يعدّ المفكر الإسلامي والأديب والكاتب المصري سيد قطب من الشخصيات التي أثارت إعجاب وتقدير البعض، في حين شيطنها آخرون وحذروا من خطورة فكرها. ورغم الجدل المثار حول فكره، فقد شهد له البعض وعلى رأسهم الأديب نجيب محفوظ بمكانته الأدبية والنقدية.
وحول شخصية قطب، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة معتز بالله عبد الفتاح أن هناك كثيرًا من المساحات الغامضة في حياته، فقد ألحد ثم تدّين، أيّد الليبرالية والاشتراكية، وأيد الثورة وطالب بأن تكون أكثر دكتاتورية ثم هاجمها لأنها كانت دكتاتورية، وقف ضد جماعة الإخوان المسلمين في مرحلة ثم انقلب في مواقفه وقرر الانخراط في الجماعة رغم أنه خرج عن كثير من مبادئها.
ووفق عبد الفتاح، فقد كان قطب شديد الرفض لفكر جماعة الإخوان وكان يرغب أن تقوم بما يشبه الثورة لتصل إلى السلطة بطريقة سريعة وعنيفة، وتفرض على المجتمع الفكر الإسلامي من وجهة نظره، مؤكدا أن سبب انخراطه في الجماعة هو أنه كان يريد أن يقوم بمراجعات فكرية داخلها.
وعن أسباب شيطنته من قبل الدولة المصرية ومواجهته بعنف رغم أنه كان على علاقة ودية مع السلطة الحاكمة في ذلك الوقت، قال عبد الفتاح لحلقة (2023/2/1) من برنامج “موازين” إن قطب كان صاحب فكر وكان يرى أنه الشخص الذي نظّر لثورة يوليو/تموز 1952، وبالفعل فقد ذكر كتاب أن بعض ضباط الثورة قرؤوا كتبه، والرئيس جمال عبد الناصر نفسه قرأ كتاباته وعلى رأسها “العدالة الاجتماعية في الإسلام” ونظّر لفكرة الاشتراكية وحتمية تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي كي تثور ضد الفكر الرأسمالي.
وقد طلب من قطب الانضمام إلى هيئة التحرير بعد ثورة يوليو/تموز مباشرة باعتباره أحد منظري الثورة، ولكن حدثت خلافات بينه وبين الضباط الأحرار حالت دون استمرار العلاقة بينهما. وتعود الخلافات -حسب عبد الفتاح- إلى أن قطب طلب أن يكون وزيرا للمعارف، ولكن الثوار على رأسهم عبد الناصر ومحمد نجيب رفضوا ذلك لأنهم كانوا يخشونه.
وعما يشاع عن تكفير قطب للمجتمعات الإسلامية، نفى مشاري المطرفي، مؤلف كتاب “أقوال العلماء في سيد قطب”، وجود نص واحد يثبت وصفه للمجتمعات الإسلامية بالكفر، وقال إنه اتهمها بأنها مجتمعات جاهلة، وكان يصف حالة المجتمع عندما أدى الجهل بالدين والسنة إلى انتشار الشرك والبدع والخرافة.
شهادة نجيب محفوظ في سيد قطب
وعن الجانب الأدبي لقطب، أشار الكاتب والباحث في الأدب العربي طلال العامر إلى أن هذا الجانب غيّب أو غاب من حياة قطب، رغم أنه كان مقتدرا ولديه ممارسة في الكتابة الأدبية، لكن لدى انتقاله إلى رحاب الحركة الإسلامية عتّم الإسلاميون صفحة الجانب الأدبي في حياته، فلم يستمر في كتابة القصة والشعر أو يكون خصما مفكرا عنيدا، معتبرا أن التيار الإسلامي ارتكب خطيئة بحق هذا المفكر، وأنه تيار لم يحسن التعامل مع الأدب وتوظيفه حتى إن بعض الإسلاميين لديهم مقولة شائعة تقول “إن الأدب هو قلة الأدب”.
ويعتبر كتاب “النقد الأدبي أصوله ومناهجه” لقطب من أهم ما كتب في النقد الأدبي لأنه مؤلفه كان حرا وله منهجية خاصة، ويمتاز برؤية نقدية واضحة وحرية فكرية وجرأة في الطرح ألقت بظلالها على الصراعات الأدبية التي خاضها مع بعض الأدباء مثل مصطفى صادق الرافعي.
ووفق العامر، فقد كان قطب مدافعا ومتعصبا للأديب والكاتب المصري عباس محمود العقاد حتى إنه قال مرة “لا يستحق أمير الشعراء بأن يطلق على العقاد”، في إشارة منه إلى أنه أكبر من هذا اللقب، لكن العقاد نفسه لم يسلم لاحقا من نقده الأدبي.
وقد كتب الأديب المصري نجيب محفوظ شهادة في مكانة قطب الأدبية، وذلك بعد أن زاره عقب خروجه من المعتقل بعفو صحي عام 1964 قبل أن يعاد اعتقاله ويحكم عليه بالإعدام.
ومما جاء في الشهادة التي كتبها محفوظ عام 1966 “ذهبت إليه رغم معرفتي بخطورة الزيارة وما يمكن أن تسببه لي من مشاكل أمنية.. ورغم الخلاف الفكري بيننا، أعتبره -أي قطب- صديقا وناقدا أدبيا كبيرا وكان له فضل السبق في الكتابة عني ولفت الأنظار إلي في وقت تجاهلني النقاد الآخرون”.
ومن أهم مؤلفات قطب “طفل من القرية” (سيرة ذاتية 1946)، و”النقد الأدبي أصوله ومناهجه”، و”التصوير الفني في القرآن”، و”خصائص التصور الإسلامي”، و”المستقبل لهذا الدين”، و”في ظلال القرآن” (1951-1964). وترجمت كتبه إلى لغات أجنبية.
وحُكم عليه بالإعدام شنقا بتهمة قلب نظام الحكم فأعدِم فجر يوم 29 أغسطس/آب 1966.