غزة– أنجز فنيون ترميم 5 مراكب صيد، بموجب اتفاق ثلاثي أطرافه السلطة الفلسطينية وإسرائيل والأمم المتحدة، ووفق اشتراطات إسرائيلية صارمة كفلت سماح إسرائيل بإدخال المواد اللازمة لعملية ترميم وإصلاح مراكب معطلة منذ سنوات، وكانت تلك المواد ممنوعة من دخول غزة منذ 15 عاما، بذريعة أنها “مزدوجة الاستخدام”.
هذه المراكب الخمسة من بين 300 مركب متهالك نخرت في هياكلها الرياح ومياه البحر، وترقد في ما وصفتها مسؤولة أممية -للجزيرة نت- بـ”مقبرة المراكب” في ميناء الصيادين في غزة، وتنتظر حاليا دورها لإعادتها للعمل والحياة من جديد، في ورشة خاصة أقيمت داخل الميناء بإشراف الأمم المتحدة وتحت مراقبة بشرية وتقنية.
ويعاني الصيادون في غزة -منذ فرض الحصار منتصف عام 2007- عدم توفر مواد أبرزها الألياف الزجاجية المعروفة تجاريا باسم “فايبرغلاس”، وتمنع إسرائيل دخولها للقطاع المحاصر ضمن مئات أصناف السلع والمواد الأخرى التي تطلق عليها مصطلح “مزدوجة الاستخدام”، وتخشى تسربها لفصائل المقاومة واستخدامها في الصناعات العسكرية.
عودة الروح
كان الصياد رامي العاصي من بين الصيادين الخمسة المحظوظين، الذين عادت مراكبهم لمعانقة أمواج البحر من جديد، وبعد فترة طويلة لم تسمح له ظروفه الاقتصادية بإصلاح المركب وترميمه، يقول -للجزيرة نت- “عادت لي روحي من جديد بإصلاح المركب وعودته للعمل مرة أخرى”.
ويتناوب بالعمل على مركب العاصي 24 صيادا، يعيلون أسرا مكونة من نحو 100 فرد، تدهورت أوضاعهم الاقتصادية منذ نحو عام، إثر تعطل المركب، وركونه في “مقبرة المراكب”، لكن العاصي يرى نفسه محظوظا مقارنة بغيره من الصيادين المعطلة مراكبهم منذ سنوات طويلة ولم يتمكنوا من إصلاحها.
وتكفل العاصي بمبلغ 6 آلاف شيكل (الدولار يعادل 3.4 شيكلات) لإعادة ترميم مركبه، بمواد وفرها مشروع الأمم المتحدة، في حين أن التكلفة كانت تتجاوز 10 آلاف شيكل بمواد مهربة وشحيحة، وغير متوفرة دوما في أسواق غزة.
ويشعر الصياد فلاح أبو ريالة بسعادة غامرة، بعودته للعمل على مركبه الخاص، بعد نحو عامين اضطر خلالهما إلى العمل كصياد أجير لدى صيادين آخرين، وقال -للجزيرة نت- “كلفني إصلاح المركب ألف دولار من أصل 3 آلاف دولار لم أكن قادرا على توفيرها لشراء المواد البديلة في غزة”.
وتعتاش 6 أسر مكونة من 80 فردا من العمل على مركب أبو ريالة، ولم يكن مردود العمل بالأجرة خلال الفترة الماضية كافيا لتوفير احتياجاتها الأساسية.
ورغم سعادتهما بالعودة إلى العمل على متن مركبهما الخاص، فإن العاصي وأبو ريالة لا يشعران بالأمان، أسوة بباقي صيادي غزة، في ظل الملاحقة الإسرائيلية المستمرة، واعتداءات الزوارق الحربية على مراكب الصيادين في عرض البحر.
وتسمح سلطات الاحتلال حاليا بالصيد في مساحة 15 ميلا بحريا، وهي مساحة غير ثابتة وتخضع باستمرار للاعتبارات الأمنية الإسرائيلية، فضلا عما يتعرض له الصيادون يوميا من مضايقات، تصل إلى حد إطلاق النار والاعتقال ومصادرة المراكب.
إشراف أممي
وحسب نقابة الصيادين، يوجد في غزة 4500 صياد، يعيلون أسرا تعدادها يتجاوز 50 ألف فرد، فضلا عن آلاف آخرين ترتبط معيشتهم بقطاع الصيد البحري، كتجار الأسماك والباعة المتجولين، وأصحاب المهن ذات العلاقة بصناعة السفن وشباك الصيد وغيرها.
وقالت مسؤولة التنسيق في مكتب الأمم المتحدة والمشرفة على ورشة إصلاح مراكب الصيد منال النجار -للجزيرة نت- إن الأمم المتحدة بذلت جهودا كبيرة مع السلطة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، لإنجاز الاتفاق، بما يخدم الصيادين وقطاع الصيد في غزة.
وبموجب الاتفاق -وفقا للنجار- سمحت السلطات الإسرائيلية في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بإدخال الدفعة الأولى من الألياف الزجاجية، وقالت “ينص الاتفاق على إدخال المواد اللازمة لإصلاح المراكب على دفعات، كل منها تحتوي على كمية تكفي لإصلاح 10 مراكب”.
وقالت إن المشروع يوفر المواد بطرق رسمية عبر المعابر، وتكون متاحة للصيادين بأسعار مناسبة مقارنة بالأسعار التي تباع بها هذه المواد في “السوق السوداء”، حيث تباع بنحو 4 أضعاف السعر.
ولا يقتصر هذا المشروع على إدخال الألياف الزجاجية فقط، حسب النجار، فإن الأسبوع المقبل سيشهد دخول محركات للمراكب بقوة 25 حصانا، في دفعة أولى، وهي المرة الأولى التي تسمح فيها السلطات الإسرائيلية بإدخال المحركات منذ 15 عاما.
وكشفت عن جهود حالية للأمم المتحدة للحصول على موافقة ممولين، لمساعدة الصيادين في تغطية تكاليف إصلاح مراكبهم المتهالكة.
بدوره، قال نقيب الصيادين نزار عياش -للجزيرة نت- إن إصلاح المراكب يسهم في إحياء قطاع الصيد، ويحسن من الأوضاع الاقتصادية، لكن الاشتراطات الإسرائيلية على المشروع تشبه إلى حد كبير تلك التي فرضتها إسرائيل على آلية إدخال مواد البناء بعد حرب عام 2014، ولا تضمن السرعة والاستمرارية في تدفق المواد.
وحسب عياش، فإن المشروع يتكفل بإصلاح 300 مركب، بناء على قوائم بأسماء الصيادين ترفع للجانب الإسرائيلي لإقرارها والموافقة عليها، من أصل 700 إلى 800 مركب بحاجة إلى عمليات إصلاح وترميم.
وتنفي النجار بشدة ما يتردد عن أن الكاميرات التي ترصد عمل الفنيين في الورشة مرتبطة بالسلطات الإسرائيلية، وأكدت أنه “بموجب الاتفاق، فإن الأمم المتحدة تقوم بالإشراف الكامل ومراقبة العمل في الورشة وضمان استخدام المواد في إصلاح المراكب”.
وفي حين أقرت المسؤولة الأممية بأن واقع الحال بالنسبة للصيادين في غزة، بعد 15 سنة من الحظر والحصار، يحتاج إلى “سرعة وتدفق أكبر في إدخال المواد”، إلا أنها تصف الاتفاق -في الوقت نفسه- “بالإنجاز الكبير”، لما سيعكسه من نتائج إيجابية تسهم في تحسين حياة الصيادين، وآلاف آخرين من المرتبطين بقطاع صيد الأسماك.