شمال سوريا- بعد انتظار دام أكثر من 5 ساعات، عاد الموظف الحكومي حليم الحلبي (اسم مستعار) من دون الحصول على ربطة خبزه اليومي، بعد أن أغلق الفرن نوافذ البيع أمام العشرات من المشترين في مدينة حلب بمناطق سيطرة النظام السوري، معلنا نفاد كمية الطحين باكرا.
وكان الحلبي اضطر للتغيب عن وظيفته يوما كاملاً، بعد أن خرج في ساعات الصباح الأولى إلى الفرن القريب من منزله، منتظما في طابور طويل يضم العشرات من سكان المدينة، من أجل الحصول على ربطة خبز بسعر مدعوم من حكومة النظام.
ويقول الحلبي -في حديثه للجزيرة نت- إن معظم أفران المدينة أصبحت تغلق باكرا جراء انتهاء كميات الطحين المقدمة لها، وهو ما يجبر الأهالي على شراء الخبز من السوق السوداء والباعة الجوّالين بسعر يتجاوز ألفي ليرة سورية (ما يعادل 5 دولارات)، وهو تقريبا 8 أضعاف سعرها من الفرن.
وأعرب الحلبي عن استغرابه من قيام حكومة النظام بمحاربة باعة الخبز الجوالين، في وقت لا تستطيع فيه تأمين كميات الطحين الكافية لعمل الأفران وبيع حاجة الأسر اليومية من الخبز.
مشهد المواطن الحلبي مشهد يتكرر كثيرا لدى الآلاف من المواطنين السوريين.
تفاقمت مؤخرا أزمة الخبز في معظم مناطق سوريا، وزادت الأزمة وبلغت أشدها في مناطق سيطرة النظام السوري، الذي يرد مسؤوله أسبابها إلى النقص الهائل في كميات القمح، جراء الحصار على البلاد وشح القمح عالميا.
وفي وقت سابق، أكد المدير العام للمؤسسة السورية للحبوب لدى حكومة النظام، عبد اللطيف الأمين، أن المؤسسة تسلمت في الموسم الحالي 500 ألف طن من مادة القمح من الفلاحين، لافتا إلى أنها لا تغطي حاجة السوق المحلية إلا لـ3 أشهر فقط.
وقال الأمين -في تصريحات لصحيفة “تشرين” الحكومية- إن حاجة مناطق سيطرة النظام من القمح تبلغ نحو 2.2 مليون طن سنويا، مشيرا إلى أن تعويض نقص مادة الطحين يتم عبر الاستيراد.
ورغم اعترافه بالنقص، فإن مدير المؤسسة السورية للحبوب ينفي الأنباء عن تخفيض مخصصات الأفران من الطحين، مؤكدا أن كامل المخصصات توزع على الأفران، وأن البعض منها تطالب بزيادة مخصصاتها، الأمر الذي تدحضه شكاوى الأهالي.
وفي مواجهة أزمة شح القمح، ترسم مصادر في وزارة التجارة الداخلية بحكومة النظام 3 سيناريوهات بشأن أزمة الخبز، يمكن أن تختار الوزارة واحدا منها في المرحلة القادمة.
وقالت المصادر -لصحيفة “البعث” الناطقة باسم حزب البعث الحاكم في سوريا- إن السيناريوهات الثلاثة هي تخفيض وزن ربطة الخبز من ألف و100 غرام إلى ألف غرام، أو تخفيض مخصصات العائلة التي تتسلمها عبر البطاقة الذكية حسب عدد أفراد العائلة.
أما السيناريو الأخير، الذي من الممكن تطبيقه، فهو زيادة سعر ربطة الخبز إلى 300 ليرة سورية بدلا من 250 ليرة.
وتشير المصادر إلى أن الإجراء الذي ستتخذه الوزارة غالبا سيكون تخفيض وزن الربطة؛ “إذ يسمح لها ذلك بتوفير نحو 400 طن من مادة الدقيق يوميا، بالإضافة إلى رفع سعر الربطة إلى 300 ليرة”.
ويرجع المحلل الاقتصادي السوري، يونس الكريم، شح القمح في سوريا ومناطق سيطرة النظام إلى أسباب متعددة، أبرزها قلة المياه والمحروقات، وارتفاع سعر صرف الدولار، والنزاع بين القوى المسيطرة على سوريا للحصول على القمح.
وقال الكريم -في حديثه للجزيرة نت- إن النظام السوري قد يلجأ إلى شراء حبوب القمح التي استولت عليها روسيا من أوكرانيا بأسعار مرتفعة جدا، لمواجهة أزمة نفاد قمح الخبز، مضيفا أن موسكو تحاول تحويل سوريا إلى منصة لبيع القمح والمنتجات الروسية وتفعيل اتفاق وقّع مع دمشق عام 2015.
ولفت الكريم إلى أن أحد الحلول المتوقعة أن يتجه النظام لطلب المساعدات من المنظمات الإنسانية لتأمين جزء من احتياجات السكان بمناطق سيطرته من الخبز اليومي.
ورأى المحلل الاقتصادي أن أزمة نقص الخبز لا ترتبط بشح القمح فحسب، فهي تتعلق بنقص المحروقات وأجور النقل والعمليات العسكرية، والكمية الكبيرة من الهدر في الخبز، لافتا إلى أن التقديرات تشير إلى تلف 15 مليون رغيف خبز من النوع الرديء.