في مساعدة “نظام كييف” بشكل شبه علني بالأسلحة والإمدادات الطبية والعسكريين والمعلومات الاستخبارية.
وبرأيه، فإن القوة الدافعة الرئيسية في هذه العملية تمثلت بمنظمات يهودية عاملة على الأراضي الروسية، والتي أصبحت عيون وآذان كييف عبر جمع المعلومات التي تعتبر أسرار دولة بالنسبة لروسيا.
ويلفت إلى أنه مثلما تم حظر أنشطة “المؤتمر الأذربيجاني لعموم روسيا” في وقت سابق قررت موسكو استخدام نفس السيناريو مع المنظمة اليهودية.
لكنه يجزم بأن المشكلة الرئيسية تكمن في أن النخبة الاقتصادية الروسية بأكملها عمليا هي يهودية، أي أن مصالحها المالية لا تنفصل عن رفاهية إسرائيل، وكذلك الحال بالنسبة للرئيس الأوكراني زيلينسكي الذي أصبح -بحسب الخبير الروسي- رئيسا لهذه الدولة بفضل دعم تل أبيب وواشنطن.
وخلص كركودينف إلى أن توجيه ضربة لأي منظمة يهودية في روسيا -خاصة المركزية منها- يمكن أن يؤدي إلى أزمة سياسية حقيقية.
ويعتقد أن هامش ممارسة الضغط على إسرائيل من موسكو ضخم، لكن في هذه الحالة يمكن لروسيا أن تتصرف فقط من خلال أطراف ثالثة، وأن “غضب الكرملين” من إسرائيل قد يتجلى بشكل غير مباشر، على سبيل المثال من خلال أن يشن الجيش السوري هجوما مفاجئا على مرتفعات الجولان أو يسقط حزب الله “بطريق الخطأ” طائرة مقاتلة إسرائيلية أو يطلق صاروخين باليستيين باتجاه تل أبيب.
ويعيد كركودينف إلى الأذهان أنه عندما كانت روسيا ترغب في نقل إشارات عدم الرضا عن الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سوريا فإن موسكو كانت تتجاهل حركة الأسلحة المتطورة روسية الصنع من سوريا إلى مستودعات حزب الله في لبنان، وهذا ما يمكن أن يتكرر، كتعبير عن الاستياء من نشاط بعض المنظمات الموالية لإسرائيل في روسيا.