يرى حلفاء الولايات المتحدة في شرق آسيا أن المواجهة بين بكين وواشنطن أصبحت حتمية، وأن عليهم الاستعداد لها، مما حدا باليابان لمضاعفة إنفاقها العسكري، وجعل كوريا الجنوبية تخطط للحصول على القنبلة الذرية، إما باستيرادها أو بتصنيعها، وفرض على تايوان تمديد فترة الخدمة العسكرية.

بهذه الجمل يمكن تلخيص ما ذهبت إليه صحيفتا “لوبس” (L’Obs) الفرنسية و”لوتان” (Le Temps) السويسرية في قراءتيهما للمشهد الجيوستراتيجي في آسيا، بعد العمليات الجوية الروسية الصينية المتعددة التي نُفذت عام 2022 فوق بحر اليابان، وبعد الموقف العسكري الصيني الذي لم يؤد فقط إلى الإضرار بصورة بكين، بل أيضا إلى مراجعات إستراتيجية في العواصم المجاورة.

 

سباق تسلح آسيوي

وإذا كان القلق مشروعا بشأن إعادة تسليح أوروبا على ضوء الحرب في أوكرانيا، فإن آسيا أيضا تشهد سباق تسلح غير مسبوق -حسبما تقول لوتان- إذ قررت اليابان، بدافع التهديد المتزايد الذي تمثله الصين وكوريا الشمالية، مضاعفة إنفاقها العسكري على مدى السنوات الخمس المقبلة.

أما كوريا الجنوبية التي بدأت تخطط للحصول على القنبلة الذرية -حسب لوبس- فيتعين عليها الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي صدقت عليها عام 1975، محتجة بإعلان بيونغ يانغ عن استخدام محتمل للأسلحة النووية ضدها، فضلا عن النمو السريع للغاية للترسانة الذرية الصينية.

وفي تايوان التي تمثل -حسب الصحيفة- “برميل البارود” الذي يمكن أن يشعل النار في العالم، يبدأ الإصلاح من تمديد مدة الخدمة العسكرية الإجبارية من 4 أشهر إلى سنة، لأن “الخدمة العسكرية الحالية ليست كافية للاستجابة للوضع المتغير باستمرار وسريع”، كما قالت الرئيسة التايوانية تساي إنغ ون، في تلميح للتهديدات المتزايدة التي تشكلها الصين على هذه المنطقة.

وفي هذا السياق، تعمل دول آسيوية أخرى على زيادة إنفاقها العسكري على ضوء التهديد الصيني، إذ قررت إندونيسيا مؤخرا الحصول على طائرات رافال الفرنسية ويمكنها شراء طائرات “إف-35” (F-35) الأميركية وصواريخ هندية فلبينية أسرع من الصوت.

 

تحالفات جديدة

واستعرضت صحيفة لوبس تأثير صعود الصين في اليابان التي قررت مضاعفة إنفاقها العسكري، وأضافت تحالفات جديدة إلى تحالفها التقليدي الذي أعادت تفعيله وتأكيده مع الولايات المتحدة، إذ تم إعلان شراكات أمنية مع المملكة المتحدة وإيطاليا، كما تجري القوات الجوية اليابانية والهندية هذه الأيام تدريبات عسكرية مشتركة لأول مرة.

ورغم أن دستورها لا يزال مسالما، فإن طوكيو تقوم بتغيير جذري في عقيدتها العسكرية، وتتخلى رسميا عن موقفها الدفاعي الصارم لاكتساب القدرة على الرد، بما في ذلك، على مواقع إطلاق الصواريخ المثبتة في الصين، لأن “العالم على مفترق طرق تاريخي”، كما يقول رئيس الحكومة اليابانية فوميو كيشيدا.

ومع إستراتيجيتها الأمنية الجديدة، ستكتسب اليابان -حسب لوتان- قوة هجوم مضاد تزيد من قدرتها على الردع، لتصبح جهة فاعلة تعمل على استقرار منطقة المحيطين الهندي والهادي، خاصة أنها تشعر بالحاجة إلى تعويض التراجع النسبي للقوة الأميركية في المنطقة بسبب صعود القوة العسكرية الصينية والكورية الشمالية.

 

تقسيم جديد للعمل

ويرى ليونيل فاتون، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة ويبستر في جنيف، أن القلق الياباني ينبع من التطور الهائل للقوات العسكرية الصينية، التي تنمو باطراد، متجاوزة الأسطول الأميركي، خاصة أن التوتر بين طوكيو وبكين مستمر بسبب جزر سينكاكو التي تسيطر عليها اليابان وتدعي الصين ملكيتها، حتى إن السفن الصينية أمضت أكثر من 73 ساعة في المياه الإقليمية اليابانية قبالة سواحل سينكاكو.

وفي سباق التسلح الذي تشهده المنطقة، زاد الإنفاق العسكري فيها بنسبة 52.7% بين عامي 2010 و2020، ويعود ذلك، من بين أمور أخرى، إلى وعود الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بتطوير ترسانته النووية، إذ يتفق الخبراء على أن بيونغ يانغ يمكن أن تحصل على 300 سلاح نووي في السنوات المقبلة، مما يضعها في مرتبة متقدمة على فرنسا والمملكة المتحدة، وسيدفع كوريا الجنوبية إلى البحث عن أسلحة نووية، حسب لوتان.

 

وخلص ليونيل فاتون -في تقرير لوتان- إلى أن هذه التطورات فيها تقسيم جديد للعمل في المنطقة، حيث يهتم محور كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بالسيطرة على كوريا الشمالية، ومحور الولايات المتحدة واليابان بمسألة تايوان، التي تزداد سخونة بشكل متواصل.

المصدر : لوبس + لوتان

About Post Author