صحفيون هنود مسلمون: هكذا تتحطم حرية الصحافة في أكبر ديمقراطيات العالم على صخرة الإسلاموفوبيا
منتصف فبراير/شباط الماضي، كان الصحفي الهندي المسلم جنيد خان وزوجته وبناته الثلاث في طريقهم إلى زيارة عائلية في مدينة سورات بولاية جوجارات شمالي البلاد، بعدها بلحظات، صدمت سيارة دراجة جنيد البخارية من الخلف، ليترجل منها 4 أشخاص نحوه، ويطعنوه حتى الموت في وضح النهار أمام زوجته وبناته.
تمثل هذه القصة واحدة من الحكايات المؤلمة التي يعيشها الصحفيون الهنود المسلمون، في ظل ظاهرة “الإسلاموفوبيا” التي تجتاح البلاد، خصوصا في الأشهر الماضية الأخيرة، حيث يروي الصحفيون لوكالة سند -التابعة لشبكة الجزيرة- تفاصيل عاشوها، وهم ليسوا استثناء من الاعتداءات التي تستهدف عموم المسلمين في البلاد.
الصحافة جريمة
تصف الصحفية رابيا شيرين وضع الصحفيين المسلمين بـ”المحزن للغاية”، مؤكدة أن على الصحفي المسلم “أن يتحمل الكثير لكشف حقيقة الاضطهاد الذي يتعرض له المسلمون في الدولة التي تدعي أنها أكبر ديمقراطية في العالم”.
وهذه الضغوط يفصلها زميلها محمد إرشاد، قائلًا “نتلقى تهديدات في كل مكان: في الشارع، في التلفزيون، في بريدي الإلكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعي؛ كل يوم تتدفق إلينا رسائل الكراهية والوعيد، وهذا فقط، لأنك تقول الحقيقة”.
ومطلع فبراير/شباط الماضي، نشرت مجموعة تحليل الحقوق والمخاطر الهندية تقريرًا عن حالة الصحفيين في الهند، بعنوان “حرية الصحافة في الهند في عام 2021″، جاء فيه أن العام المنصرم شهد قتل 6 صحفيين على الأقل، وتم الاعتداء على 120 آخرين، وحتى مقرات الصحف والمجلات والوكالات المستقلة لم تسلم من تلك الاعتداءات، إذ سجلت 108 منها أعمال عنف مورست ضدها.
تهديدات وتحريض متصاعد
من جانبه، شدد كواشيك راج، وهو صحفي هندوسي، وينشط ضد الإسلاموفوبيا على “أن الأمر شاق على كل شخص يتحدث عن الإسلاموفوبيا، حتى أنا تصلني كل يوم رسائل الشتائم والاتهامات؛ لكن -حتمًا- الأمر مضاعف بالنسبة لأصدقائي المسلمين”.
وأردف راج “أعمل على ملف الإسلاموفوبيا في الهند مع زميل مسلم يدعى عليشان الجفري، وهو يتعرض للعديد من الحماقات والتهديدات التي تصل له ولعائلته يوميًا، فضلًا عن الآثار النفسية التي يتعرض لها جفري -ومن مثله من الصحفيين المسلمين- بسبب تغطية الاعتداءات على مجتمعاتهم، إلا أن ذلك لا يتوقف أبدًا”.
وعند سؤاله عن الدور الذي يمارسه الإعلام الهندي في هذا الخطاب المعادي للمسلمين، أجاب راج أن الإعلام الموالي للسلطة دائمًا ما يثير نظريات المؤامرة وينسبها للمسلمين للتحريض ضدهم، فمثلًا أثارت بعض وسائل الإعلام مصطلح “جهاد الكورونا”، بالقول إن المسلمين هم من ينشرون الفيروس، لإصابة أكبر عدد ممكن من الهندوس”.
وأشار راج إلى أن هذه الحملة كانت ممنهجة لتشتيت الرأي العام عن إخفاقات الحكومة الهندية في مواجهة الجائحة.
واقع مأساوي في كشمير
أما عن الوضع في كشمير، فهو أكثر سوءًا، يقول أحد الصحفيين من كشمير -شريطة عدم الكشف عن هويته- إنه “لا يسمح لنا بالعمل الميداني الصحفي، فما تعرفونه عن كشمير يمثل جزءًا صغيرًا جدًا من المآسي التي يعيشها المسلمون، فنحن إما أن نسكت أو أن نتحدث بلسان الحكومة”.
أما عمر صوفي، وهو صحفي كشميري آخر، فأوضح أنه بوصفه مسلما “لا يمكنني التعبير عن رأيي بحرية؛ فعلى سبيل المثال، عندما يتحدث زميل عمل من ديانة أخرى ويقول رأيه في قضايا سياسية أو دينية أو اجتماعية، فهو يقول ما يريد بكل حرية، ولا يلقى الأحكام وردود الأفعال الغاضبة التي تقابلني عندما أن أحاول فقط الإدلاء برأيي. وإن فعلت، فإنني اتهم بالتجسس لصالح باكستان، وبالطبع وصفت كثيرًا بالإرهابي”.
يصف الصحفيون الهنود -الذين تحدثوا مع وكالة سند- حكومة ناريندرا مودي بأنها تحاول الدفع بالمسلمين نحو الإبادة العرقية، وأن الهجمات على المسلمين ستتصاعد خلال الفترات القادمة، إلا أن إرشاد كان لديه رأي مخالف، إذ يقول “من الخاطئ أن تقول إن المسلمين الهنود على مشارف الإبادة العرقية، انظر حولك، نشطاء وصحفيون مسلمون في السجون، آخرون يقتلون بدم بارد، الجرافات تهدم المنازل والمتاجر التابعة للمسلمين، وكل ذلك بكل وضوح يشير إلى أننا نعيش الإبادة العرقية بالفعل”.
وتشير أبحاث وإحصاءات، بينها مركز بيو، إلى أن حوالي 172 مليونا مسلما يعيشون في الهند، حيث يشكلون 14.2% من نسبة عدد السكان البالغة 1.38 مليار نسمة.
واحتلت الهند المرتبة 150 في مؤشر حرية الصحافة الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود، حيث تراجعت 8 مراتب عن العام الماضي، لتسجل أدنى مستوى لها على الإطلاق بين 180 دولة.