سيارات المصريين بالخارج.. ماذا تخبرنا المبادرة عن أوضاع الاقتصاد المصري؟
القاهرة- منذ طرحها نهاية عام 2022، شهدت مبادرة “تيسير استيراد سيارات المصريين بالخارج” عدة تعديلات وتمديدات، في محاولة من الحكومة المصرية للاستفادة القصوى من تحويلات المغتربين بالخارج.
ورغم التفاؤل الذي أعلنته حكومة مصر بشأن النتائج المرتقبة، فإن التقديرات المتباينة حول الحصيلة المستهدفة أثارت تساؤلات حول مدى تحقيق المبادرة لأهدافها المعلنة.
فما الحصيلة النهائية لمبادرة سيارات المصريين بالخارج؟ وهل وفّقت في تحقيق المرجو منها؟ وما أهمية هذه المبادرة بالنسبة للاقتصاد المصري؟ وهل تمثل أرقامها مؤشرا فعّالا على نجاحها، من حيث عدد المستفيدين وحجم الأموال التي تم ضخها في الاقتصاد المصري؟
انتهت مبادرة تيسير استيراد سيارات المصريين بالخارج في 29 أبريل/نيسان الماضي، بعد تمديدها في يناير/كانون الثاني لـ3 أشهر، وأكدت الحكومة اعتزامها عدم تجديدها.
ما أهمية التحويلات للاقتصاد المصري؟
يصل عدد المصريين العاملين بالخارج نحو 14 مليون مصري معظمهم في دول الخليج العربي، بحسب وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين في الخارج السفيرة سها جندي، أي نحو 12.7% من عدد السكان البالغ حوالي 110 ملايين نسمة.
وتعد مصر ضمن أكبر 6 دول في العالم من حيث تحويلات العاملين بالخارج، وتشكل أحد أهم وأكبر مصادر النقد الأجنبي للبلاد بعد الصادرات، لكنها تراجعت بأكثر من الثلث في 2022-2023 لأسباب تتعلق باضطراب سعر الصرف.
وهوت تحويلات المصريين بالخارج من مستوى 31.9 مليار دولار في العام المالي 2021- 2022 إلى 22.1 مليار دولار في عام 2022- 2023 بنسبة تراجع 30.8% على أساس سنوي، وفق البنك المركزي المصري، مسجلة أقل مستوياتها منذ عام 2016-2017.
المبادرة في أرقام.. بين المأمول والواقع
تتلخص المبادرة في السماح للمغترب باستيراد سيارة خاصة معفاة مـن الضرائب والرسوم، باستثناء الضريبة الجمركية تخفض نسبة سدادها لتكون القيمة مستحقة السداد 30% (تتراوح بين 5 آلاف و13 ألف دولار) ويتم استردادها بعد 5 سنوات بالمقابل المحلي للعملة الأجنبية المسدد بها، بسعر الصرف الرسمي وقت الاسترداد، وجاءت نتائج كالتالي:
- إجمالي المبالغ المحولة 767 مليون دولار، مدة الموافقة الاستيرادية صالحة لمدة 5 سنوات.
- إجمالي قيمة أوامر الدفع الصادرة للمستفيدين من المبادرة، بلغت حوالي 1.8 مليار دولار.
- الإفراج عن نحو 29 ألف سيارة، وسدد حوالي 265 ألفا من الرسوم.
- 602 ألف سيارة صدر لأصحابها أوامر الدفع.
تفاوتت تقديرات المسؤولين المصريين بشأن نتائج المبادرة بشكل كبير منذ الإعلان عنها وتمديدها وانتهاء موعدها، بدأت التقديرات بنحو 10 مليارات دولار، ثم تراجعت إلى 5 مليارات دولار ثم إلى 2.5 مليار دولار إلا أن الرقم الفعلي بلغ نحو 800 مليون دولار مع استمرار عمليات الدفع.
ومع ذلك، تثير تلك المبادرات تساؤلات حول نجاعتها وجدواها الفعلي وقدرتها على تحقيق الأهداف المرجوة في توفير السيولة من النقد الأجنبي.
تبلغ الفجوة التمويلية لمصر 28.5 مليار دولار بعد احتساب التدفقات الواردة من صفقة رأس الحكمة وتعزيز الاحتياطي النقدي، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي.
ماذا تخبرنا المبادرات عن الأوضاع الاقتصادية؟
مع استمرار تحديات الوضع الاقتصادي في البلاد وتصاعد الضغوط على النقد الأجنبي بسبب خدمة الدَّين، لا تكف الحكومة المصرية عن طرح مبادرات جديدة للمصريين بالخارج في محاولة لجمع أكبر قدر من العملة الصعبة وتعزيز سيولة النقد الأجنبي في البلاد.
وتعكس هذه المبادرات أيضا مدى صعوبة الوضع الاقتصادي الذي تواجهه مصر، حيث تضطر الحكومة إلى اللجوء إلى إجراءات غير تقليدية لتوفير النقد الأجنبي وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.
ويكشف هذا التوجه الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات جذرية وفعّالة لتعزيز النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لضمان استدامة الاقتصاد على المدى الطويل وتحقيق التنمية المستدامة.
مبادرات غير تقليدية ونتائج عادية
فنّد الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان المصري سابقا محمد فؤاد، مثل هذا النوع من المبادرات، وقال: إن “هناك حاجة ماسة إلى إعادة التفكير في كيفية تشكيل العلاقة بين الدولة والمصريين في الخارج وكيفية النظر إلى أموالهم ومدخراتهم، فهم ليسوا ملكية عامة ولا يجب أن يمثلوا الحل السهل السائغ دائما للتعاطي معه بمقترحات تعظم الفائدة لطرف دون الآخر”.
ورأى في تصريحات، للجزيرة نت، أن هذه المبادرة تحديدا تم تقدير المستهدف منها بمبالغة شديدة حيث كان المُقدر لها استهداف 10 مليارات دولار، وهو ما لم يحدث حتى بعد تعديلها ومدها أكثر من مرة، مشيرا إلى ضرورة تحقيق المصالح المشتركة بين الدولة والمغتربين في مثل تلك المبادرات.
لكن فؤاد قلل من أثر مثل تلك المبادرات في دفع عجلة الاقتصاد المصري، وأشار إلى أنها تخبرنا أننا نرتجل كثيرا ونخطط قليلا، ونرى دائما الحلول السهلة ومنها (مدخرات) المصريين في الخارج. مع تزايد الضغوط والتحديات، يتطلب الوضع التصدي للمشكلات بشكل شامل وتطبيق سياسات اقتصادية مستدامة وفعالة لتحقيق التنمية والازدهار المستدامين في مصر.
كيف أثرت على سوق السيارات المحلي؟
على مستوى مستوردي السيارات في مصر والسوق المحلي، يقول عضو مجلس إدارة شعبة السيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية منتصر زيتون، إنها “أثرت بشكل سلبي على حصة المستوردين والوكلاء المحليين، وفاقمت من حدة تراجع المبيعات مع احتدام أزمة النقد الأجنبي في مصر”، مشيرا إلى أن “هذه المبادرة استفادة متبادلة بين الطرفين دعت لها الضرورة في ظروف ملحة لفترة معينة”.
وأوضح، في حديثه للجزيرة نت، أن حجم المبيعات العام الماضي تراجع بنسبة 50% إلى نحو 90 ألف سيارة بسبب الأزمة الاقتصادية، ما يعني أن المبادرة التهمت أكثر من 30% من حصة السوق المحلي.
وأعرب زيتون عن توقعه بعدم مد مبادرة استيراد السيارات للمصريين بالخارج لعدة أسباب أنه تم مدها بما يكفي، أن العائد منها لا يشكل حلا مستداما لأزمة النقد الأجنبي، والدولة تخسر إيرادات بالعملة المحلية.
ولفت إلى أن المبادرة ليست مغرية بما فيه الكفاية بسبب ربط وديعة دون فوائد لمدة 5 سنوات بعدة آلاف الدولارات وكثير من المشاركين فيها كان بغرض التجارة وليس التملك، واستقرار سعر الدولار في مصر.
ويشير البعض إلى أن هذه المبادرات قد تكون مجرد حلول مؤقتة وغير مستدامة لمشكلة أوسع نطاقا، مما يطرح تساؤلات حول الحاجة إلى إستراتيجية أكثر شمولًا للتعامل مع التحديات الاقتصادية.