ستراتفور: هل تشعل الحرب في أوكرانيا ثورة في روسيا؟
نشر موقع ستراتفور (Stratfor) الأميركي تحليلا يستشرف تداعيات الحرب بأوكرانيا على الشعب الروسي على المدى البعيد، وموقفه منها وما يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للبلاد.
وتساءل ريان بول محلل شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بموقع ستراتفور في مقاله الذي نشر بعنوان “هل تشعل الحرب في أوكرانيا ثورة ثانية في روسيا؟” عن مدى تأييد الشارع الروسي للحرب التي يخوضها بوتين في أوكرانيا.
وأشار بهذا الصدد إلى أن استطلاعا أجراه مركز أبحاث الرأي العام الروسي (VTsIOM) في 5 مارس/آذار كشف عن أن 71% من الشعب الروسي يؤيدون الحرب.
كما كشف آخر استطلاع للرأي قام به نفس المركز ونشر في 8 أبريل/نيسان الجاري، إلى أن الدعم المحلي لبوتين قد تعزز منذ بداية “غزو” القوات الروسية لأوكرانيا حيث عبر 81.6% من الروس عن ثقتهم برئيسهم وهي نسبة كبيرة مقارنة بـ67.2% الذين عبّروا عن ثقتهم فيه قبل بدأ “الغزو” في 24 فبراير/شباط الماضي.
مسألة وقت!
ويرى الكاتب أن هذه الأرقام ربما تكون مبالغا فيها، لكنها تشير إلى تماسك الجبهة الداخلية في روسيا خاصة في غياب أي حراك معادٍ للحرب في الشارع الروسي حتى الآن. لكن من غير المعروف إلى متى سيستمر هذا الوضع، خاصة إذا طال أمد الحرب وما نتج عنها من عقوبات اقتصادية خانقة.
ويقول بول إن التاريخ الروسي أثبت أن ممارسة القمع في الداخل وخوض الحروب في الخارج لم يفلحا من قبل في ضمان استمرار الأنظمة السياسية في روسيا القيصرية أو الاتحاد السوفياتي على المدى الطويل، وإن كانت تلك السياسات، رغم أوجه قصورها وما تنطوي عليه من استبداد وفساد، منحت القادة الروس القدرة على تحمل العديد من الانتكاسات الكبرى قبل أن تطيح بهم الاختلالات الكامنة في أنظمتهم السياسية.
ويرجح المقال أن أي ثغرة في تماسك الجبهة الداخلية من شأنها أن تقود إلى تمرد سياسي كبير، ولن تحدث تلك الثغرة إلا بعد سلسلة من الإخفاقات من قبل الرئيس فلاديمير بوتين وغيره من القادة الروس الآخرين، وقد تتطلب سنوات من التضحية من قبل الشعب الروسي، الذي سيشعر بثقل أعباء الحرب كلما طال أمدها وسال المزيد من دماء أبنائه وتكبد المزيد من الخسائر الاقتصادية.
عوامل الثورة
ويؤكد الكاتب أهمية الدعم الشعبي في تحقيق النصر في الحروب طويلة الأمد. ويرى أن انسحاب القوات الروسية من كييف يشير إلى أن موسكو تتجه نحو تحمل تبعات حملة عسكرية أطول مما كانت تخطط له، وما يترتب على تلك الحملة من عقوبات اقتصادية موجعة.
ويتوقع بعض المراقبين -والكلام للكاتب- أن ذلك سيقود لتراجع الدعم الشعبي الذي يحظى به بوتين، مما يمهد الطريق للإطاحة به في نهاية المطاف.
لكنهم يشترطون وجود 3 عوامل لتحقق هذا السيناريو، هي:
- أن يقرر الشعب الروسي أن رفاهيته المادية أهم من الأيديولوجيا القومية التي يدفع بوتين الآن نحو ترسيخها.
- أن يكون الشعب الروسي حساسا بشأن سقوط الضحايا -كما هو الحال الآن في الدول الغربية- ويكون رد فعلهم بشأن الحرب أسوأ مع زيادة عدد القتلى.
- أن يعثر الشعب الروسي على سبل للقيام بانتفاضة كبرى ضد بوتين، ربما بالتواطؤ مع النخب.
ويقول بول إنه بالرغم من كون هذه الافتراضات محل شك في ظل الظروف الحالية بروسيا، فإنها لا تخلو من بعض الوجاهة إذا أخذنا تاريخ روسيا في الحسبان.
ويسوق الكاتب أمثلة من التاريخ على ما سبق فيقول إن آخر قياصرة روسيا -نيقولا الثاني- أدار الحرب العالمية الأولى بطريقة كارثية لدرجة أنه لم يخسر أمام الألمان فحسب، بل انقلب عليه جيشه ومواطنوه. كما فشل انقلاب مرتجل قام به ستالينيون في عام 1991 عندما رفض الجيش فتح النار على حشود المواطنين المتحدية، وكان ذلك بمثابة المسمار الأخير في نعش الاتحاد السوفياتي.
والخلاصة -وفق الكاتب- هي أن هناك سجلا من الوقائع التاريخية التي انقلب فيها الشعب الروسي على قادته الضعفاء الذين لا يكترثون كثيرا لدماء شعبهم واقتصاده. وقد استطاع الجيش الأوكراني الآن توجيه ضربة قاسية لفكرة التفوق العسكري الروسي، للحد الذي أجبر الكرملين على الاعتراف بأن جيشه تكبد خسائر “مؤلمة” خلال الحرب.