عام على الحرب في أوكرانيا.. ما محددات أهداف بايدن وخطوطه الحمراء إزاء الحرب؟
واشنطن – مع مرور عام على الحرب في أوكرانيا، يستمر الرئيس جو بايدن بالقيام بدور محوري في قيادة جبهة عالمية لم تقتصر على دول أوروبا الغربية وحلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، لمواجهة أخطر أزمة تتعرض لها القارة الأوروبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وأصبحت الحرب الأوكرانية أحد أقوى الاختبارات لوعود السياسة الخارجية لبايدن، وعلى رأسها استعادة مكانة أميركا، وقيادتها المعركة ضد “النموذج الاستبدادي” في جميع أنحاء العالم.
وشكّك العديد من المعلقين في قدرة بايدن على مواجهة أزمة بعمق وخطورة الأزمة الأوكرانية، خاصة أنها جاءت بعد عدة أشهر من انسحاب وصف بـ”الفوضوي” من أفغانستان.
شكوك في قيادة بايدن
في بداية فبراير/شباط 2022، وبناء على طلب الرئيس بايدن، أعلنت واشنطن إجلاء معظم الدبلوماسيين والجنود الأميركيين من أوكرانيا بسبب ما رأته هجوما روسيا وشيكا ومتوقعا في أي لحظة بعد حشد موسكو أكثر من 130 ألف جندي على الحدود.
وحاول بايدن إثناء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن قرار الحرب، لكنه فشل، ولم يؤد التواصل المباشر بين الرئيسين إلى تغيير أساسي في الموقف بشأن الأزمة الأوكرانية. وكرر بايدن قبل الغزو أن “واشنطن، بالتعاون مع حلفائها، سترد بشكل حاسم وتفرض عقوبات سريعة وشديدة على موسكو إذا ما غزت روسيا أوكرانيا”.
ورفض بايدن بحسم طلب بوتين الحصول على ضمانات مكتوبة بعدم توسّع حلف الناتو شرقا، وعدم نشر أسلحة ضاربة في الدول المتاخمة لروسيا.
ومنح ستيف بايفر، خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد بروكينغز، الرئيس بايدن درجة “ب+” (+B) في إدارته للأزمة الأوكرانية.
وفي حديث للجزيرة نت، قال بايفر “منذ نهاية سبتمبر/أيلول 2021، أدركت الدوائر الاستخباراتية الأميركية عزم موسكو غزو الأراضي الأوكرانية، وبادر بايدن بالقيام بدور هام لخلق تحالف غربي مضاد لروسيا، وأجرى عشرات المكالمات الهاتفية والاجتماعات الافتراضية مع زعماء دول أوروبية ودول حلف الناتو لمشاركتهم ما لدى واشنطن من معلومات، وإطلاعهم على أحدث الصور والسجلات التي أقنعتهم بقرب وقوع الغزو الروسي”.
من جانبه اعتبر ماثيو والين الرئيس التنفيذي لمشروع “الأمن الأميركي”، وهو مركز بحثي يركز على الشؤون العسكرية، في حديث للجزيرة نت، أن “الرئيس بايدن نجح في حشد الغرب في جبهة موحدة مناوئة لروسيا، لكن جهود العمل الدبلوماسي لم تكن حكرا على واشنطن، فقد جرت من خلال دول أخرى مثل دول البلطيق وبولندا والمملكة المتحدة”.
تحالف قوي حتى الآن!
منذ 2014، تُقدّم واشنطن الكثير من الدعم والمساعدات العسكرية لأوكرانيا، من هنا “سمح توقع إدارة بايدن للغزو بتقديم الولايات المتحدة، جنبا إلى جنب، مع دول الحلف الأخرى المزيد من الدعم لزيادة التدريب العسكري وعمليات نقل الأسلحة والذخيرة للجيش الأوكراني”، طبقا لماثيو والين.
ويؤكد الخبير بايفر أن أحدا لم يتوقع أن يستمر التحالف في موقفه الموحّد المناوئ لروسيا كل هذه المدة، “وقد نجح بايدن في تجنب الانقسامات بين الحلفاء الغربيين الذين تباينت آراؤهم حول كيفية مواجهة روسيا، ودرجة التشدد معها”.
ويرى كثير من المعلقين أن الرئيس الروسي راهن على وقوع انقسامات بين دول حلف الناتو في مواقفها من الحرب، كما توقع أن يلعب عامل صادرات الغاز الروسي لأوروبا دورا كبيرا في تحديد مواقف الدول المستوردة، وهو ما لم يمنع دعم أوكرانيا.
لكن بايفر يتخوف من تغير الرأي العام الغربي والأميركي، الذي لا يزال مؤيدا لدعم أوكرانيا، مع دخول الحرب عامها الثاني.
ومع نجاح بايدن في الإبقاء على التحالف الغربي متّحدا، نجح من ناحية أخرى في توحيد الأميركيين باختلاف ولاءاتهم الحزبية وراء هدف دعم أوكرانيا. وعلى الرغم من تحفظ بعض الجمهوريين من أنصار “أميركا أولا” والرئيس السابق دونالد ترامب، فإنه لا يُنتظر أن تغير انقسامات السياسيين في واشنطن موقف الولايات المتحدة الداعم لأوكرانيا.
محددات موقف بايدن
ومع مرور العام الأول من الحرب الأوكرانية، يمكن هنا الإشارة إلى أن هدف بايدن كان ولا يزال يتمحور حول 3 نقاط:
- دعم أوكرانيا عسكريا واقتصاديا واستخباراتيا.
- تجنب المواجهة العسكرية مع روسيا بكل السبل الممكنة.
- فرض كل العقوبات الممكنة على روسيا بسبب الهجوم العسكري.
مع ذلك، يؤمن بايفر أن بايدن “شديد الحذر ويتبع نهجا محافظا يخشى معه نتائج مغايرة من الجانب الروسي”، في حين يعتقد بايدن أن هناك خطين أحمرين للولايات المتحدة لا يجب الاقتراب منهما:
– عدم التورط في قتال مباشر ضد القوات الروسية، على أن يتم الاكتفاء بتسليح وتدريب الجيش الأوكراني.
– عدم السماح للجيش الأوكراني بتوجيه أي ضربات داخل الأراضي الروسية، وأن تقتصر على أهداف روسية داخل الأراضي الأوكرانية.
من هنا تردد بايدن في الموافقة على إمداد الجيش الأوكراني بدبابات أميركية متطورة من طراز “إم1 إيه1 أبرامز”، قبل أن يعود ليتراجع ويسمح بإرسالها وتدريب الأوكرانيين على استخدامها.
وربما يتعرض طلب أوكرانيا بمدّها بطائرات “إف-16” المقاتلة حاليا لتحفّظ بايدن نفسه السابق. ويشير الخبير بايفر إلى “احتمال تغيير موقف الرئيس الأميركي الحذِر من موضوع الطائرات المقاتلة خلال شهر أو شهرين، والسماح ببدء تدريب الطيارين الأوكرانيين على استخدامها”.
سيطرة “صارمة”
تسمح البيروقراطية الأميركية الضخمة، التي تلعب فيها عدة وزارات أدوارا هامة تجاه أزمة بضخامة الأزمة الأوكرانية، بتناقض وربما تصادم البيت الأبيض مع وزارة الخارجية والدفاع والخزانة ووكالة الاستخبارات المركزية، بسبب تداخل وتعقّد الأدوار والمهام.
بيد أن الخبير بايفر يشير إلى “سيطرة صارمة من البيت الأبيض على إدارة ملف أوكرانيا دون وقوع خلافات واضحة بين البنتاغون أو وزارة الخارجية أو مجمع الاستخبارات أمام تطورات الأوضاع المتسارعة في أوكرانيا”.
ويعود ذلك بالأساس “لخبرة بايدن الطويلة في التعامل مع كل أركان البيروقراطية الحكومية خاصة في شقها الخارجي على مدى النصف قرن الأخير”.