الخليل- في سن مبكرة بدأ الفلسطيني شكري جمجوم مهنته في إصلاح وبيع الساعات، مصاحبا والده عبد الرحمن جمجوم، ثم أصبحت مهنته منذ 60 عاما.
لم تكن طريق جمجوم معبدة بالمال أو القفزات الاقتصادية، بل يقول للجزيرة نت إنه واجه متاعب وتكبّد خسائر منذ احتلال الضفة عام 1967، حيث كانت لمدينته الخليل حصة الأسد من التحديات الناجمة عن هذا الاحتلال.
مع ذلك فإن جمجوم يحتفظ في ذاكرته بمواقف طريفة مع الزبائن تراوحت بين الاحتيال و”الغُشم” -حسب وصفه- أي الفهم الخاطئ وقلة الدراية.
بداية الرحلة
بدأ اهتمام جمجوم (74 عاما) في إصلاح الساعات، وخاصة اليدوية منها، وبيعها حين كان يرافق والده إلى محله في البلدة القديمة من الخليل، والذي فتحه عام 1950، قبل أن يتفرغ تماما لهذه المهنة عام 1963.
بقدر ما كان موقع جمجوم إستراتيجيا من حيث الجدوى الاقتصادية نظرا لوقوعه في قلب كبرى المدن الفلسطينية حيث تتزاحم الأقدام، فإن النتيجة كانت عكسية بعد عدة ضربات تعرضت لها البلدة منذ عام 1967، فكان مجرد بقائه إنجازا.
أيام الأصلي
عندما بدأ جمجوم مهنته، كان عدد ممتهني إصلاح وبيع الساعات في مدينته لا يتجاوز 5 أشخاص.
ويقول جمجوم إن ساعات ذلك الزمن كانت ماركات عالمية وأصلية مثل نوبيلوكس وأوريس وأتلانتك، وكانت بأسعار معقولة وتصل كفالتها (ضمانها) إلى 5 أعوام، وتخدم أكثر من ذلك بكثير.
ويضيف أنه لا مقارنة بين ساعات القرن الماضي، وساعات اليوم فقد “كانت الساعات أكثر دقة وإتقانا، أما اليوم فهي لغرض التكسب وبعضها يتلف بعد أيام من الاستخدام”.
من الـ67 والـ95
على الصعيد التجاري، يقول إن عدد وكلاء الساعات لم يكن يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، لكن بعد قدوم السلطة الفلسطينية أواسط تسعينيات القرن الماضي أصبحوا بالعشرات.
وفي الوقت الذي هيمنت فيه ساعات نوبيلوكس وأوريس وأتلانتك على السوق المحلي حتى احتلال الضفة الغربية عام 1967، فإن شركات أخرى دخلت السوق وهيمنت عليه بين 1967 و1995 أبرزها كاسيو وسيتيزن وأوريانت، حسب جمجوم.
وبينما كانت ساعات ما قبل التسعينيات تعتمد على التعبئة بالمفتاح، فإن الساعات الرقمية وذات البطاريات ميزت مرحلة ما بعد أواسط تسعينيات القرن الماضي.
يحتفظ جمجوم بمعدات يزيد عمرها على 70 عاما، بينها مفتاح لفتح الساعات بأنواعها، ومنفاخ تنظيف من الغبار وفرشاة، وقواعد تثبيت للساعات وغيرها.
ضربات متتالية
كانت أولى الضربات التي تعرض لها جمجوم، أسوة بتجار الخليل، احتلال المدينة عام 1967، وإقامة عدة بؤر استيطانية في بلدتها القديمة لاحقا، إحداها بؤرة “الدّبوية” والتي لا تبعد عن متجره سوى 70 مترا.
كما شكلت إجراءات وقيود الاحتلال على السكان الفلسطينيين عقب اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987، عقبة أخرى أمام جمجوم.
وعقوبة للضحية لصالح الجاني، أغلق الاحتلال البلدة القديمة كاملة بما في ذلك مئات المحلات التجارية، بعد قيام مستوطن بارتكاب مجزرة في المسجد الإبراهيمي عام 1994.
ثم جاءت إجراءات أكثر شدة، ونشر الاحتلال عشرات الحواجز داخل أزقة الخليل بعد انتفاضة عام 2000، وما زال جمجوم ومئات التجار يدفعون الثمن، إذ تراجعت حركة المتسوقين أكثر من 90%، حسب وصفه.
غرائب وطرائف
رغم قساوة المشهد، فإن جمجوم يتذكر بعض المواقف الغريبة والطريفة بينها أن أحد الزبائن اشترى ساعة يد ضد الماء، وأراد التأكد من ذلك بأن فتح الغطاء ووضع في داخلها الماء ليرى إن كانت ستعمل أم لا.
من مواقف الاحتيال، يشير جمجوم إلى زبون تعمّد فتح ساعته وإدخال الماء فيها ليحصل على أخرى قبل انتهاء موعد كفالتها بوقف قصير.
ومن المواقف أيضا أن بعض الزبائن كان يزعم فقد إيصال المراجعة المدوّن عليه نوع الساعة، فيطلب -محتالا- ساعة أفضل ويأخذها، فيضطر الساعاتي لشراء ساعة جديدة للزبون صاحب تلك الساعة.
ورغم بعض المواقف الغريبة، يقول الساعاتي جمجوم “إن أغلب الزبائن احتفظوا بساعاتهم لفترات تصل إلى 20 عاما دون أن يضطروا إلى مراجعته”.
اختفاء المهنة
اليوم، وبعد نحو 60 عاما، يقول جمجوم إن مهنة الساعاتي تكاد تختفي، إذ بقيت قلة قليلة تقتني الساعات لا تتجاوز 10% وأغلبهم من كبار السن، في حين تعتمد الغالبية على هواتفها النقالة.
ومع أن المهنة لم تعد مجدية اقتصاديا، فإن جمجوم يحظى بتشجيع أبنائه لاستمراره في العمل بمحله مهما كان الدخل، فهو من جهة يحافظ على الحياة والهوية في المكان، ومن جهة ثانية يتغلب على وقت الفراغ في هذا العمر.
ويلوم جمجوم المؤسسات الرسمية الفلسطينية والجهات الممثلة للتجار على عدم إيلاء الاهتمام الكافي للبلدة القديمة من الخليل باعتبارها هوية المدينة الأصيلة.