شاركت في إطلاق تلسكوب جيمس ويب.. الباحثة المصرية مريم عصمت تتألق في سماء الفيزياء والأدب
تألقت الباحثة المصرية مريم هيثم عصمت وبرز اسمها كواحدة من الباحثات العربيات المتميزات بعد مشاركتها في إطلاق “تلسكوب جيمس ويب” الذي يعتبر من أكبر المشاريع العلمية التي تشرف عليه وكالة “ناسا” الأميركية.
كما تميزت عن الكثير من الباحثات العربيات بجمعها بين العلوم والأدب حيث سبق لها التتويج بلقب أصغر روائية في الوطن العربي عام 2017 عن رواية باللغة الإنجليزية (The Escaping Flashback) كما صدر لها كتاب أكاديمي في الميكانيكا الكلاسيكية وعدد من الترجمات العلمية.
عن تجربتها العلمية ومساهمتها في مشروع “تلسكوب جيمس ويب” وتوفيقها بين العلوم والأدب تحدثنا مريم هيثم عصمت في حوار مع الجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني:
كيف كانت بدايات مسيرتك الدراسية خاصة في المرحلة الجامعية وما بعدها؟
أحببت العلم منذ الصغر حيث كان والداي شغوفَين بالقراءة فكان منزلنا مزين بالكتب وأجواؤه مفعمة بحب العلم والفنون والمعرفة بشكل عام.
أما أنا فقد كنت مولعة بكتب التاريخ وعلم البصريات وتاريخ العلوم الإسلامية، مما أوقد في نفسي حبا كبيرا للفيزياء والفن.
لقد كبرت على قراءة سير وإنجازات علماء الحضارة الإسلامية كابن الهيثم، مؤسس علم البصريات، ومريم الأسطُرلابية التي كانت من مصممي أداة الأسطرلاب وهي أداة فلكية كانت تستخدم في الحسابات الفلكية، وعباس بن فرناس. وفوق كل ذلك كان هؤلاء العلماء شعراء وفلاسفة ومفكرين، ولذلك فقد تمحورت شخصيتي حول كل هذه القامات الملهِمة.
وعندما تخرجت من التعليم الثانوي بالقاهرة، التحقت بجامعة “لايكومينج” (Lycoming College) في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة لدراسة الفيزياء والأدب، حيث تخرجت ببكالوريوس في الفيزياء الفلكية، مع تخصص ثانوي في الرياضيات، وبكالوريوس آخر في الأدب الإنجليزي من قسم الكتابة الإبداعية.
وكيف توفِّقين بين العلم والأدب؟
بالنسبة للدراسة، بعض الجامعات الأميركية تمنح الطلاب فرصة لدراسة أكثر من مجال في نفس الوقت لذلك قررت إضافة تخصص الأدب إلى الفيزياء، بالنسبة إليّ، التوفيق بين العلمين مهم جدا فكلاهما يكمّل الآخر.
حتى عمر 16 عاما، كنت أود أن أكون أديبة فقط، ولكن بعد دراستي للفيزياء بالثانوية قررت أن أكون أديبة وباحثة في الفيزياء معا فهما علمان لا ينفصلان عن بعضهما، الأدب يدفع المرء إلى التفكير والتمعن في النفس وفي سلوك الناس من حولنا، والفيزياء تدفعنا إلى التفكير والتمعن في الكون وفي حركة الأجسام الفلكية.
فالأدب والفيزياء بالنسبة لي سبيلان لاكتشاف العالم من حولنا، والفارق يكمن فقط في أنهما يستخدمان لغتين مختلفتين، فالأدب يستخدم اللغات كالعربية والإنجليزية، والفيزياء تستخدم لغة الرياضيات.
أسهمتِ قبل سنوات في تأسيس شركة “كواش” حدثينا عنها وما كان دورها؟
فكرة تأسيس شركة “كواش” (Quash) تعود لاثنين من زملائي في الدراسة، وهما عمر هشام ومصطفى ناجي عام 2016، حيث تحدثنا في كيفية إنشاء شركة لمساعدة طلاب الثانوية بمصر على اختيار مجال مناسب في الجامعة بالإضافة إلى تعليمهم مهارات تساعدهم في التعليم الجامعي مثل تقديم وكتابة مشاريع تخص مجالاتهم.
دوري كان يتمثل أساسا في تقديم استشارات في بعض مناحي العلوم وقد لقيت نجاحا كبيرا.. أنا لست جزءا من الشركة وإنما كنت مجرد مستشارة ساعدت في تأسيسها.
لديكِ أيضا مؤلفات علمية وكتب وترجمات، حدثينا عنها؟
قمتُ واثنان من زملائي بتصميم وبناء تلسكوب راديوي لرؤية الشمس وكوكب المشتري بكل ما يدور حوله من أقمار وكويكبات، كما قمنا بإنشاء مرصد علم الفلك الراديوي بالجامعة بناء على هذا التلسكوب.
ثاني بحث عملت عليه كان كمهندسة برمجيات على كاميرا الأشعة تحت الحمراء لاكتشاف كواكب خارج المجموعة الشمسية ضمن برنامج تلسكوب جيمس ويب الفضائي.
وثالث بحث عملت عليه كان رسالة بكالوريوس للفيزياء الفلكية يتمثل في مشروع طموح لتحديد عدد النجوم الطارقة (المذكورة في سورة “الطارق”) في مجرة درب التبانة باستخدام تقنية الإشعاع الجاذبي والكهرومغناطيسي لتلسكوب اسمه “ليسا” LISA) (Laser Interferometer Space Antenna)). والمفروض إن شاء الله أن “ليسا” (LISA) سيتم إطلاقه رسميا في سنة 2030، ويرصد النجوم الطارقة والثقوب السوداء.
أما بالنسبة لمنشوراتي الأخرى فهي تتمحور حول الكتابة في العلوم وفي الأدب، فقد حررت كتابا جامعيا للميكانيكا الكلاسيكية وتطبيقاتها باستخدام لغات برمجية تحت عنوان (Classical Mechanics :A Computational Approach with Examples using Mathematica and Python)، وكتابا في الفيزياء تحت عنوان “الفيزياء” صدر عن دار النشر روتليدج (Routledge) بالإنجليزية عام 2020.
كما قمت بتأليف 3 روايات أدبية لكن واحدة فقط هي التي رأت النور وهي باللغة الإنجليزية تحت عنوان (The Escaping Flashback) قمت بتأليفها وعمري 16 عاما، وصدرت عام 2017 عن دار الشروق المصرية وكان عمري حينئذ 18 عاما، ومن ثم منحتني لقب “أصغر روائية بالوطن العربي”.
كما لديّ مساهمات في ترجمة بعض الأوراق والتقارير العلمية من اللغة الإنجليزية للغة العربية أهمها ما نشرته وكالة ناسا حول تلسكوب جيمس ويب حيث شرفتني بترجمة بعض الحقائق عنه إلى اللغة العربية.
حدثينا عن النجوم الطارقة وسبب اهتمامكم بها وماذا توصلتم من نتائج؟
النجوم النابضة أو الطارقة هي نجوم تنتج عن انفجار نجوم قديمة من حيث العمر، وهي تنبض ويمكننا رصد ترددها الراديوي كصوت طارق على سطحية ما.
اكتشفت العالمة جوسلين بيل بورنيل (Jocelyn Bell Burnell) هذا النوع من النجوم لأول مرة سنة 1967.. وهذا النجم الطارق، في اعتقادي هو نفسه المذكور في القرآن الكريم في سورة الطارق وهو بالفعل نجم ثاقب.
وبحسب بحث رسالتي للبكالوريوس، من أصل عدد 13522 نجما طارقا في مجرتنا، درب التبانة، يمكن لتلسكوب ليسا (LISA) رصد 424 نجما طارقا منها، وهذا سيكون إنجازا كبيرا ومثيرا وسيفتح لنا آفاقا جديدة في بحوث علم الفلك.
أنتِ حاليا طالبة دكتوراه في جامعة جونز هوبكنز المرموقة، كيف التحقت بها، كيف تجدين الدراسة بها؟
عندما كنت طالبة بجامعة لايكومينج، شجعني أساتذتي بالتقديم على شهادة الدكتوراه فعملت بنصيحتهم وقبلت.
الدراسة بجامعة جونز هوبكنز (Johns Hopkins University) في غاية الشرف والشغف، أنا أعمل الآن على بناء وتوظيف مرصد لاكتشاف جزيئات المادة المظلمة في الكون، ونوظف في ذلك علوما هندسية مثل الرياضيات والحاسبات لأننا نستخدم أجهزة كهربائية مثل جهاز الكوانتم سكويز (quantum squeezer)، وهو جهاز لضغط الفراغ بناءً على علم ميكانيكا الكَم يسمح لنا بالعثور على الإشارة المطلوبة للبحث عن جزيئات المادة المظلمة.
برزتِ كثيرا من خلال المشاركة في إطلاق تلسكوب جيمس ويب، كيف أسهمتِ في ذلك؟
عملتُ في هذا المشروع كمهندسة برمجيات على كاميرا الأشعة تحت الحمراء القريبة لاكتشاف كواكب خارج المجموعة الشمسية. بدايتي كانت كجزء من مشروع تدريبي، ثم بعدها عرضوا عليّ الوظيفة، وأنا أستمتع كثيرا بالعمل ضمن فريق كبير ومشروع عالمي مثير.
ما المتوقع من تلسكوب جيمس ويب، وهل هناك تقدم في مهامه بعد مرور شهور على إطلاقه؟
تلسكوب جيمس ويب الفضائي سيكون أقوى 100 مرة حرفيا من تلسكوب هابل الفضائي، وسيسمح للعلماء بالنظر إلى الكون عندما كان عمره بضعة ملايين سنة.
الكون عمره حاليا حوالي 13.5 مليار سنة لذلك ستكون مهمة تلسكوب جيمس ويب النظر واستكشاف الكون في سنه الصغير نسبيا، وذلك سيسمح للعلماء بالتدبر في بداية تكوين المجرات والكواكب والأجسام الفلكية، بالإضافة إلى تحديث النظريات الكونية.
لذلك فنحن نتوقع أن يفتح هذا المشروع آفاقا جديدة في علم الفلك، ويسمح للعلماء بالتعمق في بحوثهم حول نشأة الكون.
لنتحدث عن علم الفلك في مصر والوطن العربي، كيف تقيمين تطور هذا العلم عندنا؟ وما مساهمات العلماء العرب في ذلك؟
تطوعت لدى وكالة الفضاء المصرية كجزء من مشروع “جمعية قرية القمر” الدولية وأحاضر عند الدعوة بالجامعات بمصر قدر المستطاع في المؤتمرات والندوات، وغطيت إطلاق تلسكوب ويب الفضائي بالعربي لدى الجمعية المصرية لعلم الفلك.
لذلك فأنا أرى أن هناك نشاطا مستمرا على مستوى الجمهور المهتم بعلم الفلك والفيزياء الفلكية سواء في مصر أو خارجها في الوطن العربي.
بالنسبة لمساهمات العلماء العرب في هذا المجال فهي لا تعد ولا تحصى ولكنها للأسف ليست دائما معروفة خارج نطاق رقعة الوطن العربي لأسباب متعددة!