طبول حرب أم تهديدات فارغة.. كيف يقرأ الخبراء الروس نتائج قمة الناتو؟
موسكو– منعطف حاد ومرحلة جديدة من التصعيد تدخلها العلاقة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد أن أصدر رؤساء الدول والحكومات المشاركون في اجتماع قمة الحلف بواشنطن بيانًا ختاميا أعلنوا فيه أن موسكو تشكل تهديدًا لدول الحلف، وأن أوكرانيا تسير في “طريق لا رجعة فيه” إلى الانضمام للحلف الذي ستستمر إستراتيجية توسعه من دون تغيير، فضلا عن تراكم القوة العسكرية لأعضائه.
وأولى الإعلان الختامي للقمة اهتماما خاصا بروسيا، وأشار إلى أنه لا يزال يعدّها التهديد الرئيسي له، لكنه في الوقت نفسه أكد أنه لا يرغب في المواجهة مع موسكو، كما دعا المجتمع الدولي إلى عدم تقديم أي دعم لروسيا، وأعلن أنه يدين كل دولة تقوم بذلك، معلنا الاتفاق على وضع توصيات بشأن النهج الإستراتيجي للعلاقات مع موسكو لقمة الحلف المقبلة.
وفي ما يتعلق بالمساعدة والدعم على المدى البعيد لأوكرانيا، وعدت دول التحالف بإنشاء إيصالات مالية منتظمة، وإرسال الأسلحة والمعدات والمتخصصين والمدربين للتدريب.
كذلك نص البيان على أن الناتو يخطط لتزويد أوكرانيا بمبلغ 40 مليار يورو كحد أدنى من التمويل الأساسي في عام 2025، وتوفير مستوى مستدام من الدعم الأمني، مع تقديم تقارير مرتين سنويا عن المساعدة العسكرية المعتمدة لأوكرانيا.
استهجان روسي
وحده رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي تعد بلاده عضوا في الحلف ويوصف بأنه مقرب من موسكو، غرد خارج السرب وصرح بأن الناتو يبتعد أكثر وأكثر عن أهدافه الأصلية، ويتحول إلى منظمة عسكرية تلعب دورًا أساسيا في الصراع الدائر في أوكرانيا.
وسريعًا رد الكرملين على بيان القمة، وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف إن “هذا تحالف أنشئ في عصر المواجهة بهدف الحفاظ على المواجهة”، وإن” التوتر في أوروبا يتصاعد بسبب الناتو”، مؤكدًا أن بلاده تدرس اتخاذ خطوات للرد.
أما نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري مدفيديف فكان تعليقه على نتائج القمة أكثر حدة، وقال إنه “يتعين على روسيا أن تفعل كل شيء حتى ينتهي طريق أوكرانيا الذي لا رجعة فيه إلى الناتو، باختفاء هذا البلد والحلف نفسه”.
في غضون ذلك، قال السفير الروسي لدى واشنطن، أناتولي أنطونوف، إن اليوم الأول لقمة الناتو “أكد الطبيعة العدوانية للحلف”، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة وأقمارها الصناعية “واصلت التبشير بالنزعة العسكرية والتوسع العسكري، ولم تُقل كلمة واحدة عن السلام طوال اليوم”.
ووفقا لأنطونوف، فإن الدول الغربية تواصل فرض “أوامر استبدادية مفيدة للمليار الذهبي، وتمهد الطريق لحرب عالمية ثالثة، إذ تشعر باليأس من عدم قدرتها على كسر روسيا بمساعدة الكبش الضارب، المتمثل في أوكرانيا”، حسب وصفه.
حبوب مهدئة
رأى مدير مركز “التنبؤات العسكرية” أناتولي تسيغانوك أن الناتو لن يقبل أوكرانيا في صفوفه في كل الأحوال، وأن “كل التصريحات الموسمية المتعلقة باحتمالات انضمامها إلى التحالف تهدف إلى تهدئة الشعب الأوكراني”، لأن من المفيد للحلف استخدام أوكرانيا كأداة لمحاربة روسيا، حسب وصفه.
ووفقًا لما أوضحه للجزيرة نت، فإن أوكرانيا أصبحت أكثر اندماجا على المستويين العملياتي والسياسي في التحالف، وهذا يعني أن الناتو راضٍ عن الوضع الذي يقاتل فيه الأوكرانيون من أجله، لكن أوكرانيا نفسها غير مقبولة في الحلف.
ويتابع أن “السياسة الغربية ذات المعايير المزدوجة تتجلى هنا بكل وضوح، أي موتوا من أجلنا، ولكن من دون أي ضمانات من جانبنا”. وأضاف أنه بخصوص الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فإن هذا يعد بالطبع “فشلًا ذريعًا”.
ويمضي بالقول إنه سيتعين على زيلينسكي نفسه الآن العمل على جبهتي السياسة الداخلية والخارجية بشكل مغاير. فمن جهة، تعترف الدول الغربية علنًا باستحالة هزيمة روسيا بالسبل العسكرية، بينما من جهة ثانية بدأت المعارضة في أوكرانيا نفسها ترفع رأسها تدريجيا، “وهي لا تكف عن ضرب أكثر نقاط السلطات إيلاما”.
طبول حرب
ويشير محلل الشؤون العسكرية يوري كنوتوف إلى مؤشرات خطيرة سبق أن تخللت القمة، من بينها الإعلان عن نية الحلف التوسع في شرق البلقان والبحر الأسود، وإعلان الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ ثمانينيات القرن الماضي عن خطط لنشر صواريخ أرضية متوسطة وقصيرة المدى بشكل دائم في ألمانيا في عام 2026. وذلك يدل -حسب رأيه- على عدم اهتمام دول الحلف بإيجاد حل دبلوماسي للأزمة مع روسيا.
كذلك يرى المحلل ذاته أن الحديث يدور بشكل خاص عن الصواريخ المتعددة الأغراض “إس إم-6” وصواريخ كروز وتوماهوك والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.
يذكر أن روسيا حذرت مرارا من أنه إذا نشرت الولايات المتحدة صواريخ أرضية متوسطة وقصيرة المدى في أي مكان فإنها ستتخلى عن وقفها الطوعي لنشر مثل هذه الأنظمة، مضيفًا أن من شأن ذلك أن يمهد لسباق تسلح جديد وغير مضبوط قد يخرج عن السيطرة.
ويخلص كنوتوف في تحليله إلى أن هذا القرار، بالإضافة إلى مخرجات قمة الناتو في مجملها، يشير إلى أن الحلف يوحي بأنه يستعد لحرب واسعة النطاق مع روسيا، ومن ذلك تعزيز الإمكانات العسكرية وزيادة عدد الجنود على طول الحدود بين روسيا وبيلاروسيا.