القاهرة ـ عام 2006، وفي لقاء بالتلفزيون المصري، تُسلط الكاميرا على وجه المطربة وردة الجزائرية، ومن دون ترتيب تدخل “الكادر” مطربة سمراء شابة لفتت الأنظار بدخولها المجال الفني قبل هذا اللقاء بـ6 أعوام، وتغني أغنية وردة الشهيرة “ليالينا” وتثير إعجابها بشدة.
18 عاما أعقبت هذا اللقاء، لتتكرر مأساة وردة الشخصية في قصة حياة شيرين نفسها؛ زواج بعد حب مع ملحن، ثم طلاق عنيف ومفاجئ، تعقبه تجاذبات وتراشق ينال من استقرار حياتها الشخصية.
الإعلام والسياسة والفضول الجماهيري والخذلان ومساعي الأصدقاء والمقربين والخصوم؛ كلها أمور كانت حاضرة في القصتين استثمارا لها، تماما كما جرى في القصص الشبيهة التي يستثمرها مستفيدون من اندلاعها وتأججها، في حين تقبع صاحبة القضية بإحدى المصحات الخاصة بالقاهرة للعلاج من الإدمان.
وبات اسم شيرين هدفا للسباق الإعلامي والاستفادة لدى الجهات والأفراد، إذ بدا أن لكل منهم ربحه الخاص، إلا هي التي طلبت من محاميها أمس الأربعاء المساعدة في الخروج من المستشفى.
وعبر صفحته الرسمية على فيسبوك، نشر المستشار القانوني ياسر قنطوش رسالة شيرين عبد الوهاب له وهي تطالب بخروجها من المستشفى بعد أن أتمت علاجها خلال 20 يوما، وقالت إنها قامت بالتوقيع على أوراق لا تعرف عنها شيئا.
واليوم الخميس، أعلن المحامي أن شيرين خرجت من المستشفى وهي بصحة جيدة وتشكر جميع جمهورها وكل من ساندها في أزماتها، وأنها ستتحدث في مقطع فيديو خلال ساعات.
السلطة وتهمة متكررة
السلطة بدورها محل اتهام دائم بالرغبة في استثمار الأخبار المثيرة لإلهاء الجماهير، وعبر عن ذلك بوضوح الضابط المحترف في فيلم “الهروب” على لسان الممثل الراحل محمد وفيق، حينما استثمر من أجل الإلهاء أزمة إنسانية مشتعلة لرجل -قام بدوره الفنان الراحل أحمد زكي- يظل يهرب سعيا للانتقام من زوجته المخادعة.
في الضجر الذي عبر عنه مغردون على مواقع التواصل من كثافة المتابعة الإعلامية لقضية شيرين، تم اتهام السلطة بتعمد إلهاء الجماهير بهذه القضية عن قضايا غلاء المعيشة.
بيد أن السلطة هذه المرة تحديدا كانت لا تريد شغل الناس عن مؤتمر اقتصادي كان تحت رعاية رسمية وقمة المناخ العالمي الذي تُحشد له الجهود والاهتمام.
فلماذا تشغل الحكومة المصريين بقضايا جانبية؟ هكذا يتساءل متابعون في إطار النفي الضمني لاتهام السلطة بالإلهاء.
واجه الاتهام ذاته نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حينما قيل إنه استثمر خبر طلاق الفنانين مريم فخر الدين وفهد بلان لإلهاء المصريين عن التساؤل عن أسباب هزيمة يونيو/حزيران 1967.
وللمفارقة، تدخل في الأزمة أيضا شقيقها الممثل يوسف فخر الدين، كما جرى في أزمة شيرين ودخول شقيقها طرفا في الأزمة، وشهدت الوقائع أيضا تلاسنا بين أطرافها على صفحات الجرائد المصرية وقتها.
الاتهام بالإلهاء نفسه واجه الرئيس الراحل أنور السادات عند عقد اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، حينما انشغل الإعلام وشغل الناس بقضية طلاق المطربة وردة والملحن بليغ حمدي، الذي ظل اسمه يتردد في صدارة عناوين الصحف خلال حقبة الرئيس الراحل حسني مبارك بسبب قضية “تسهيل الدعارة” التي ظلت تطارده ودفعته للسفر إلى باريس، حتى بُرئ منها بعدها بسنوات.
مستفيدون من الخلف
يعد أكتوبر/تشرين الأول شهرا مميزا لدى شيرين، ففيه احتفلت بعيد ميلادها 42، ثم غابت شيرين في دهاليز مصحة نفسية.
تردد أنها وُضعت فيها قسرا لعلاجها من الإدمان، مصحوبة بردود فعل متباينة لجمهورها على مواقع التواصل، وتراوحت بين إدانة سلوكها والتعاطف مع محنتها.
هنا يصبح الجمهور طرفا فاعلا لا متابعا فقط كما كان في أزمات النجوم السابقة قبل مواقع التواصل، فهل فاقم ذلك أزمة شيرين أم خففها؟
سؤال فرض نفسه على متابعيها، الذين تتابع شيرين بعضهم بالضرورة، في ظل تشابك أزمتها الخاصة بأخرى عامة تتعلق بالجدل حول وصم المدمن أو التعاطف معه.
تعددت ثم تتابعت المداخلات من أطراف الأزمة، بين هجوم متبادل ودفاع وتبرير، ومناشدات للمطربة بأن تفيق وتنتبه لشأنها.
مثلت شيرين فرصة لمشاهير -انسحبت عنهم الأضواء- للإدلاء بدلوهم في أزمتها، على نحو رآه متابعون “غير لائق النبرة، وإن اتخذ مسحة إنسانية بدعوى الخوف عليها”.
حسمت شيرين أمرها تجاه المتجادلين حولها، فلم تعد الصفحة الرسمية لها بفيسبوك تتابع أي صفحات وحسابات أخرى، باستثناء صفحة طليقها حسام حبيب.
هل ضجت المطربة بدورها من انشغال الجماهير بها وجدالهم حولها، كما ضجوا هم من أخبارها، فقطعت متابعتها لهم؟ لا إجابة، حيث من غير المعروف إذا كانت تدير هي صفحتها بنفسها أم عبر مدير للصفحة قام بالتغيير نيابة عنها؟ وهل أقدم مدير الصفحة على ذلك برغبتها أم بإيعاز من أحد أطراف النزاع المحيطين بالمطربة؟
على أي حال، “هؤلاء المنزعجون أقلية عالية الصوت”، حسب وائل محمد مسؤول صفحات التواصل الاجتماعي لأحد مواقع الإنترنت الإخبارية.
“لكن الأغلبية تود متابعة أخبار المطربة”، مضيفا في حديثه للجزيرة نت أن مداخلة طليقها مع المذيع عمرو أديب التي طالت حتى تجاوز وقتها ساعة، حظيت بمشاهدات كثيفة على قناة البرنامج بيوتيوب، وبلغت نحو 300 ألف مشاهدة خلال ساعات البث الأولى.
في المقابل، تداول مغردون منشورا ساخرا مفاده “عاجل: شيرين سوف تلقي خطابا للأمة بعد قليل”، تعبيرا عن الاهتمام الإعلامي المبالغ فيه بكل ما يتعلق بالمطربة، وكأنها صارت رئيسا للبلاد.
رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور لم يفوت الفرصة في أزمة شيرين، فهاجمها وهاجم الإعلام المنشغل بها، وهاجم كل من يتعاطى مع القضية، واستثمر -أيضا- اشتباكه مع القضية بتوجيه نقد لاذع لخصمه الإعلامي عمرو أديب وزوجته المذيعة لميس الحديدي.
أديب هو من بدأ لفت الأنظار لوضع شيرين حينما أعلن في برنامجه عن وجودها بمصحة نفسية، ثم تلقى مداخلات من أطراف النزاع حولها: طليق شيرين الملحن حسام حبيب، وشقيقها ومحاميها، لتندلع نيران الأزمة من برنامج أديب وتضعه على رأس محركات البحث، وهو ما يتنافس عليه المذيعون دائما.
أرباح المنصات
خلافا للإعلام الرسمي وشبه الرسمي “الموجه” الذي خفتت متابعته للقضية، حققت مؤسسات إعلامية خاصة عبر منصاتها ربحا مؤكدا؛ أدناه زيادة أعداد متابعي منصاتها، ويُترجم ذلك بالضرورة في صورة عوائد إعلانية مباشرة وغير مباشرة.
“رَبَح الجمهور متعة إشباع رغبته في متابعة حالة نجمته المحبوبة المتميزة”، كما يقول للجزيرة نت أحمد سعد، وهو مسؤول صحفي شاب بأحد المواقع الإخبارية المحلية الناشئة.
تابع أحمد سعد القضية ونشرها في موقعه، وطالع من بيانات الدخول على الموقع شغف الجمهور بها، خاصة أن في المسألة تشويقا منبعه مسألة الإدمان، علاوة على عوامل الجذب الأخرى كشهرة المطربة وحب الجمهور لصوتها المميز.
اتضح ذلك الشغف من معدلات القراءات والزيارات؛ فالناس -وفق أحمد سعد- “تستجيب لمثل هذه الأخبار لأنها تريد أن تنشغل عن همومها الطاحنة وتنساها قليلا، وترى أنها ليست وحدها التي تعاني، فهاهم النجوم والمشاهير والأثرياء أيضا لديهم مصائبهم التي تخفف متابعتهم لها وطأة ما يعانون هم”، ويورد مثلا شعبيا “من شاف مصائب الناس تهون عليه مصيبته”.
بهذا المعنى تمثل مثل أخبار شيرين وغيرها وجبة دسمة يقتات عليها الإعلام والناس معا بتباين درجات الحاجات، حسب رأيه.
ملء الفراغ
في هذا السياق، يرى مدير المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام (تكامل مصر) مصطفى خضري أن هناك زيادة ملحوظة وكبيرة في معدلات متابعات القضايا الهامشية وغير المجدية.
وفي حديثه للجزيرة نت، رأى خضري أن ذلك علامة منذرة بانحدار المجتمعات، هروبا من الإحساس بالعجز وقلة الحيلة أمام التحديات الكبرى، وأحيانا تتعمد السلطات التعاطي مع هذه الظواهر وتضخمها شغلا للناس عن التفكير في تغيير واقعهم المزري.
وأوضح خضري أن الإعلام يضطر أحيانا لملء مساحات الفراغ لديه بمثل هذه المتابعات، خاصة لو كان بطل القصة نجما، مما يمثل تغذية قوية لأخباره وساحة مثالية لإثارة الجدل، نظرا لازدياد مساحة المحظورات المحرم على الإعلام مناقشتها، خلاف الوسائل الإعلامية والإعلاميين والصحفيين الموجهين من أعلى.
وأوضح خضري أن مستوى الاهتمام ودرجة التعاطف أو الإدانة للشخصية محل الجدل يختلف لدى جمهور وسائل التواصل حسب شخصية بطل القصة؛ فالشخصية نفسها التي يعدونها ضحية سيرون غيرها مجرما يستحق العقاب، وذلك حسب درجة التعاطف.
النظر إلى الإدمان
وعلى هامش الأزمة، ربحت قضية الإدمان نقطة فعادت للأضواء من زاوية الجدل حول الإدانة أو التعاطف مع المدمن.
هذا الانشغال بأزمة شيرين وصما ودفاعا يمكن أن يفاقم أزمتها، حسب مدير وحدة الإدمان بمستشفى العباسية عبد الرحمن حماد.
وتابع حماد للجزيرة نت أنه يجب التعامل مع المدمن -خاصة لو كان مشهورا- بحرص من قبل الدوائر المحيطة، منعا لوقوعه في فخ الخسائر المتتابعة، لافتا إلى أن قانون الصحة النفسية لسنة 2009 ينص على أنه يجوز حجز المريض النفسي المدمن في حال تحذير الطبيب المتخصص من تدهور وشيك أو خطر منه على نفسه أو على الآخرين.
وأكد مدير وحدة الإدمان أن تحميل المتعاطي المسؤولية يدفعه للبحث عن حل لأزمته، خاصة لو أقدم عليها اختيارا، لأن الإدمان يؤثر على الوظائف العقلية العليا ويسيطر عليها.