البنك المركزي المصري أعلن زيادة أسعار الفائدة الرئيسية 200 نقطة أساس خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية (شترستوك)

البنك المركزي المصري أعلن زيادة أسعار الفائدة الرئيسية 200 نقطة أساس خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية (شترستوك)

تمهيدا لإصدار “مؤشر الجنيه” الجديد، أعلن البنك المركزي المصري أنه سيعتمد نظام سعر مرن لصرف قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، استنادا لآلية العرض والطلب في السوق.

وفي اجتماع استثنائي عقد اليوم الخميس، أعلن المركزي المصري في قرار مفاجئ زيادة أسعار الفائدة الرئيسية 200 نقطة أساس خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية، تزامن ذلك مع إعلان البلاد التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي.

 

وتخطى سعر الدولار حاجز 23 أمام الجنيه المصري- لأول مرة على الإطلاق- كما ارتفعت أسعار العقود الآجلة للعملة المصرية غير القابلة للتسليم لأجل 3 أشهر فوق 25 جنيها.

وبرر المركزي المصري القرار بأن “الاقتصاد العالمي واجه العديد من الصدمات والتحديات التي لم يشهد مثلها منذ سنوات”، مشيرا إلى “تداعيات جائحة كورونا، والحرب الروسية – الأوكرانية، ما تسبب في الضغط على الاقتصاد المصري، حيث واجه تخارجا لرؤوس أموال المستثمرين الأجانب، فضلا عن ارتفاع في أسعار السلع”.

ماذا تعني “سياسة الصرف المرن”؟

يأتي حديث البنك المركزي عن تبنيه “سياسة صرف مرن” ضمن الإجراءات الإصلاحية التي يقول إنها ضرورية، لضمان استقرار الاقتصاد الكلي وتحقيق نمو اقتصادي ومستدام.

وبحسب المركزي، فإن نظام سعر الصرف المرن، سيعكس قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرى بواسطة العرض والطلب، مع إعطاء الأولوية للهدف الأساسي للبنك المركزي والمتمثل في تحقيق استقرار الأسعار.

 

ويسعى المركزي المصري للمرة الأولى، إلى إطلاق مؤشر خاص بالعملة المحلية لتقييم أداء الجنيه أمام سلة من العملات الأجنبية والذهب بعد أن خسر أكثر 45% من قيمته أمام الدولار الأميركي منذ مارس/آذار الماضي.

وأثيرت تساؤلات عديدة بشأن جدوى إصدار مؤشر للجنيه المصري وتفادي مسار الدولار الأميركي الذي ارتفع بشكل قياسي أمام العملات الأجنبية الأخرى بعد تبنى الفدرالي الأميركي لسياسة نقدية متشددة لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم.

يأتي هذا التوجه، الذي كشف عنه محافظ البنك المركزي حسن عبد الله، خلال المؤتمر الاقتصادي في 2022 -والذي عقد بالقاهرة من الأحد إلى الثلاثاء الماضي- مع اتجاه الحكومة المصرية إلى اعتماد مرونة كبرى في سعر صرف الجنيه استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن حزمة تمويل مالية جديدة.

خلال كلمته ضمن فعاليات المؤتمر الاقتصادي الأحد، قال المحافظ “إن أميركا ليست الشريك التجاري الأساسي لمصر حتى يرتبط الجنيه المصري بالدولار، ولهذا تحركنا نحو عمل مؤشر للجنيه المصري”، مضيفا “نحن لسنا دولة مصدرة للبترول، لذلك يجب تغيير ثقافة ارتباط العملة المحلية بالدولار”.

ورغم تراجع الجنيه أمام الدولار بمستوى قياسي، فإن عبد الله تحدث عن ارتفاع الجنيه المصري أمام عملات أخرى مثل اليورو والجنيه الإسترليني.

 

فكرة المؤشر جاءت بناء على تصور أن الدولار لا يعكس قيمة الجنيه المصري الحقيقية مقارنة بعملات أخرى.

بدورها، فنّدت مجلة “فوربس” الشرق الأوسط أداء الجنيه مقابل العملات الرئيسية، وبينت أنه تراجع أمام 5 عملات رئيسية هي الدولار الأميركي والفرنك السويسري واليوان الصيني واليورو والجنيه الإسترليني منذ نهاية عام 2021، وحتى 24 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، باستثناء الين الياباني الذي ارتفع أمامه بنسبة 3.5%.

فكرة رائجة بانتظار آلية واضحة

اعتزام إطلاق المؤشر وإن كان لاقى رواجا كبيرا بين المسؤولين الحكوميين، فإن محافظ المركزي لم يخض في مزيد من التفاصيل حول آلية عمل المؤشر والتي حازت على اهتمام الكثير من المحللين وخبراء الاقتصاد.

وإلى جانب العمل على إصدار مؤشر الجنيه المصري، يعمل البنك المركزي المصري على عقود تحوط ضد المخاطر التي يتعرض لها الجنيه بعد أن هبط إلى مستوى قياسي، وأوضح محافظ المركزي أنه جرى الانتهاء من العقود المستقبلية.

وخلال حديثه في وقت سابق بالمؤتمر ذاته، استهدف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي هذا التصور، قائلاً: “لدينا انطباع، كمصريين، أن سعر العملة مرتبط بقوة الاقتصاد”.

 

وأكد رئيس الوزراء أن الأولوية كبح جماح التضخم وسعر السلع وليس سعر صرف الجنيه، على حد قوله.

ودافع مدبولي عن انخفاض الجنيه، واقترح أن العملة الأضعف قد تكون أكثر فائدة أحيانا. وقال إن “الدول تخطط في بعض الأحيان” لمثل هذه الخطوة لتعزيز الاقتصاد والصادرات وجذب الاستثمارات.

هل يتحرر الجنيه من سطوة الدولار؟

يهدف المؤشر الجديد بعد اعتماد سعر صرف مرن إلى خفض تأثر سعر صرف الجنيه المصري بتطورات الدولار الأميركي، واستمرار تراجع العملة المحلية إلى مستويات قياسية بعد تخطي حاجز 23 جنيها للدولار.

وكانت التوقعات تشير إلى حدوث تخفيض أكبر للجنيه المصري ما بين 10% و14% خلال الفترة المقبلة إن لم يكن إعادة تحرير سعر الصرف في خطوة مشابهة لما حدث في نهاية عام 2016.

وتعتقد الحكومة المصرية، حسبما جاء على لسان مدبولي، أن تطوير مؤشر قياس قيمة الجنيه المصري سوف يعكس قيمته الحقيقية.

 

مؤشر لتقييم الجنيه بشكل عادل

قالت الخبيرة المصرفية سهر الدماطي نائبة رئيس بنك مصر سابقا، “في ضوء حديث محافظ المركزي فإنه لا يوجد داع لربط الجنيه المصري بالدولار مثل الدول المصدرة للنفط، وينبغي ربطه بسلة من العملات الأجنبية والذهب؛ وبالتالي الناس لا ترى سوى الدولار وهذا لا يمثل القيمة الحقيقية للجنيه، وحتى يكون هناك توازن في تقييم العملة يجب النظر إلى العملة مقارنة بالعملات الأجنبية الأخرى وليس الدولار فقط”.

وبشأن جدوى إصدار المؤشر، أوضحت لـ”الجزيرة نت”، حتى الآن لم يصدر المنشور الخاص بالمؤشر من قبل البنك المركزي من أجل معرفة كيفية أداء المؤشر واستخدامه، معتبرة أنه لا علاقة له بالتحرر من هيمنة الدولار.

ورأت سهر الدماطي أن المؤشر يهدف إلى تحديد قيمة عادلة للجنيه المصري أمام سلة من العملات الأجنبية وليس الدولار فقط؛ لأن كل التقييمات الخاصة بالجنيه طوال عقود تعتمد الدولار كعملة رئيسية ووحيدة لتقييم الجنيه، ونفت أن يكون الهدف منه أنه مجرد خطوة نفسية.

 

 

هروب إلى الأمام؟

في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار، أن إطلاق مثل هذا المؤشر لا جدوى من ورائه سوى الهروب إلى الأمام، وقال: “للأسف كلام حسن عبد الله (محافظ البنك المركزي) غير مسؤول ولا يصدر أبدا عن محافظ بنك مركزي في أي مكان في العالم”، على حد تعبيره.

وتابع، في تصريحات لـ”الجزيرة نت”، بأن شرط إيجاد هذا المؤشر أن تكون لدى البلد قاعدة تصديرية قوية، وسيولة في العملات الأجنبية، وسوق مالية متطورة، وثقة دولية، واحتياطي عملات أجنبية قوي، واستقرار في السياسات النقدية والتشريعات.

 

واستدرك نوار بأن هذه الشروط “كلها لا تتوفر للجنيه المصري، وما قاله محافظ المركزي سيُعقد مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي، وسيخلق حالة من الفزع في سوق الصرف وفي التجارة الخارجية وسيؤدي لانخفاض قيمة الجنيه وارتفاع الأسعار”.

توقعات بتحرير سعر صرف الجنيه

فيما يرى الخبير الاقتصادي هاني جنينة، في تصريحات متلفزة، أن المؤشر الجديد ضروري، ولكنه لن يحل أزمة، إلا أنه سوف يعطي رسالة عن القيمة العادلة للجنيه، معربا عن توقعه بتحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، حيث سيتم تحديد سعر صرف العملات مقابل الجنيه طبقًا للعرض والطلب والوفرة.

وبانتظار الموافقة النهائية لاتفاق صندوق النقد الدولي بادرت القاهرة بالسماح بمرونة أكبر في سعر صرف الجنيه ومن ثم ستقوم بإصدار المؤشر الجديد، حيث تعد مصر ثاني أكبر دولة في العالم بعد الأرجنتين مدينة للصندوق بـ17.7 مليار دولار وتستحوذ على 12.5% من إجمالي الديون العالمية لصندوق النقد البالغة 142 مليار دولار.

وعلى مدار عامي 2020 و2021، أعاد البنك المركزي المصري تحت رئاسة محافظه السابق طارق عامر سياسة تثبيت سعر صرف الجنيه، ورفع قيمته 15% أمام الدولار؛ ليصبح في حدود 15.7 جنيها بدل نحو 18 جنيها.

المصدر : الجزيرة

About Post Author