صفقات ضخمة بين طهران وموسكو.. هل يكون الاقتصاد بوابة روسيا إلى المياه الخليجية؟
طهران- على هامش زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران، وقعت شركة النفط الوطنية الإيرانية مذكرة تفاهم بقيمة 40 مليار دولار مع شركة غازبروم الروسية، لتطوير 3 حقول للغاز و6 حقول نفطية إيرانية وإكمال مشاريع أخرى للطاقة جنوبي البلاد قرب المياه الخليجية.
ووصف المدير التنفيذي لشركة النفطة الإيرانية محسن خُجسته مهر الاستثمار الروسي بأنه سيكون الأكبر في تاريخ صناعة النفط والغاز الإيرانية، مؤكدا عزم بلاده الاستثمار بقيمة 160 مليار دولار في قطاع النفط والغاز خلال الأعوام الـ8 المقبلة.
وبالرغم من أن التعاون الاقتصادي والعسكري بين إيران وروسيا ليس وليد اللحظة، وسبق ووقعت الدولتان عام 2001 معاهدة إستراتيجية لمدة عقدين، فإن المراقبين في إيران يرون أن العديد من مذاكرات التفاهم التي وقعتها طهران وموسكو بقيت حبرا على ورق.
السياسة أولا
ويرى الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية بمجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني محمود شوري أن السياسة تطغى على التعاملات الاقتصادية بين طهران وموسكو، عازيا السبب وراء عدم حصول تطور لافت على صعيد التعاون الاقتصادي بينهما إلى انعدام البنى التحتية الملائمة للتعاون الثنائي وعدم انسجام أنظمتهما الاقتصادية.
واستبعد الباحث الإيراني -في حديثه للجزيرة نت- ازدهار التعاون الاقتصادي بين إيران وروسيا رغم مضاعفة الضغوط الاقتصادية الغربية على روسيا عقب حربها على أوكرانيا، معبرا عن مخاوفه من أن تبقى هذه التفاهمات حبرا على الورق في حال تغير الظروف السياسية والدولية خلال الأشهر المقبلة لصالح روسيا.
ودعا شوري إلى تحويل التفاهمات بين بلاده والروس إلى عقود ومشاريع رسمية، مشددا على أن المساعي الإيرانية للتعاون الاقتصادي مع الدول الأجنبية ليست نابعة عن احتياجات البلاد وإنما تابعة للأهداف السياسية، على حد وصفه.
وأشار إلى توقف العديد من المشاريع الاقتصادية في بلاده جراء تغير الظروف السياسية، مستذكرا عددا من المؤتمرات الصحفية المشتركة بين الروس والإيرانيين خلال العقود الماضية عبرا خلالها عن عزمهما تعزيز التعاون الاقتصادي دون الانتقال إلى الجانب العملي فيه.
مصالح عليا
من جانبه، يرد مندوب إيران الأسبق لدى منظمة “أوبك” محمد علي خطيبي على المشككين في إمكانية تنفيذ التفاهمات الإيرانية الروسية، مؤكدا أن تأكيد المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ضرورة تعزيز التعاون الثنائي سيرفع من حظوظ تنفيذها.
ونقلت وكالة أنباء “شانا” التابعة لوزارة النفط الإيرانية عن خطيبي قوله إن تراجع الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة بسبب العقوبات الأميركية على إيران وفنزويلا وجائحة كورونا، أدى إلى تفاقم أزمة الطاقة مؤخرا، فضلا عن أن العقوبات الغربية الأخيرة على روسيا ترفع من عزيمة شركة “غازبروم” للاستثمار الأجنبي.
في المقابل، تنظر شريحة من الإيرانيين إلى الاستثمار الروسي جنوبي البلاد بأنه يتطابق والتطلعات التاريخية لكل من طهران وروسيا لمواجهة الوجود الغربي في المياه الإقليمية.
من ناحيته، يعتقد مدير معهد العلاقات الدولية مجيد زواري أن التعاون الإيراني الروسي لتطوير عدد من الحقول الغازية والنفطية جنوبي البلاد سوف يمهد الطريق للحضور العسكري الروسي في المياه الخليجية.
المياه الخليجية
وأوضح زواري -للجزيرة نت- أن روسيا قد تطالب بحضور عدد من قواتها إلى جنب طواقمها التقنية والآليات التي سوف تجلبها لتنفيذ هذه المشاريع العملاقة، مستدركا أن الحضور الروسي في المياه الإقليمية قد يكون بشكل غير رسمي وفي زي غير عسكري.
وأضاف الباحث الإيراني أنه بعد الحرب الروسية على أوكرانيا والحصار الغربي على موسكو وجدت الأخيرة نفسها بحاجة ماسة لتفعيل الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب (INSTC) عبر الأراضي الإيرانية على أن يتم شحن الحمولات من المياه الخليجية إلى الصين والهند، ما يحفز الروس على الحضور في المياه الخليجية لضمان أمن تجارة بلادهم مع دول شرق آسيا.
واعتبر مدير معهد العلاقات الدولية، أن الحضور الروسي في المياه الخليجية يأتي في سياق التحالف الإستراتيجي الذي بدأ يتبلور منذ سنوات بين إيران وروسيا والصين، مشيرا إلى أن التحالف الثلاثي سبق وأجرى عدة مناورات عسكرية في المياه الخليجية والمحيط الهندي، وأن تخطيطه للقيام بمناورات مشابهة في المياه الفنزويلية خلال الأيام القليلة المقبلة يدل على أن الدول الثلاث تريد لتحالفها أن يكون عالميا.
ورأى زواري أن الحضور الروسي في المياه الخليجية والمحيط الهندي يأتي لموازنة حضور التحالفات الغربية في المنطقة.
وختم الباحث الإيراني بالقول، إن طهران ورغم معارضتها الثابتة لأي حضور أجنبي في المياه الإقليمية فإنها قد توافق على حضور روسيا في إطار التعاون الثنائي، على المدى المتوسط، وذلك ضمن سياستها الإستراتيجية الرامية لمواجهة المخططات الأميركية في الشرق الأوسط.