جاء في مقال بمجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأميركية أن الاقتصاد الروسي بدا في طريقه إلى انهيار سريع ومفاجئ بسبب الحرب في أوكرانيا.
وكتب الخبير الاقتصادي وعالم الرياضيات الروسي كونستانتين سونين، في المقال الذي نشرته له المجلة في عددها الأخير، أن العقوبات الدولية على روسيا تنذر بخنق الاقتصاد، وبانخفاض قيمة العملة الوطنية (الروبل) وأسواق المال الروسية.
وزعم أن العوز والحرمان يطرقان أبواب الروس كل يوم، وعند النظر إلى ما وراء أرقام الناتج المحلي الإجمالي المعتدل ومعدلات التضخم، يتضح أن الضرر فادح؛ فالاقتصاد الروسي متجه لفترة طويلة من الركود.
ويقول سونين -الذي يعمل أستاذا للسياسات العامة في كلية هاريس بجامعة شيكاغو- إن الدولة الروسية كانت تتدخل بالفعل في القطاع الخاص قبل الحرب، وأصبح هذا الاتجاه أكثر وضوحا، وينذر بقمع الابتكار والقضاء على كفاءة السوق.
ويرى أن الطريقة الوحيدة للحفاظ على حيوية الاقتصاد الروسي واستدامته تكمن في إجراء إصلاحات أساسية، وهي ليست وشيكة على كل حال، أو في ظهور خلل في المؤسسات شبيه بما حدث مع انهيار الاتحاد السوفياتي.
ويعتقد الكاتب أن العقوبات المفروضة على روسيا يمكنها أن تضعف اقتصادها وتقلص ناتجها المحلي الإجمالي، مضيفا أن أكثر ما يُتوقع منطقيا -على المدى القصير- هو انخفاض هائل في واردات روسيا.
وقال إنه في بداية الحرب -تحديدا في فبراير/شباط وأوائل مارس/آذار الماضيين- هُرِع الروس لشراء الدولار واليورو لحماية أنفسهم من الانهيار المحتمل للروبل. وخلال الأشهر الثمانية التي تلت ذلك، ومع تكبّد روسيا خسائر متعاظمة في أوكرانيا، اشترى الروس المزيد من تلك العملات.
ومن شأن نشاط من هذا القبيل، برأي سونين، أن يتسبب عادة في تخفيض كبير في قيمة الروبل. لكن، وبسبب العقوبات، توقفت الشركات التي كانت تستورد البضائع قبل الحرب عن شراء العملات الأجنبية لتمويل هذه الواردات التي تراجعت إثر ذلك بنسبة 40%. وكانت إحدى النتائج أن تتعزز قيمة الروبل مقابل الدولار خلال الشهور الماضية.
وكان للعقوبات الاقتصادية -وفق المقال- أيضا آثار فورية أخرى، فقد تسبب حرمان روسيا من الحصول على الإلكترونيات الدقيقة والرقائق وأشباه الموصلات، في جعل إنتاجها للسيارات والطائرات مستحيلا تقريبا؛ إذ انخفض تصنيع السيارات الروسية -في الفترة من مارس/آذار حتى أغسطس/آب الماضيين- بنسبة مذهلة بلغت 90%، وكذا إنتاج الطائرات.
وينطبق الأمر نفسه على إنتاج الأسلحة التي تعد أولوية قصوى للحكومة. وقد ثبت خطأ التوقعات بأن ارتياد مسارات جديدة عبر الصين وتركيا ودول أخرى لم تنضم لنظام العقوبات، يمكن أن تعوّض روسيا عن فقدانها الواردات من الدول الغربية.
ويلفت سونين في مقاله الانتباه إلى أنه من دون تلك الواردات الحيوية، فإن وضعية صناعة التكنولوجيا الفائقة في روسيا ستتردى على المدى الطويل.
ولعل الأكثر تأثيرا من العقوبات الغربية على قطاع التكنولوجيا أن روسيا بدأت تدخل حقبة يعزز فيها المقربون من السلطة السياسية قبضتهم على القطاع الخاص.
ويمضي المقال إلى التذكير بأن الشركات الروسية تعرضت للحرمان من الاستثمار حتى قبل الحرب. فقد كانت صناعات متقدمة -مثل العاملة في قطاعات الطاقة والنقل والاتصالات، تلك التي كانت ستستفيد أكثر من التكنولوجيا الأجنبية والاستثمار الأجنبي- عرضة لأشد العقوبات.
ويعتقد سونين أن الاقتصاد ظل يعمل لفترة طويلة تحت قبضة الحكومة. لكن الخطوات التي اتخذها الرئيس فلاديمير بوتين مؤخرا نقلت هذه السيطرة إلى مرحلة جديدة.
والخلاصة أن الدرس المستفاد من الحرب في أوكرانيا “مؤلم”، فحتى لو خسر بوتين السلطة وأجرى من سيخلفه إصلاحات مهمة، فإن الأمر سيستغرق ما لا يقل عن عقد من الزمان حتى تعود روسيا إلى مستويات إنتاج القطاع الخاص ونوعية الحياة التي شهدتها البلاد قبل عام واحد فقط، “هذه هي عواقب حرب كارثية غير موفقة”.