في خطوة جريئة، تمكّن علماء من جامعة نوتنغهام في المملكة المتحدة من توليد إعصار كمّي قوي يفوق الأعاصير الشديدة الموجودة في الطبيعة بمراحل، وشبّهه الباحثون بأنّه إعصار أقرب للثقب الأسود.
وبينما اعتاد الإنسان في الأعاصير الطبيعية التي ألفها أن تقتلع الأشجار وتدمر المنازل، فإنّ الأعاصير الكميّة تعمل على توزيع وتشتيت الذرّات والجزيئات في المستويات الذرية.
وتشير الدراسة التي نُشرت في مجلة نيتشر وتحمل عنوان “سمات نسيج الزمكان المنحني الملتف بسبب عاصفة كميّة عملاقة”، إلى أنّ الإعصار الكمّي يحاكي الثقب الأسود، وكان على الباحثين استخدام الهيليوم في حالته الفائقة الميوعة لكي يكون بلزوجة منخفضة فيتدفق المائع دون أيّ مقاومة.
وتسمح هذه الخصائص للعلماء بمراقبة كيفية تفاعل الهيليوم مع البيئة المحيطة به عن كثب، ليكتشفوا أنّ ثمّة موجات صغيرة موجودة على سطح المائع تحاكي ظروف الجاذبية حول الثقوب السوداء الدوّارة.
تَحتّم على الفريق العلمي أن يضع المعايير والخصائص الصحيحة في المائع، وهذا يشمل تبريد عدة لترات من الهيليوم الفائق الميوعة إلى أدنى درجة حرارة ممكنة، أي أقل من 271 درجة مئوية تحت الصفر، في حين يعادل الصفر المطلق 273.16 درجة مئوية تحت الصفر.
وفي العادة تنتشر الجسيمات الصغيرة الموجودة داخل الهيليوم السائل -والتي تسمى “دوامات كمومية”- مبتعدة عن بعضها البعض، ولكن في درجة الحرارة الشديدة البرودة يكتسب الهيليوم السائل خصائص كمومية تعمل على استقراره.
وباستخدام جهاز تبريد تمكن الباحثون من حصر عشرات الآلاف من هذه الدوامات الكمومية، وتمكنوا بالتالي من توليد تدفق دوامي يشبه الإعصار.
وتفتح هذه التجربة الناجحة أبوابا جديدة للعلماء لمحاكاة نظرياتهم بشأن الزمكان المنحني والجاذبية، إذ سيتمكن الباحثون من مقارنة التفاعلات في الثقب الأسود المحاكى بتوقعاتهم النظرية. ويلخص العلماء الغاية من وراء توليد الأعاصير الكميّة مثل تلك التي في التجربة في عدّة نقاط:
ويقول البروفيسور سيلك فاينفورتنر الذي يقود التجربة في مختبر الثقب الأسود: “عندما لاحظنا لأول مرّة آثارا واضحة لفيزياء الثقب الأسود في تجربتنا التناظرية الأولية في عام 2017، كانت تلك لحظة رائعة لفهم بعض الظواهر الغريبة التي غالبا ما تكون دراستها بطريقة أخرى صعبة، إن لم تكن مستحيلة”.
ويضيف: “أما الآن، من خلال تجربتنا الأكثر تعقيدا، انتقلنا بهذا البحث إلى المستوى التالي، مما قد يقودنا في النهاية إلى التنبؤ بكيفية سلوك الحقول الكمومية في الزمكان المنحني حول الثقوب السوداء في الفيزياء الفلكية”.