طه حسين أديب ومفكر مصري، ولد عام 1889 في محافظة المنيا بصعيد مصر (جنوب)، ولقّب بعميد الأدب العربي. خلال حياته، أثار كتابه “في الشعر الجاهلي” أزمة شديدة فصل على إثرها من الجامعة، وأحيل على المحاكمة أمام القضاء، وبعد مرور نحو 50 عاما على وفاته أثار الحديث عن إزالة مقبرته ونقل رفاته خارج مصر ضجة كبرى.
المولد والنشأة
ولد طه حسين علي سلامة في 14 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1889 بعزبة الكيلو، إحدى قرى مركز مغاغة، محافظة المنيا في صعيد مصر (جنوب).
نشأ في عائلة من الطبقة المتوسطة الفقيرة، وكان ترتيبه السابع بين 13 طفلا، وكان والده حسين علي موظفا صغيرا في شركة السكر بصعيد مصر.
أُصيب طه حسين في سن مبكرة جدا بعدوى في العين، وبسبب سوء التعامل مع حالته وعدم تلقي العلاج اللازم أُصيب بالعمى وكان عمره 3 سنوات فقط، وأتمّ حفظ القرآن الكريم وهو في التاسعة من عمره.
الدراسة والتكوين العلمي
التحق بالكُتَّاب في سن مبكرة، حيث تعلم القراءة والكتابة، وفي عام 1902 أرسل إلى جامعة الأزهر في القاهرة، حيث اكتسب معرفة دقيقة بالنحو والفقه والبلاغة وتأثر بدروس الشيخ محمد عبده تأثرا كبيرا.
وفي عام 1908 التحق بجامعة القاهرة التي أُسّست في العام نفسه، وفي عام 1914 حصل طه حسين على درجة الدكتوراه عن أطروحته عن الشاعر والفيلسوف أبي العلاء المعري، وكان أول طالب يحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة.
وفي عام 1918، منحت جامعة السوربون حسين درجة الدكتوراه الثانية، عن أطروحته عن المؤرخ التونسي ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الحديث.
وفي عام 1919، حصل حسين على دبلوم في الحضارة الرومانية من الجامعة ذاتها.
الزواج
أثناء دراسته في جامعة مونبلييه بفرنسا، التقى طه حسين امرأة تدعى سوزان بريسو، جاءت لتقرأ له الكتب لأن المراجع اللازمة له لم تكن متوفرة بطريقة “برايل” المصممة خصيصا للمكفوفين كي تساعدهم على القراءة.
كانت سوزان مستشارته، ومساعدته، وصديقة مقربة له، وفيما بعد أصبحت زوجته وأم أطفاله أمينة وشقيقها الأصغر مؤنس.
التوجه الفكري
في البداية تأثر طه حسين في الأساس بالثقافة اليونانية وأصدر كتابًا بعنوان “الصفحات المختارة” من الشعر اليوناني الدرامي عام 1920، ومجلدا آخر بعنوان “النظام الأثيني” في عام 1921، و”قادة الفكر” في عام 1925.
في كتابه “طه حسين.. من الانبهار بالغرب إلى الانتصار للإسلام” الصادر عام 2014، تناول المفكر الإسلامي الراحل الدكتور محمد عمارة مراحل التطور الفكري لطه حسين حيث قسمها إلى 4 مراحل:
المرحلة الأولى هي بدايات حسين الفكرية (1908-1914) حيث بدا مترددا في الهوية الحضارية لمصر، بين مذهب “حزب الأمة” ومفكره أحمد لطفي السيد الذي يدعو إلى الوطنية المصرية الرافضة للعروبة القومية والانتماء الحضاري الإسلامي، وبين اتجاه “الحزب الوطني” وزعيمه مصطفى كامل ذي الهوية الإسلامية والمدافع عن الجامعة الإسلامية والخلافة.
أما المرحلة الثانية (1914-1932) فتمثلت في الانبهار الشديد بالغرب، ومشاركته في تأليف كتاب “الإسلام وأصول الحكم” للشيخ علي عبد الرازق، ثم كتابه “في الشعر الجاهلي” الذي اتسم بتأثر مستفز بالأفكار والقيم الغربية عندما طبق غلو الشك العبثي على المقدسات الإسلامية، ثم كتابه “في الأدب الجاهلي”.
أما المرحلة الثالثة من تطور فكر طه حسين (1932-1952)، فخلت فيها كتابات طه حسين من أي إساءة إلى الإسلام ومقدساته ورموزه، وتوجه إلى الكتابة في الإسلاميات، والدفاع عن الإسلام ضد التنصير، وتوالت تأكيداته بأن الإسلام شامل للدين والدولة وأنه منهاج شامل للحياة، كما تصاعدت نبرة نقده للسياسة الاستعمارية الغربية، مع صعود حركات التحرر الوطني. ورغم ذلك، ظل التأثر بالطابع الحضاري الغربي ملحوظا في عطائه الفكري، بخاصة في كتابه “مستقبل الثقافة في مصر” 1938، الذي مثل ذروة التأثر بالغرب في مشروعه الفكري.
أما المرحلة الرابعة والأخيرة (1952-1960) فتجسد أهم ملامحها في تأكيد طه حسين لمسألة “حاكمية القرآن الكريم”، وانحيازه إلى العروبة التي صاغها الإسلام بعيدا عن الفرعونية التي تبنّاها من قبل.
في عام 1955 ذهب حسين إلى أراضي الحجاز لأداء فريضة الحج التي هزته من الأعماق، ومثلت قمة الإياب الروحي إلى أحضان الإسلام، وميلادا جديدا له بعد مخاض عسير، فألف آخر ما كتب “مرآة الإسلام” عام 1959، و”الشيخان” عام 1960، اللذان يعدان من أهم مراجعاته الفكرية.
الوظائف والمسؤوليات
في عام 1919 عاد حسين إلى مصر مع زوجته سوزان، وعُيّن أستاذا للتاريخ بجامعة القاهرة، ثم أصبح أستاذا للأدب العربي واللغات السامية.
وفي مجمع اللغة العربية بالقاهرة، تم تكليف طه حسين بإنجاز “المعجم الكبير”، وهو أحد أهم مهام الأكاديمية، كما شغل منصب رئيس الأكاديمية.
في عام 1950، عُيّن حسين وزيرا للتربية والتعليم، حيث تبنّى الدعوة إلى مجانية التعليم وحق الجميع في التعلم، رافعا شعار “التعليم كالماء والهواء”.
قام بتحويل العديد من الكتاتيب إلى مدارس ابتدائية وعدد من المدارس الثانوية إلى كليات مثل الدراسات العليا للطب والزراعة، كما يعود له الفضل في إنشاء عدد من الجامعات الجديدة.
شغل طه حسين منصب رئيس تحرير عدد من الصحف.
“في الشعر الجاهلي”.. أزمة كتاب
أثار كتاب طه حسين “في الشعر الجاهلي” عن النقد الأدبي -الذي صدر عام 1926- عاصفة كبرى في العالم العربي، حيث أعرب حسين عن شكوكه في أصالة كثير من الشعر العربي القديم، قائلا إنه “تم تزويره في العصور القديمة بسبب الكبرياء القبلي والتنافس بين القبائل”.
قول طه حسين في كتابه: “للتوراة أن تُحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي” أغضب علماء الأزهر وأحيل حسين على التحقيق أمام النيابة العامة بتهمة “إهانة الإسلام”، وفقد منصبه في جامعة القاهرة، وحُظر كتابه، لكن القضاء حفظ القضية.
لم تكد تمضي 3 سنوات على صدور كتاب “في الشعر الجاهلي”، ثم صدور النسخة المعدلة له التي نشرت في العام التالي بعنوان “في الأدب الجاهلي” حتى انهالت مجموعة من المؤلفات تنتقد الكتاب وتهاجم صاحبه.
انبرى وقتئذ عدد من الأدباء والمفكرين للرد على حسين، أبرزهم مصطفى صادق الرافعي في كتابه “تحت راية القرآن”، والشيخ محمد الخضر حسين في كتابه “نقض كتاب في الشعر الجاهلي”، ومحمد فريد وجدي في كتابه “نقد كتاب الشعر الجاهلي”، وعلي الجندي في كتابه “تاريخ الأدب الجاهلي”، وناصر الدين الأسد في كتابه “مصادر الشعر الجاهلي”.
المؤلفات والجوائز
ألّف طه حسين نحو 60 كتابا بينها 6 روايات، ومن أبرز كتبه “الأيام” و”دعاء الكروان” و”المعذبون في الأرض” و”في الشعر الجاهلي”، وكتب نحو 1300 مقالة، وتُرجم أكثر من 12 عملا له إلى لغات عدة على رأسها الفرنسية.
رُشّح طه حسين لجائزة نوبل في الأدب 14 مرة أولها عام 1949، لكنه لم يفز بها طوال حياته، وقدم له الرئيس الراحل جمال عبد الناصر جائزة الدولة العليا، التي تُقدم عادة إلى رؤساء الدول، وفي عام 1973 حصل طه حسين على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
إزالة المقبرة.. لغط كبير
في نهاية أغسطس/آب 2022، ثار جدل واسع بعد انتشار تقارير تفيد باعتزام الحكومة المصرية إزالة مقبرة طه حسين ونقلها إلى مكان آخر.
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورة للمقبرة مكتوب عليها كلمة “إزالة”، وسط تعليقات بأن السلطات المصرية ستزيل المقبرة والمقابر المجاورة لها ضمن مشروع جديد لإقامة طرق ومحاور جديدة، للتغلب على الأزمة المرورية والزحام في العاصمة المصرية القاهرة.
التقارير أفادت أيضا بتلقي أسرة طه حسين عرضا من السفارة الفرنسية بالقاهرة، لنقل رفاته إلى باريس، لكن حفيدته مها عون أصدرت بيانا نشرته عبر صفحتها الشخصية على فيسبوك قالت فيه إن الأسرة أجمعت على رفض مثل هذا العرض، مشيرة إلى أن “رفات جدها لن تنقل من مصر”.
وبالفعل، شرعت السلطات في إزالة بعض العقارات مع تعويض سكانها، إما بسكن بديل أو بالمال، لكن الصفحة الرسمية لمحافظة القاهرة على فيسبوك نشرت بيانا يوم الثاني من سبتمبر/أيلول 2022، أكدت فيه عدم صحة ما يُتداول على الإنترنت بشأن نية المحافظة هدم مقبرة طه حسين.
الوفاة
توفي طه حسين في 28 أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 الذي وافق يوم عيد الفطر غرة شهر شوال عام 1393 للهجرة في العاصمة المصرية (القاهرة) عن عمر ناهز 84 عاما.