في اكتشاف غير مسبوق، تمكن فريق بحثي صيني من حلّ معضلة ظلت على مدار عقود طويلة تؤرق الباحثين في هذا النطاق، تتمثل في التساؤل عن مصدر المياه الموجودة على سطح القمر: هل هي قادمة من الخارج أم كانت على سطحه منذ مليارات السنين؟

وللتوصل إلى إجابة هذا السؤال لم يفحص الباحثون مياه الأقطاب أو الفوهات القمرية، بل استخدموا مقياس الطيف المعدني القمري (Mineralogical Spectrometer) لفحص 11 عينة من الصخور والتربة القمرية إلى جانب 8 عينات معملية تأكيدية.

 

الهيدروكسيل المخادع

وحسب الدراسة التي نشرها هذا الفريق البحثي في دورية “نيتشر كوميونكيشنز” (Nature Communications) في 14 من الشهر الجاري، فإن هدف العلماء الرئيس كان جزيئات الهيدروكسيل، التي تتركب من ذرة هيدروجين تتحد مع ذرة أكسجين واحدة.

الهيدروكسيل هو صورة الماء الناتجة داخل التفاعلات الكيميائية، ومن ثمّ إن تمكن الباحثون من إثبات وجوده في تركيب القمر الأصلي، فإن ذلك يعني بالتبعية أن الماء كان جزءًا من تركيب القمر الأصلي أيضا.

“الأباتيت” معدن بلوري غني بالفوسفات يوجد بشكل طبيعي على القمر والأرض (ويكيميديا كومونز)

لهذا السبب، جمعت العينات من سطح القمر في ظرف خاص جدا، عندما يكون في أشد درجاته حرارة، نحو 95%، وذلك يعني حالة شديدة الجفاف ستتبخر فيها أي نسبة ماء موجودة في العينة.

ووفقا للدراسة الجديدة، فمع فحص العينات تبيّن أنه رغم هذا الجفاف الشديد، لم تزل هناك إشارات على وجود جزيئات الهيدروكسيل بمعدل 28 جزءا بالمليون في “الأباتيت” (Apatite)، وهو معدن بلوري غني بالفوسفات يوجد بشكل طبيعي على القمر، وكذلك على الأرض.

وأشار البيان الصحفي الصادر عن “الأكاديمية الصينية للعلوم” إلى أن الماء اضطلع بدور مهم في تكوين وتبلور الصهارة البازلتية القمرية التي تشكلت قبل أكثر من مليار سنة، وذلك سيفيد في المستقبل في دراسة تطور جيولوجيا القمر مع الزمن.

خاطفو الصخور

حصلت الصين على هذه العينات القمرية عن طريق “تشانغ إي-5” (Chang’e 5)، وهي مركبة فضائية آلية تابعة لبرنامج استكشاف القمر الصيني، ولها هدف محدد هو إحضار كيلوغرامين على الأقل من تربة القمر وصخوره إلى الأرض للدراسة.

ونجحت المركبة “تشانغ إي-5” بالفعل في مهمتها، وكانت انطلقت في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 من مركز “وينشانغ” (Wenchang) لإطلاق الأقمار الصناعية من جزيرة “هاينان” (Hainan) الواقعة في بحر جنوب الصين، ثم هبطت إلى القمر في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2020 في المنطقة الشمالية الغربية من محيط العواصف (Oceanus Procellarum)، بالتحديد على قطع جيولوجية يبلغ عمرها نحو مليار و210 ملايين سنة.

وفي الثالث من ديسمبر/كانون الأول 2020، انطلقت المركبة مرة أخرى للأعلى في طريقها إلى الأرض، لتصل العينات إلى أيدي العلماء الصينيين بعد يومين، وتبدأ الأبحاث عليها في أجواء حذرة جدا خشية تلوثها.

ومن المتوقع أن يستمر برنامج “تشانغ إي” الطموح في خطته ويطلق “تشانغ إي-6” لإحضار عينات إلى الأرض من منطقة “حوض أيتكين” (Aitken basin) بالقرب من القطب الجنوبي القمري، وهي واحدة من أكبر الفوهات الصدمية المعروفة في النظام الشمسي كله، وهي كذلك أضخم وأعمق وأقدم حوض جيولوجي معروف على القمر.

المصدر : مواقع إلكترونية

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *