تسبب النجاح الكبير للفيلم الأميركي “الحرب الأهلية” (Civil War) في حالة من الخوف والتشاؤم لدى نقاد وصناع السينما ونسبة كبيرة من المشاهدين، وذلك بسبب تناوله لحرب أهلية مستقبلية بين الأميركيين، ومحاولات بعض الولايات الانفصال عن الاتحاد الأميركي، وبينها تكساس وكاليفورنيا وفلوريدا.
وبين انتقاد للموضوع نفسه، وخوف من مصير يلوح في الأفق بسبب أجواء الاستقطاب السائدة منذ أحداث الكابيتول هيل واقتحام الكونغرس نهاية الفترة الرئاسية لدونالد ترامب، وانتخابات رئاسية يعيد طرفاها الكرة، لم يلتزم النقاد والجمهور بمشاهدة فيلم عادي ومناقشته، وإنما لجأ أغلبهم إما إلى الإنكار واعتبار الأحداث تدور في أي مكان في العالم، أو إلى عدم تصديق القصة من الأصل واعتبارها خيالية تماما.
وأحرز الفيلم الذي يعرض منذ 4 أيام فقط ما يزيد على 25 مليون دولار في عطلة نهاية الأسبوع الأولى بعد بدء عرضه، ليحتل المرتبة الأولى، متجاوزًا فيلم “غودزيلا × كونغ: الإمبراطورية الجديدة” (Godzilla X Kong: The New Empire).
وتجاوزت مبيعات تذاكر فيلم “الحرب الأهلية” توقعات بعض المحللين في شباك التذاكر قبل الإصدار بنسبة 30% تقريبًا، وحققت عروض “آي ماكس”(IMAX) ما يقرب من 50% من إجمالي إيرادات “الحرب الأهلية”.
وخالف المخرج والكاتب أليكس غارلاند بهذا الفيلم توقعات كبار منتجي هوليود حول أنواع الأفلام التي من المرجح أن تحقق نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، وسار على درب فيلمين سابقين من النوع نفسه، فقد حقق “أوبنهايمر” للمخرج كريستوفر نولان، وهو فيلم درامي مدته 3 ساعات عن عالم فيزيائي، 968 مليون دولار، متجاوزًا توقعات الأستوديو بشكل كبير، كما جمع فيلم “مخلوقات بئيسة” (Poor Things) الفانتازي الغريب 117 مليون دولار.
وتدور أحداث “الحرب الأهلية” حول حرب أميركية ثانية في الداخل الأميركي، حيث تشهد البلاد انقساما، يؤدي إلى نشأة عدة فصائل، مثل الولايات الموالية والقوات الغربية وتحالف فلوريدا. وبينما تشن القوات الغربية هجومها على واشنطن العاصمة، يصمم اثنان من المراسلين الصحفيين على شق طريقهما إلى العاصمة وإجراء مقابلة مع الرئيس قبل الرابع من يوليو/تموز.
وبعد وقوع تفجير انتحاري في مدينة نيويورك، يلتقط المراسلان (جويل ولي) رفيقي سفرهما: المراسل الأكبر سناً سامي، والمصورة الصحفية الشابة الطامحة جيسي التي تعشق عملها، ويخوض الأربعة رحلة وسط الدمار والرصاص والخراب لاستعراض ما فعلته الحرب بالبلاد.
” الحرب الأهلية” بطولة كريستين دانسيت، وكيلي سبايني، وواغنر مورا، وبلغت” وميزانيته الإنتاجية 50 مليون دولار
توقيت ذكي
اختار موزعو الفيلم توقيتا ساخنا ومناسبا تماما لعرض “الحرب الأهلية” إذ يتنقل المشاهد الأميركي بين قنوات تلفزيونية تعرض مؤتمرات للمرشح الرئاسي والرئيس السابق ترامب، وأخرى تعرض لتصريحات الرئيس الحالي جو بايدن، وسط نسبب تأييد متقاربة أحيانا، واتهامات جنائية للطرفين، وتطرف مؤيديهم، فبدا الفيلم كما لو كان استكشافا للمستقبل في ظل الاستقطاب الحاد بين الطرفين.
وأكد ديفيد أ. غروس، الباحث السينمائي لجريدة “نيويورك تايمز” أن أحداث الأفلام التي تتعرض لأحداث مأساوية “تدور في عالم مستقبلي يبدو -على الشاشة- مختلفا تمامًا عن الحياة المعاصرة، ويستخدم صناعه الكثير من المؤثرات الخاصة والخيال العلمي لسرد قصصهم، لكن الفيلم يفعل العكس: يبدو الأمر كما هو الحال الآن”.
ويضيف غروس أن هذا الخيار في سرد القصص “يحول هذا النوع من الأفلام إلى شيء معاصر وقابل للتطبيق. القصة ليست حزبية بشكل مباشر، لكنها تستفز المشاعر الحزبية، والجمهور متفاعل عاطفياً، وهذا أمر مثير للإعجاب”.
أميركا أم لا؟
الناقد ايريك كين أكد في مقال بمجلة “فوربس” على كابوسية الحالة بالنسبة له كمواطن أميركي قائلا “هناك شيء مؤلم في العمل، ذلك أنه يقترب من منزلي، على الرغم من أنني لا أعتقد أننا على هذه الهاوية بعد. والشيء المخيف هو أننا قد لا نرى ذلك قادمًا. أن أمتنا سوف تسقط مثل قطع الدومينو، وسيكون قد فات الأوان”.
ويتراجع كين مرة أخرى، ليتبرأ من أحداث الفيلم قائلا “يمكن أن تكون هذه منطقة البلقان أو رواندا في التسعينيات. يمكن أن يكون في أي مكان. عندما وصل الصحفيون -الذين يقودون سيارة دفع رباعي تحمل كلمة “صحافة” (PRESS) مطبوعة بأحرف كبيرة وجريئة من جميع الجوانب- إلى محطة وقود، تفاوضوا للحصول على الوقود من خلال عرض الدولارات الكندية.. لقد انهار الدولار الأميركي. 300 دولار ستشتري لك سندوتشا، لكنها لا تملأ خزان النفط في السيارة. الرجال الذين يتفاوضون معهم جميعهم مسلحون. تتجول “جيسي” في الجزء الخلفي من المحطة حيث يُعلق رجلان من معصميهما ويتعرضان للضرب”.
ويتابع كين “وفي مكان آخر، يواجهون قناصة يشاركون في تبادل لإطلاق النار مع شخص ما في مبنى مجاور. يسأل جويل على من يطلقون النار. يجيب أحد الجنود: لا أعرف. إنهم يردون بإطلاق النار لأنهم يتعرضون لإطلاق النار. نحن لا نعرف أبدًا من هو مطلق النار، أو الجانب الذي يقاتل من أجله هؤلاء الرجال.
وبعد أن يعبر روب ستيوارت، ناقد موقع” 411 مانيا” عن سعادته بخروج الفيلم عن إطار توقعاته، وبالتالي شعوره بالدهشة و”هو شيء جيد” يعود ليشير إلى المتاهة التي سقط فيها بعد مشاهدة العمل، إذ يقول “عندما رأيت لأول مرة الإعلانات التي تعلن أن القوات الغربية هي الجبهة الموحدة لحكومتي تكساس وكاليفورنيا، بدت الفرضية برمتها غير قابلة للتصديق لدرجة يصعب معها الخوض فيها. ثم سمعت أن الفيلم محايد سياسيًا، وتبددت آمالي في أن يكون الفيلم ذا صلة بالموضوع. في المناخ السياسي الحالي حيث كل شيء لاذع للغاية، لماذا تصنع فيلمًا عن حرب أهلية ثم تجعله غير سياسي؟ ما هي الفائدة، إذا لم يكن لديك شيء لتقوله؟”.
ويعود ستيوارت من المتاهة السياسية إلى الصنعة السينمائية للمخرج البريطاني الذي قدم فيلما أو ضوءا أحمر ليحذر الأميركيين مما هو قادم، ويقول “النقطة المهمة هي العمل على الشخصيات الممتازة وإعداد زمن الحرب الذي لا يتعلق بالحرب نفسها، بل بما تفعله بالناس. إن إعداد الأمور كما فعل أليكس غارلاند سيكون كارثيًا إذا كان من المتوقع أن نهتم بالحرب الأهلية الفعلية. لكن كل ذلك مجرد خلفية لهذه الشخصيات المثيرة للاهتمام والجذابة للغاية وصناعة غارلاند السينمائية ذات المستوى البارع.