مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا تضاعفت الضغوط على الجنيه المصري (شترستوك)

مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا تضاعفت الضغوط على الجنيه المصري (شترستوك)

القاهرة- قطع الجنيه المصري رحلة هبوط دراماتيكية خلال عام 2022 خسر فيها نحو 60% من قيمته، وتعد هذه الرحلة الأقسى منذ سنوات، وصاحبها ظهور السوق الموازي بفارق كبير، مما قاد الجنيه إلى أقل مستوى تاريخي له، وتسبب في هزة كبيرة في الأسواق وقفزة مرتفعة في الأسعار؛ بسبب تزايد الطلب على الدولار من جهة وشح المعروض من جهة أخرى.

وفي أعقاب تعويم نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وصل الدولار إلى نحو 20 جنيها قبل أن يستعيد البنك المركزي المصري زمام السيطرة ويدعم الجنيه؛ ووصل به إلى حدود 16 جنيها لكل دولار مطلع عام 2020، لكن منذ ذلك الوقت زادت الضغوط على العملة المحلية بسبب تفشي جائحة كورونا.

 

بداية متماسكة للجنيه

كانت بداية عام 2022 نهاية تماسك الجنيه عند مستوى 15.75 جنيها للدولار، وزاد حديث المؤسسات والبنوك المالية المحلية والعالمية عن قيمة الجنيه الحقيقية، وأنه مقوم بأعلى من قيمته، ومن بين هذه المؤسسات بنك الاستثمار الدولي “رينيسانس كابيتال”.

ومع بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، تضاعفت الضغوط على الجنيه المصري؛ بسبب هروب الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة، وتوقع بنك الاستثمار “جي بي مورغان” حدوث خفض كبير لقيمة الجنيه المصري، وطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي؛ الأمر الذي حدث لاحقا.

وقال محللون لدى “جي بي مورغان” الثلاثاء الماضي إنه من المرجح أن تكون هناك حاجة إلى خفض كبير لقيمة الجنيه المصري، وإن الدولة قد تحتاج مزيدًا من المساعدة من صندوق النقد الدولي إذا تزايدت الضغوط.

تصحيح وهبوط

وفي محاولة من أجل “تصحيح” وضع الجنيه، كما وصفها محافظ البنك المركزي المصري في اجتماع استثنائي عُقد في مارس/آذار 2022؛ خفضت قيمة الجنيه 15% ورفع العائد على الفائدة 100 نقطة أساس وهبط الجنيه إلى 18 جنيها.

لم تكن خطوة “التصحيح” كافية مع إصرار صندوق النقد الدولي على التوقف عن دعم الجنيه، وقام المركزي المصري في أكتوبر/تشرين الأول 2022 باعتماد سعر صرف مرن للجنيه، ورفع أسعار الفائدة 200 نقطة أساس، وهبط الجنيه 15% إلى 22 جنيها للدولار، ومع إعلان الصندوق موافقته على قرض جديد بقيمة 3 مليارات دولار لمدة 46 شهرا، كان الجنيه قد هوى إلى 24.70 جنيها لكل دولار، وفي السوق الموازي تراجع إلى ما دون 35 جنيها.

 

ويختتم الجنيه المصري رحلة الهبوط العنيفة بانضمامه إلى قائمة “هانكي” لأسوأ 10 عملات أداء في 2022، بعد أن انخفض إلى مستويات قياسية أمام العملات الأجنبية؛ نتيجة تدهور وضع السيولة الخارجية وتراكم الالتزامات الخارجية وتراجع الاحتياطي النقدي.

ولم يقف البنك المركزي المصري صامتا أمام تغول السوق السوداء على الجنيه واحتدام المضاربة على الدولار، وأصدر منتصف الشهر الأخير من 2022 قرارات استثنائية بدعوى سد الثقوب السوداء التي يتسرب منها الدولار، ومن بينها قصر فترة ورود حصيلة العمليات التصديرية الخاصة بالذهب إلى 7 أيام عمل من تاريخ الشحن، بدلا من 6 شهور، وتعديل حدود السحب على البطاقات المصرفية للاستخدام بالخارج.

وبرر البنك المركزي المصري هذه الإجراءات بدعوى مواجهة المضاربات على الدولار من ناحية، واستغلال البطاقات المصرفية بالخارج في عمليات شراء وبيع، وعمد إلى رفع الفائدة 3% دفعة واحدة للمرة الرابعة لتصبح 16.25% على الإيداع و17.25% على الإقراض؛ مما أدى إلى وقف انهيار الجنيه في السوق الموازي.

لا استقرار مجددا

ورغم الهبوط إلى 24.80 جنيها لكل دولار رسميا، فإن صندوق النقد الدولي يرى أن هذا السعر أعلى من قيمته، وقالت رئيسة بعثة الصندوق إلى مصر فلادكوفا هولار -في مقابلة مع رويترز- إن الصندوق يترقب تحول مصر إلى سعر صرف مرن بشكل دائم بعد إلغاء شرط تمويل الواردات بخطابات اعتماد نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ويتوقع صندوق النقد الدولي رؤية تحركات يومية لسعر الصرف في مصر بنهاية الشهر الحالي، بعد إلغاء الاستيراد من خلال الاعتمادات المستندية، حسب رويترز.

 

واستجابة لشروط الصندوق، قرر البنك المركزي قبل يومين من نهاية عام 2022 إلغاء العمل بالكتاب الدوري الصادر في 13 فبراير/شباط 2022 الخاص بوقف التعامل بمستندات التحصيل والسماح بقبولها لتنفيذ كل العمليات الاستيرادية.

وتشير تلك الخطوة -حسب توقعات صندوق النقد الدولي- إلى رؤية تحركات يومية لسعر الصرف في مصر مطلع العام الجديد بعد إلغاء الاستيراد من خلال الاعتمادات المستندية، والتحول إلى سعر صرف مرن.

وأحدثت أزمة نقص الدولار هزة عنيفة للاقتصاد المصري؛ مما جعل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يصفها في تصريحات له بأنها “كاشفة” بالنسبة لمصر، وقال إن فاتورة الدولار تزيد عاما بعد آخر.

الضغوط على الجنيه مستمرة

تنفيذ مطالب صندوق النقد الدولي الواحد تلو الآخر يجعل المصريين أمام انتظار تقلبات كثيرة لعملتهم المحلية مطلع العام الجديد بناء على العرض والطلب، خاصة مع العودة إلى العمل بمستندات التحصيل وتيسير عمليات الاستيراد؛ مما يجعل الضغط على الجنيه المصري أكثر حدة، ويؤدي إلى هبوط مستمر ومتقلب.

ورفْعُ الضغط عن الجنيه المصري من أجل استعادة توازنه وبعض قيمته المنهارة مرهون -حسب خبراء ومحللين اقتصاديين- بقدرة مصر مجددا على الولوج إلى أسواق السندات الدولية وجذب استثمارات أجنبية ضخمة، وهي حلول مؤقتة ولكنها سريعة.

وللوصول إلى حلول كاملة وناجعة ومستدامة تساعد على استقرار سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية -ولو نسبيا- على الحكومة المصرية الالتزام -حسب برنامج صندوق النقد- بعدة نقاط، أبرزها:

 
  • القيام بإصلاحات هيكلية واسعة النطاق للحد من تأثير الدولة وتعزيز الحوكمة والشفافية.
  • خفض معدلات التضخم تدريجيا وإلغاء دعم برامج الإقراض.
  • الضبط المالي وإدارة الدين لضمان تراجع نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي.

وحتى تتحقق هذه النقاط، تتوقع وحدة أبحاث صحيفة “الإيكونوميست” أن يستمر سعر الجنيه في التراجع أمام الدولار خلال السنوات الأربع المقبلة؛ أي حتى عام 2026؛ مما يجعل توقع سعر ثابت أو نهائي للجنيه المصري أمرا صعبا.

وتتواصل التساؤلات في الأوساط الاقتصادية والشارع المصري عن مستقبل الجنيه أمام العملات الأجنبية ووضع الفائدة مع استمرار زيادة معدلات التضخم وارتفاع الأسعار.

وأكثر السيناريوهات تشاؤما بشأن مستقبل الجنيه المصري مطلع عام 2022 لم تكن تتوقع أن يمر الجنيه بهذه الرحلة الدراماتيكية التي تجاوزت جميع توقعات بنوك وشركات الاستثمار المحلية والدولية والمحللين الماليين وخبراء الاقتصاد، وانتهت به إلى حدود 38 جنيها في السوق السوداء ونحو 25 جنيها في البنك المركزي.

المصدر : الجزيرة

About Post Author