عقب تكريم أدونيس بجائزة هوميروس في إزمير.. كاتبة تركية تسأله: لماذا تنكّرت للثورة السورية؟
كرّم “مهرجان هوميروس الدولي للفنون الأدبية” الذي انعقد الأسبوع الماضي في إزمير غرب تركيا، الشاعر السوري اللبناني الفرنسي المثير للجدل علي أحمد سعيد إسبر، الشهير بـ”أدونيس”، إلى جانب 3 أدباء وكتاب أتراك، وأثار ذلك التكريم موجة من الآراء المختلفة بين أوساط المثقفين العرب والأتراك، وكذلك الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي كلمته بالمهرجان الأدبي الذي رعته بلدية إزمير، حيا أدونيس (92 عاما) “المدينة الشاعرة”، قائلا إن الثقافة في العالم -ولا سيما في العالم الإسلامي- تكاد تنشطر لفضائي الدين والشعر، مضيفا “أننا لا نرى في فضاء الدين وبخاصة الأوروبي الأميركي، إلا العنف والحروب تدميرا وإبادة..”، بينما “يقف الشعر وحيدا ومتهما”.
واعتبر أدونيس -المعروف بموقفه ضد “الثورة التي تخرج من عتبات الجوامع”- أن اللغة خطيرة ويمكن أن تكون أداة للطمس والمحو، فبدلا من أن تكون طاقة لطرح الأسئلة، تتحول لمستنقع مياه الإجابات اليقينية الجاهزة، ويحل الوهم محل الواقع، ولا مكان في هذا العالم للذاتية الحرة المستقلة، و”لم يبقَ في المساء نجمة إلا أنزلت على خوذة المحاربين”، بحسب تعبيره.
الشاعر والقضية
وتوالت ردود الفعل العربية والتركية على تكريم الشاعر (المولود في جبلة السورية) في إزمير، ونشرت صحيفة “يني شفق” التركية رسالة مفتوحة للناشرة التركية بيرين بيرسايجيلي موت، انتقدت فيها ما اعتبرته تنكر الشاعر السوري -محرر مجلة شعر مع الشاعر اللبناني يوسف الخال- لقضية شعبه، وقالت “هناك الكثير من القصص يمكننا أن نخبرك بها. قصص من أناس حقيقيين، سكان بلدك حيث يتناثر الناس مثل حبات المسبحة.. فتيات تنظر إلينا بعيون واسعة من أبواب الأحياء الفقيرة المؤقتة، وأولاد جميلين يلعبون الكرة في الوحل أمام الخيام التي تلهو بها الرياح، وآباء مفجوعين دفنوا فلذات أكبادهم بأيديهم.. كم قصة لديك عن معاناة شعبك تريد إخبارنا بها؟”.
وفي حديثها للجزيرة نت، قالت بيرسايجيلي موت “نستضيف ما يقرب من 4 ملايين لاجئ سوري في بلدنا.. لا أحب استخدام كلمة مهاجر عند الحديث عنهم.. لأن كلمة مهاجر تعبير بارد يتكون من أرقام فقط.. مثل: جاء 300 شخص، وبقي 500 شخص”.
واستدركت “إنهم أصدقاؤنا وإخواننا ومعلمونا… لكل منهم قصة مختلفة وخصائص مختلفة، وعلى الرغم من أن لديهم جميعا قصصا مختلفة، فإنهم تجمعهم قصة مظالم مشتركة”. وتابعت “إن إخواننا وأخواتنا السوريين هم الآن ضحايا واحدة من أصعب المآسي التي شهدها العالم، والشاعر يجب أن يشارك شعبه قضيته ومعاناته”.
وأردفت في حديثها “لا يوجد شاعر لا يقف ضد الظلم يستحق الاحترام في رأيي.. وأدونيس -لسوء الحظ- اختار التشهير بالقضية السورية بدلا من الوقوف إلى جانب النضال العادل لشعبه.. أعتقد أن السبب هو مقاربة طائفية بحتة.. وهذا بصراحة أثار قدرا كبيرا من الحسرة والغضب في داخلي. أنا منزعجة جدا جدا من الشاعر أدونيس. لو أنه وقف إلى جانب شعبه لدخل التاريخ بطلا، وليس إلى جانب الظالمين كما هو الآن”.
وكان تكريم مماثل لأدونيس بجائزة السلام لمدينة أوسنابروك الألمانية عام 2015، قد أثار جدلا مماثلا، وأنتقد حينها مثقفون -بينهم مترجم أعمال أدونيس للألمانية ونقاد سوريون وألمان- تكريم الشاعر “الذي لم ينأ بنفسه عن القمع الدموي الذي يمارسه النظام السوري منذ سنوات ضد شعبه”.
رسالة مفتوحة
وكانت بيرسايجيلي موت -في رسالتها المفتوحة لأدونيس- قد انتقدت ما اعتبرته تجاهل شاعر الحداثة العربية لمعاناة شعبه، بينما تمتلئ خطاباته بمفاهيم كثيرة وكبيرة، بحسب تعبيرها.
وتساءلت الكاتبة والناشرة التركية لماذا لا يروي أدونيس قصة شعبه، وإنما يكتفي بوصم الجماهير الثائرة بنعوت رخيصة، معتبرة قوله “لا أؤمن بأي حركة تخرج من الجامع” واحدا من أكثر التعبيرات التي صادفتها في حياتها سطحية، “وتكاد تثير الضحك من فرط إزعاجها”، منوهة بأمثلة عديدة لخروج الحركات النضالية من الجوامع في بلاد الشام وفلسطين والجزائر وليبيا وجنوب أفريقيا والقوقاز وغيرها.
وعبّرت الكاتبة التركية عن استهجانها لمفارقة التشهير بأنصار الثورة السورية باعتبارهم “الخارجين من الجوامع”، بينما تغنى الشاعر السوري في أشعاره بقم الإيرانية وثورتها الإسلامية، مشيرة إلى أن الثورة السورية شهدت مشاركة “اشتراكيين ومسيحيين ودروز وعلويين.. وغيرهم” أيضا.
وانتقدت الكاتبة التركية -التي نوهت على صفحتها بتويتر باتصال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط بها لشكرها على رسالتها- ما اعتبرته هوسا بالعلمانية واعتبارها المركز لكل شيء كما لو كانت دينا مقدسا، وتصنيف الناس على أساسها، وأضافت “لمئات السنين، منذ العصور القديمة لدينا العديد من الخبرات الرائعة. انتصرنا وهزمنا ووقعنا في الحب وغضبنا وضحكنا وبكينا معا.. لقد تأذينا كثيرا، وضمدنا جروح بعضنا بعضا.. كنا نغني القصائد ونترنم الأغاني.. لقد أحببنا بعضنا بعضا فقط لأننا بشر. أحببنا بعضنا بعضا بغض النظر عن الجنسية أو العقيدة أو الطائفة”.
واقتبست الكاتبة التي تنتسب لإزمير مقولة لعالم الاجتماع الألماني ماكس هوركهايمر، يقول فيها إن هناك ريحا واحدة فقط تفتح شبابيك البيوت، إنها الحزن المشترك، وأضافت “لم نصادف أشخاصا مثلك يتكلمون بنصوص محفوظة مملوءة بالمفاهيم الباردة، وإنما ارتجفت أصواتنا أثناء حديثنا، محاولين تهدئة بعضنا بعضا لإخفاء حماسنا.. لا يمكننا أن نقول الكثير عن الشعر كما تفعل أنت، ولكن بالنسبة لنا، كان الشعر هو الضوء الذي نراه في عيون بعضنا بعضا. أجمل قصيدة أن ترفع صوتك ضد القسوة”.
وتابعت الكاتبة “نحن -الذين خرجوا من الجامع، المرتزقة، أعداء العلمانية…- بينما كنا نمسك بأيادي بعضنا بعضا، أتيت أنت وعبرت من المدينة التي ولدتُ وترعرعتُ فيها.. وغادرت دون أن تربت على رأس يتيم سوري، دون أن تعطي منديلا لسيدة سورية فقدت زوجها لتمسح دموعها، دون أن تسأل شابا سوريا عن حاله”.
وختمت “وأنت تعانق قتلتهم، لماذا منعت عنهم التحية؟ لماذا لم تحبهم، لماذا لم تُحبنا يا سيد أدونيس؟”.