بكين- تنتظر ليو شين عودة ابنها الوحيد إلى مدينة بكين، حيث يقضي الإجازة الصيفية مع جدته في مسقط رأسها بمدينة تانشانغ الواقعة على بعد 150 كيلومترا شرق العاصمة.
يقترب ابنها من إتمام عامه الخامس، لكنها لا تفكر في إنجاب طفل آخر رغم سماح الحكومة الصينية للأزواج بإنجاب 3 أطفال، بعد سنوات من سياسة الطفل الواحد التي توقفت عام 2016.
تقول ليو (موظفة في إحدى الشركات وسط بكين، وتبلغ من العمر 36 عاما) إن هناك صعوبة في الموازنة بين الدخل والنفقات، وتضيف -للجزيرة نت- أن تربية الأطفال في المدن الكبيرة أمر لا يمكن تحمله.
وفي استطلاع عام أجراه موقع “ويبو” الشبيه بتويتر، تساءلت منصة التواصل الاجتماعي الرائدة في الصين: “كم ستنجب من الأطفال إذا تم تحرير قيود الولادة بالكامل؟”
من بين 284 ألف شخص صوتوا، قال 150 ألفا إنهم لن ينجبوا أطفالا، واستعد 85 ألفا لإنجاب طفل واحد، و39 ألفا اختاروا اثنين، في حين قال نحو 10 آلاف إنهم على استعداد لإنجاب 3 أطفال أو أكثر.
وحسب دراسة أجرتها الأمم المتحدة، فإن عدد سكان الصين البالغ نحو 1.4 مليار نسمة قد ينخفض إلى النصف تقريبا بحلول عام 2100، وأشارت الدراسة إلى انحدار شديد في النمو السكاني بات يثير أسئلة عميقة للبلاد وقادتها.
وبينما يعتقد الخبراء الديموغرافيون أنه لا يزال هناك متسع من الوقت لتجنب أزمة سكانية، فإن بكين ستحتاج إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات القوية في الوقت المناسب؛ فشيخوخة السكان ومعدل المواليد المتناقص والزيجات الأقل -التي تحدث بوتيرة متسارعة- جعلت نقطة التحول تحين أسرع بعقد من الزمن مما كان متوقعا.
وتم تسجيل ما مجموعه 7.63 ملايين حالة زواج في جميع أنحاء الصين عام 2021، وهو مستوى قياسي منخفض على مدار 36 عاما الماضية، عندما بدأت وزارة الشؤون المدنية إصدار مثل هذه الإحصاءات.
ووفقا لمعهد “إيفرغراند” للأبحاث، فإن عدد النساء في عمر الإنجاب (بين 20 و35 عاما) سينخفض إلى 110 ملايين بحلول عام 2030، بعد وصول ذروته إلى 190 مليونا عام 1997.
وتختلف النظريات حول سبب استمرار تردد النساء الصينيات في إنجاب الأطفال رغم ما أعلنته الحكومة من جهود لتحسين السياسات المتعلقة بإجازة الأمومة والتأمين، وكذلك لتعزيز الضرائب ودعم سياسة الإسكان، وأحد الاحتمالات أن السكان اعتادوا على الأسر الصغيرة، وهناك سبب آخر يتعلق بارتفاع تكاليف المعيشة، في حين يعتقد آخرون أن الأمر قد يكون بسبب تأجيل الزواج، مما يؤخر المواليد ويثبط الرغبة في الإنجاب.
تقول تشن فاي فاي (مقيمة في بكين وفي أوائل الثلاثينيات من عمرها) إن الرهون العقارية تجاوزت معظم الدخل، وهي عبارة عن دورة سداد مدتها 30 عاما، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الديون؛ مثل بطاقات الائتمان والقروض الاستهلاكية عبر الإنترنت، وأضافت تشن للجزيرة نت أن “رغبتنا في الولادة تكاد تكون معدومة، ولا تزال لدينا كثير من القروض لسدادها كل شهر، وهذه أكثر وسائل منع الحمل فعالية”.
وبلغ معدل الخصوبة الإجمالي في الصين (المواليد لكل امرأة) 2.6 في أواخر الثمانينيات، وهو أعلى بكثير من 2.1 اللازم لتعويض الوفيات، لكنه انخفض إلى 1.3 عام 2020 و1.15 فقط عام 2021.
ووفقا لتقرير صدر عن مؤسسة أبحاث التنمية الصينية، فإنه بحلول عام 2050 سيكون في الصين أكثر من 500 مليون شخص تبلغ أعمارهم 60 عاما أو أكثر، أو ما يقرب من ثلث إجمالي السكان المتوقع في ذلك الوقت.
وأقرت بكين بالتحديات الديموغرافية، وأعلنت العام الماضي أنها سترفع تدريجيا سن التقاعد الإلزامي، وهو 60 للرجال و55 بالنسبة لمعظم النساء.
وبلغ عدد السكان في سن العمل في الصين ذروته عام 2014، ومن المتوقع أن يتقلص إلى أقل من ثلث تلك الذروة بحلول عام 2100، وقد يتأثر النمو الاقتصادي مع تقلص القوة العاملة خلال 15 عاما من الآن.
وقال كبير الاقتصاديين الصينيين في مجموعة “ماكواري” للخدمات المالية لاري هو في مذكرة بحثية “إن الحقيقة المرعبة هي أن الصين تتقدم في السن قبل أن تصبح غنية”.
ويرى الأستاذ المساعد بجامعة بكين تانغ ياو أن الصين يجب أن تحفز المزيد من الإنتاجية من خلال الابتكار التكنولوجي والإصلاحات الأعمق لمنع حدوث أزمة سكانية، مضيفا للجزيرة نت أن “الصين تقف على العتبة الأخيرة من فترة التصنيع لتنتقل إلى دولة متقدمة”.