الدرك الفرنسي يخلي مخيم مهاجرين في ساحة سان جيرفيه قرب قاعة مدينة باريس (رويترز)

الدرك الفرنسي يخلي مخيم مهاجرين في ساحة سان جيرفيه قرب قاعة مدينة باريس (رويترز)

باريس- تتوجه الأنظار خلال الأيام القليلة المقبلة إلى العاصمة الفرنسية باريس بمناسبة استضافتها دورة الألعاب الأولمبية والبارالمبية لعام 2024. وفيما صُمم هذا الحدث الرياضي ليكون احتفالا شعبيا واجتماعيا، يواجه عشرات الآلاف من “المشردين” أوضاعا محفوفة بالمخاطر.

ففي الأشهر الأخيرة، طالت عمليات الطرد الممنهجة نحو 13 ألف شخص معظمهم من المهاجرين، من منطقة إيل دو فرانس، بزيادة قدرها 38.5% مقارنة بالفترة بين 2021 و2022، وفق تقارير نشرتها عدة جمعيات استنكرت خلالها رغبة منظمي الأولمبياد في “إخفاء مظاهر الفقر”.

ويبدو أن اللجنة المنظمة والسلطات الفرنسية تعطي الأولوية لصورة المدينة على حساب رفاهية مواطنيها الأكثر ضعفا. وبينما تتزايد انتقادات رواد منصات التواصل لما وصفوه بـ”ألعاب العار”، تستمر الاستعدادات للأولمبياد لإظهار العاصمة بأبهى حلة، ولكن بأي ثمن؟

إخلاء لخيم المهاجرين تحت جسر بالقرب من برج إيفل المصدر: @reversmedaille
إخلاء مخيم مهاجرين تحت جسر قريب من برج إيفل (مواقع التواصل)

طرد وإخلاء

كشفت جمعية “لو روفير دو لا ميداي” (الجانب الآخر للميدالية) -التي تضم نحو 80 جمعية تساعد المحتاجين- عن أن عمليات الطرد ارتفعت بوتيرة سريعة في الفترة التي سبقت دورة الألعاب الأولمبية (26 يوليو/تموز الجاري إلى 11 أغسطس/آب المقبل).

وفي تقرير نشرته في يونيو/حزيران الماضي، سجلت الجمعية 138 عملية إخلاء في “إيل دو فرانس”، بما في ذلك 64 من الأحياء الفقيرة، و34 من خيام المهاجرين، و33 من أماكن السكن العشوائي.

وفي تصريحات خاصة للجزيرة نت، أكد عضو ومنسق الجمعية أنطوان دو كليرك توثيق إجلاء أكثر من 12 ألفا و500 شخص قبل عام من انطلاق الأولمبياد، من الفترة من مايو/أيار 2023 إلى مايو/أيار 2024. وبعد ذلك، تمت عمليات إخلاء وطرد جديدة تستوجب إضافة حوالي ألف شخص آخرين إلى هذا الرقم.

وأشار إلى وجود عدة آليات للطرد وضعتها الدولة، تتمثل إحداها في نقل المشردين عبر الحافلات إلى 10 مدن بعيدا عن باريس، حيث يتم استقبالهم في مساكن مؤقتة لمدة 3 أسابيع قبل أن تتم إعادة توجيههم لأماكن أخرى، فيما يجد 60% منهم أنفسهم مرة أخرى في الشارع في مدينة لا يعرفونها، ويتعلق الأمر بنحو 5 آلاف شخص أو أكثر.

 

أما بالنسبة للأفراد الذين رفضوا ركوب الحافلة أو المغادرة لأن لديهم وظيفة أو أسرة أو طفلا في المدرسة، يتابع دو كليرك، فلم يجدوا أي بديل أمامهم للإسكان أو الإقامة في حالات الطوارئ، لذلك تم دفعهم ببساطة إلى مسافة أبعد قليلا في الضواحي الباريسية.

ونتيجة لذلك، يوجد اليوم الكثير من الأشخاص المشردين أو الذين يتجولون في الشوارع بدون مأوى في الضواحي البعيدة، كما يؤكد.

تطهير اجتماعي

وبينما تنتقد جمعيات حقوق الإنسان ما تعتبره “تجريدا صارخا من الإنسانية”، قامت السلطات الفرنسية بتركيب كتل خرسانية على طول قناة سان دوني، حيث من المقرر مرور الشعلة الأولمبية، لمنع المهاجرين والمشردين من وضع خيمهم في هذه المنطقة الإستراتيجية مرة أخرى.

يُذكر أن أكثر من 400 شخص لا يزالون بدون سكن على ضفاف هذه القناة منذ الأسبوع الماضي، فضلا عن 100 شخص على ضفة قناة لورك على طول الطريق الذي ستسلكه الشعلة الأولمبية يوم 25 يوليو/تموز الجاري، و100 آخرين قرب بورت ماري حيث من المقرر أن يقام حفل الافتتاح في التاريخ ذاته.

وفي هذا الإطار، يقول أنطوان دو كليرك إن “التطهير الاجتماعي” هو الوصف الحقيقي الذي يمثل الواقع المرير الذي تعاني منه هذه الفئة من المجتمع.

 

ولفت إلى أنهم يستخدمون هذا المصطلح منذ بداية حملتهم في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي “لفضح الوتيرة المتزايدة لهذا الإجراء غير الإنساني الذي يطرد المشردين والمهاجرين دون اقتراح سكن بديل لهم”.

وأضاف منسق جمعية “لو روفير دو لا ميداي” أن حملتهم ركزت على وعد الحكومة الفرنسية المتمثل في أن يكون أولمبياد باريس 2024 نسخة شعبية ذات تراث اجتماعي غير مسبوق والنسخة الأكثر شمولا في تاريخ الألعاب، “لكن هذه الأزمة ظلت غير مرئية بالنسبة للمنظمين حتى يومنا هذا”.

صمت حكومي

وقد توجهت الجمعية إلى مقر وزارة الداخلية مطلع مايو/أيار الماضي لعرض خطابها بعنوان “ألعاب الإقصاء” لاقتراح بعض الحلول، بما فيها مناقشة مبدأ إدارة الفضاء العام من أجل التوفيق بين القضايا الأمنية وتأثيراتها على الفئات الضعيفة (المشردين، والمنفيين، وضحايا الاتجار، ومتعاطي المخدرات، متلقي المساعدات الغذائية).

ومن الحلول أيضا إنشاء أول مركز استقبال في إيل دو فرانس للوافدين الجدد على غرار مركز استقبال النازحين من أوكرانيا.

وقام أعضاء الجمعية بحوالي 40 اجتماعا في جميع المؤسسات التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بهذا الحدث الرياضي، بما فيها اللجنة المنظمة للأولمبياد ووزارة الرياضة والألعاب الأولمبية ووزارة التضامن والصحة وإدارة منطقة إيل دو فرانس، فضلا عن شرطة المحافظات.

وتعليقا على ذلك، وصف دو كليرك تعامل كل هذه الجهات مع مطالبهم بـ”لعبة البينغ بونغ”، مفسرا ذلك بأن اللجنة الأولمبية أخبرتهم أنها مهتمة جدا بهذه المواضيع لكنها لا تقع ضمن مسؤوليتها أو ميزانيها لأنها تتعلق بحقوق الإنسان وإدارة الفضاء العام، لذلك توجهوا باحتجاجهم إلى وزارة الداخلية الفرنسية لكن الوزير جيرالد دارمانان “لم يرغب بالرد عليهم”.

 

وعمليا، يمكن اعتبار أن الوقت قد فات لتوفير حلول إقامة مؤقتة على الأقل أو أماكن للمهاجرين والمشردين يجدون فيها الطعام والماء، إذ نجحت السلطات -بالفعل- في إخفاء مظاهر الفقر والتشرد من العاصمة باريس و”سين سان دوني” القريبة منها.

وهو ما أكده عضو الجمعية الفرنسية قائلا “حاولنا بشتى الطرق تحسين الأوضاع لكن بدون جدوى وما يهمنا اليوم هو تسليط الضوء على ما حدث والإشارة إلى أن هذه الألعاب تم تنظيمها على خلفية استبعاد هؤلاء الأشخاص المستضعفين”.

وأضاف أنهم سيقومون بتوثيق جميع الأشهر الماضية في تقرير جديد سيُنشر خلال سبتمبر/أيلول المقبل، وسيستمرون في التواصل مع المفوض السامي للأمم المتحدة للإسكان اللائق.

المصدر : الجزيرة

About Post Author